بقلم جنى فواز الحسن:

في شهر آب/أغسطس من عام 2014، كان شباب عراقيون يفكرون بكيفية خدمة مجتمعهم والحدّ من حالات النصب والاحتيال والفساد المتفّشي في الدوائر الحكومية.

أطلق الشبان فكرتهم من خلال "ستارت أب ويكند – بغداد"، وهي فعالية سنوية تمتدّ على مدار 54 ساعة، يجتمع فيها المهتمون بتطوير البرمجيات والتصميم والتسويق والمتحمسون لإنشاء الشركات لتبادل الأفكار وتشكيل فرق العمل وبناء المنتجات وإطلاق الشركات الناشئة.

فازت فكرة الشباب بالمركز الأوّل خلال المسابقة التي نظمّتها الفعالية، وكانت تلك فقط نقطة البداية.

يقول مدير مبادرة "معاملة" أحمد رمز لموقع (إرفع صوتك) "استمرينا بعد المسابقة بالعمل على مشروعنا. إستغرقنا الأمر قرابة الأربعة أشهر. وفي بداية عام 2015، أطلقنا الموقع والتطبيق على الهواتف المحمولة".

دليل مدعوم من الجماهير

ويعرّف موقع معاملة هدفه بـ "جعل اجراءات المعاملات الحكومية مفهومة ومتوفرة للجميع لنقوي المواطن العراقي ونقلّل الفساد من خلال توفير دليل مدعوم من قبل الجماهير والذي سيمكن المواطنين من مساعدة بعضهم ومشاركة معرفتهم وخبرتهم".

ويوضح أحمد،المهندس الكهربائي الذي أسّس المشروع، أنّ "المواطن العراقي يعاني من صعوبة في تعقّب معاملاته الرسمية ومن المماطلة وعدم وضوح التعليمات في الدوائر الرسمية. وبالتالي هدفنا أن يشاركنا الناس تجاربهم لكي يستفيد الآخرون من خبراتهم".

بدأ فريق أحمد بجمع المعلومات حول المعاملات في العراق عبر استخدام “Google form” لجمع المعلومات من الناس حول كيفية إتمام المعاملات في بلاده. "التعليمات الحكومية جامدة ولا يتمّ تحديثها"، يقول أحمد. "وبالتالي كان مصدر معلوماتنا الناس والمواطنين الذين أجروا هذه المعاملات".

ويضيف "ذهبنا كذلك إلى الدوائر التي لم نتمكن من جمع المعلومات عنها عبر الانترنت لنسأل الناس هناك عن مسار معاملاتهم".

ردود فعل مشجّعة

يشير أحمد إلى أنّ عدد متصفّحي الموقع بلغ 50 ألف منذ إنشائه حتّى اليوم "ونسجّل يومياً بين 20 إلى 40 زائر جديد. الناس تتفاعل معنا بشكل مشجّع ولم نتوقّع كل ردود الأفعال التي رأيناها وهذا التفاعل من الناس".

ويؤكد أحمد "هناك تفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي والناس تقدّم المعلومات لبعضها البعض وتحذّر من موظّف ما في دائرة رسمية معيّنة. بالتالي، يمكننا الحدّ من عمليات الاحتيال عبر توفير المعلومات الدقيقة للمواطن عن تكلفة معاملته والرسوم التي يجب أن يدفعها بدل أن يكون مضلّلاً ويطلب منه الموظّف مبالغ أكبر بكثير".

ويستخدم الموقع لغة قريبة للناس وحياتهم اليومية ويقدّم المعلومات حول المعاملات بحسب كل وزارة، وفيه خانة مخصّصة للمعاملات الأكثر استخداماً وكذلك مساحة لتفاعل الناس ومشاركة الآخرين تجاربهم. كما يتوفّر التطبيق على هواتف الأندرويد والآيفون.

مشاريع مستقبلية

جهود الفريق كلّها شخصية وبمبادرة فردية من أعضائه الستّة، وهم يعملون باستمرار على تطوير محتوى كلّ من الموقع والتطبيق.

ويقول أحمد "نعمل على استحداث خانة للتبليغ عن ضياع أو فقدان هويّة أو جواز سفر أو ورقة رسمية لأيّ مواطن. ونأمل أن تكون جهودنا مثمرة للعراقيين".

*الصورة: عن صفحة موقع معاملة على فيسبوك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659