بغداد – بقلم ملاك أحمد:
سيّدة تغطي وجهها بنقاب أسود وأخرى تصرخ "هذه صاحبة الخمار تعمل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وحرّاس أمن يحاولون إلقاء القبض عليها.
قد تحسب نفسك أمام مشهد سينمائي، لكن في الحقيقة أنت داخل مبنى مستشفى مدينة الطب في بغداد. أنت أمام سيدة (المنقبة) تحاول استدراج النساء الفقيرات أو المحتاجات إلى المال والعلاج، للعمل في مهن مجهولة مقابل مبالغ شهرية لا تقل عن 700 دولار أميركي مع سفرة إلى تركيا للاستجمام.
بطاقات مبهمة
الغريب في الحكاية كلّها أنّ حرّاس الأمن أطلقوا سراح هذه السيدة بعد وقت قصير مقابل رشوة مادية، على الرغم من الشكوى التي تقدّمت بها بعض النساء ضدّها واتهامها بمحاولة إغرائهن بالمال والسفر مقابل العمل بشركة – لم تذكر اسم هذه الشركة أو عنوانها – فضلاً عن أنّها قد سلمتهن مجموعة من "بطاقات" مبهمة لا تحوي سوى على أرقام هواتف. وأخبرتهن بضرورة مساعدتها في توزيعها على النساء وإقناعهن بالعمل معها وخاصةً الجميلات.
هذه الحكاية واحدة من العشرات التي تحدث يومياً في عدد من المستشفيات الحكومية في العراق. قد لا تحمل التفاصيل نفسها، لكنّها في النهاية تصب في قضيتي الفساد المالي والإداري اللذين يتمثلان دوماً بتقبل الرشوة أو طلب هدية أو خدمة ما مقابل تسهيل مصالح البعض حتى وإن كانت ضد القانون. ويسهم هذا الأمر بشكل واضح في تبرير ما يحدث من تراجع كبير في الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية.
يقول المواطن محمد الياسري، 40 عاماً، إنّ "وزارة الصحة مؤسسة موبوءة بالفساد فهي لا تهتم بالمرضى، ولا يؤدي الأطباء والممرضين وغيرهم من منتسبي مؤسّساتها واجباتهم تجاه المرضى إلا مقابل ثمن على الرغم من كون الخدمة مجانية".
وزارة الصحة: أبلغونا عن حالات الفساد
لكنّ معاون مدير الصحة العامة في وزارة الصحة الدكتور محمد جبر يشير إلى أنّه "لا يجوز اتهام الوزارة بالفساد بشكل عام، إنّما يجب تشخيص مكامن الخلل أو الفساد وتحديدها، ومن ثمّ تقديم شكوى للوزارة، حتى يتسنى لنا محاسبة المقصرين والمفسدين".
ويضيف جبر "لا توجد مؤسسة خالية من المسيئين أو الموظفين الذين لا يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، لذا من الضروري الإبلاغ عنهم للحدّ من انتشار مثل هكذا ظواهر".
يتحاشون دخول مراكز الشرطة
لفترة من الزمن، كان أحد أبرز مصادر القلق لدى المواطن العراقي كيفية التعامل مع العاملين في مؤسسات الدولة وتحديداً مراكز الشرطة، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة حوادث تشي باستغلال كبير من قبل العاملين في تلك المؤسسات، منها - على سبيل المثال لا الحصر - أن يفتعل بعضهم مشاجرة مع أحدهم ويتقدّم بشكوى ضدّه في مراكز الشرطة. وبعد إلقاء القبض عليه أو استدعائه، يتمّ استغلاله مادياً من قبل أفراد الشرطة مقابل إطلاق سراحه (علماً أنّ من يفتعل المشاجرة من الشخصيات المشتبه بهم والمعروفة من بعض مراكز الشرطة).
لذا، يتحاشى الكثير من الناس الأمور أو القضايا التي تدفعهم لدخول مراكز الشرطة. تقول هناء محمد "تمّ استغلالي بطريقة بشعة من قبل أفراد الشرطة بعد أن تقدمت بشكوى ضد سيّدة قامت بالاعتداء عليّ بالضرب داخل محلي المخصّص لبيع الملابس النسائية بسبب مطالبتي بدفع ما بذمتها من مبالغ مشتريات تقاعست عن دفعها لشهور". مع ذلك، تؤكد هناء "الشكوى التي قدمتها ضد هذه المرأة في مركز الشرطة كلفتني أضعاف المبالغ التي حاولت استرجاعها منها".
"أبو الدكايك" يدفع "أتاوات" لأفراد الشرطة
لا يخفى عن أهالي بغداد أنّ أطفال الشوارع والباعة في الطرقات والمتسولين مرتبطون بأشخاص يحكمون السيطرة عليهم ويستغلونهم. لكن يبدو إلقاء القبض عليهم من قبل شرطة النجدة غير مجدٍ، كونهم يخرجون بعد ساعات مقابل ثمن. بينما يتمّ استثناء أولئك الذين لا يدفعون المال أو بالعامية "الاتاوات" من المساعدة، ويُرغمون على البقاء في السجن لحين وصول الكفيل لإخراجهم أو تسفيرهم لإصلاحية الأحداث.
"أبو الدكايك" هي التسمية التي تطلق على عادل، الصبي الذي يبلغ من العمر 12 عاماً ويتجول يومياً في شوارع بغداد متسوّلاً من المارّة. يشرح تعامل الشرطة معه حين يرونه ويحذّرونه من أنّ التسوّل غير قانوني، ويقول "لأكثر من مرّة، ينتهي الأمر باحتجازي في مركز للشرطة، لكنّي أخرج بعد أن أعطيهم بعض المال أو بعد أن نتفق على منحهم نسب معينة من مردود التسول".
أما حيدر، 15 عاماً، الذي يحمل زجاجات المياه ويبيعها في الشوارع، فيقول "يطلب مني حراس الأمن أنّ أشتري لهم علب السجائر وإلا يمنعونني من بيع قناني المياه للمارة". ويوضح فتى آخر في الخامسة عشر من عمره كذلك قصته، قائلاً "اقترب أفراد من الشّرطة وأخذوا مني بالقوة الحلوى التي أعرضها للبيع. اعتقدت في البداية أنّهم سيقودونني إلى مركز الشرطة، لكنّ هذا لم يحدث. قال لي أحدهم: إن لم تدفع جزءاً مما تحصل عليه من المال يومياً سنعاقبك بتهمة الإرهاب".
*الصورة: "إن لم تدفع جزءاً مما تحصل عليه من المال يومياً سنعاقبك بتهمة الإرهاب"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659