بقلم حسن عباس:

في لبنان تتغيّر أمور كثيرة، لكن من الأمور الأكثر ثباتاً في كل الحقبات الحديث عن الفساد الذي ينخر جسد السلطة ويرهق كاهل المواطنين. لذلك، يتظاهر كثير من الشباب اللبناني، ومطلب مكافحة الفساد أبرز أولويات المتظاهرين.

في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، يقول الأستاذ الجامعي والناشط باسل صالح إنّ "الفساد يؤسس لهدر ونهب المال العام ولعدم اعتماد معيار الكفاءة في التعيينات في مؤسسات الدولة، ما يؤدي إلى عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا هو السبب في تردي خدمات الدولة كالكهرباء والمياه والضمان الاجتماعي".

الأزمة سياسية بالأساس

في الحراك اللبناني الأخير، كانت نقطة الانطلاق تراكم النفايات في الشوارع نتيجة عدم تجديد الحكومة عقد شركة (سوكلين) المكلّفة بجمع وفرز النفايات وعدم اتفاق أركان السلطة على بديل عنها.

ويؤكّد الناشط علي سليم، أحد مؤسسي حركة "طلعت ريحتكم" واسمها مستوحى من رائحة النفايات المكدّسة في عدد من شوارع لبنان، لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الأزمة سياسية بامتياز وهي أزمة فساد الطبقة السياسية. فأزمة النفايات هي عيّنة من فساد السلطة وقد اغتنمنا المناسبة لتوعية الناس على أزمة حكم وانطلقنا من قضية عابرة للطوائف ولا يمكن لأحد القول إنّها مطلب طائفي. نحن حفّزنا الناس، لكن الناس خرجوا لأنّهم ممتعضون من أداء السلطة لا لأجل شخص أو آخر من المشاركين في الحراك".

ويشير المحامي مروان معلوف، عضو مجموعة "من أجل الجمهورية" وهي من أولى المجموعات التي تحرّكت في الشارع في الفترة الأخيرة ضد الفساد ولتحقيق مطالب أخرى، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، إلى أنّ "محاربة الفساد مطلبٌ مركزي للتحركات. وملف النفايات فضح حجم الفساد الكبير في البلد واحتكار شركات كسوكلين أسواقاً معيّنة".

من جانبه، يقول زياد توبة، أحد مؤسّسي مجموعة "عالشارع" الناشطة في الحراك الحالي، لموقع (إرفع صوتك) إنّ السلطة تفرض بينها وبين المواطنين "علاقة قائمة على مفهوم المواطن الزبون، وعندما يتم ترسيخ هذا النوع من العلاقات يتعطل مفهوم المحاسبة". ويشير إلى أنّ "الفساد هو نتيجة لتلك العلاقة".

ماذا يريد المتظاهرون؟

"الحراك مطلبي بالأساس"، يقول سليم، مضيفاً "سنستمر في الشارع حتى إيجاد حلول لأزمة النفايات. وبعدها سنختار قضية أخرى وأزمة أخرى وسيكون الرأي العام البوصلة التي تساعدنا على الاختيار، وبما أن الناس تريد فتح ملف الكهرباء، سنقوم بذلك".

أما معلوف فيؤكد أنّ المتظاهرين يطالبون حالياً "بالبديهيات التي من المفترض أن تكون موجودة في أيّة دولة كالكهرباء والمياه وتنظيم الانتخابات بشكل دوري"، لافتاً إلى أن "العمل تراكمي، نخوض معركة تلو الأخرى. ولا يجب تحميل المعركة عناويناً أكثر مما تحتمل". ولكنّه يرى أن "المسألة ليست حصراً مسألة فساد. هناك أيضاً خرق يومي للدستور اللبناني وضرب للشرعية الشعبية وللديمقراطية في البلد من خلال تمديد المجلس النيابي لنفسه".

ماذا أنجز الحراك؟

يعتبر توبة أنّ الحراك غيّر شكل الاعتراض على الفساد، إذ "لم يعد الفساد تهمة يتراشق بها أقطاب السلطة في ما بينهم، بل أصبح تهمة يوجهها الشارع المتضرر للسلطة مجتمعة. وأصبح مادة بين أيدي الناس التي خرجت على السلطة لتضرب مفهوم الزبون وتدفع باتجاه مفهوم المواطن، هذا المفهوم الذي يحيل مباشرة إلى مجموع الحقوق والواجبات".

ويرى معلوف أنّ "الحراك أعاد إلى اللبنانيين الأمل بأنّهم قادرون على التغيير خاصةً أن الحراك أطلقه شباب غير حزبيين وغير طائفيين". ويعتقد أنّ "الروح عادت إلى الشارع اللبناني" متمنياً أن يفرز الشارع قيادات جديدة.

أمل بالمستقبل

"الحراك موجود على الأرض منذ ثلاثة أشهر فقط، ولا يزال طفلاً"، يوضح سليم، مضيفاً "ستكون أمامه مراحل ودرجات متفاوتة من النجاحات والإخفاقات. لكنّ الأمل بالتغيير موجود، خاصة أن الطبقة السياسية تولّد أزمات متكررة. الآن، نزل الناس إلى الشارع. لم نعد نحن اللبنانيون خرافاً لا تعترض".

من جانبه، يشير معلوف إلى أنّ المشكلة في لبنان ليست مشكلة نظام سياسي بقدر ما هي مشكلة سلطة سياسية ويقول متندراً "لو وضعت هذه السلطة في السويد لأفسدت البلد". برأيه، "الضغط عبر الشارع هو الحلّ الذي يقود إلى الإصلاح". ويضيف أن "القضاء هو الضمانة للمحاسبة، ونحن ندعو القضاة إلى إطلاق حركة أيادي بيضاء كما فعل القضاة في إيطاليا لفتح ملفات الفساد ومحاسبة المخالفين. والشارع هو عكّاز يستطيع القضاة الاستناد إليه فهم لن يكونوا وحيدين".

هل القضاء على الفساد هو الحل؟

صالح مقتنع بأنّ "هذه السلطة لا يمكنها الاستمرار بلا الفساد، لأنها تعيد إنتاج ذاتها من خلال اعتماد سياسات التوظيف القائمة على المحاصصة التي تساعد في زيادة عدد المدافعين عن النظام من موظفين يرتهنون لمَن وظّفهم"، ولذلك فإن القضاء على الفساد "من شأنه أن يكون حبل مشنقة لهذه القوى السياسية المهيمنة".

أما الأستاذ الجامعي والكاتب وسام سعادة الذي أسّس منذ فترة مجموعة باسم "طانيوس شاهين" فيبدأ بتعريف الفساد بأنه "يعني اختلاساً أو إهداراً للمال العام أو سوء تصرّف بالسلطة العمومية لمصالح شخصية".

ويقول في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إنّ "المحاصصة بين الأحزاب الطائفية ليست بحد ذاتها فساداً"، مشيراً إلى أن "تقنين هذه المحاصصة ونزع الطابع المركزي عن توزيع الحصص يجعلها أكثر شفافية، وخاضعة لمحاسبة ملموسة أكثر".

كما ينتقد "التعويل المبالغ فيه جداً على مكافحة الفساد من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية"، لافتاً إلى أن "هذا الربط المحموم بين المفهومين مسؤول عن تفشي مناخات شعبوية".

الصور: من تظاهرات وسط بيروت ضد الحكومة اللبنانية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659