إربيل – بقلم متين أمين:

تباينت آراء المتظاهرين الذين شاركوا في المظاهرات التي عمّت مؤخّراً مدينة السليمانية والأقضية التابعة لها في إقليم كردستان في شمال العراق وضمّت مناطق واسعة في حلبجة وإدارة كرميان (قضاء كلار).

المظاهرات لم تكن جميعها سلمية، حيث تخلّلتها أعمال  شغب ورفع بعض المتظاهرين سقف مطالبهم ليصبح شعارهم رحيل رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود بارزاني، بعد أن كانت المطالب تقتصر على الإصلاح ومكافحة الفساد. وإذ يذكر البعض أنّ خروجهم جاء للمطالبة بالرواتب، يقول آخرون إنّهم طالبوا بإصلاحات جذرية في الإقليم.

لم نجهّز أبناءنا للمدراس

يقول محمد كريم، مواطن من مدينة السليمانية ويعمل موظفاً في إحدى الدوائر الرسمية منذ سبع سنوات، لموقع (إرفع صوتك) "عندما كانت التظاهرات سلمية، خرجت مع أقراني من الموظفين والمعلمين واعتصمنا أمام فندق (شاري جوان) الذي كان يستضيف اجتماعاً للأحزاب الخمسة الرئيسية في الإقليم (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية)".

يضيف محمد "رفعنا شعارات طالبنا فيها برواتبنا التي تأخرت على مدى ثلاثة أشهر.. فأحوالنا المعيشية صعبة جداً ولم نستطع حتى تجهيز أبنائنا للمدارس. لذا حاولنا دخول الفندق من أجل إيصال طلباتنا لممثلي هذه الأحزاب، ومنعنا حرّاس الفندق وشرطة مكافحة الشغب أو ما يسمّى هنا بشرطة النشاطات المدنية من دخول الفندق".

ويتابع محمد "بعدها انضمّ إلينا عدد من الناشطين الذين أخرجوا من جيوبهم أوراقاً وغيّروا مسار مطالبنا من طلب الرواتب إلى المطالبة بتغيير الحكم ودعوات لإسقاط الحكومة. تطوّرت الأحداث فيما بعد حيث إختلط عدد من الصبية بالتظاهرات في الأيام الأخرى ورموا الحجارة على الشرطة وسيارات القنوات الإعلامية، ومن ثمّ أشعلوا النيران وبدأت أعمال التخريب التي شهدتها المدينة".

بلا عمل منذ عامين

الشاب آكو ديار من مدينة حلبجة شارك في التظاهر وامتنع عن أعمال الشغب. يقول لموقع (إرفع صوتك) "كنت مع المتظاهرين، لكنّني لم أشارك في رمي الحجارة أو أي عمل عنيف آخر".

ويؤكد ديار أن انضمامه للمظاهرات كان بسبب يأسه من الحصول على عمل. فقد تخرج من الجامعة منذ عامين، ولم يحالفه الحظ في الحصول على وظيفة لحد الآن. "ولم يحالفني الحظ في الحصول على عمل في القطاع الخاصّ أيضا، لأنّه هو الآخر أصبح يحتاج إلى الوساطة لكي يحصل المواطن على عمل فيه".

ويضيف "وجدت في المظاهرة وسيلة للضغط على الحكومة من أجل تلبية مطالبنا نحن الشباب في توفير فرص العمل".

الأحزاب لا تكترث بنا

تتحدّث المواطنة سميرة علي، وهي معلمة في قضاء كلار، عن مشاركتها في المظاهرات، فتقول لموقع (إرفع صوتك) "في وقت نعاني نحن الموظفين والمعلمين في الإقليم من تأخر الرواتب وسوء الأوضاع المعيشية، نلاحظ أنّ الأحزاب لا تكترث بنا وبأحوالنا الصعبة، بل تنهمك في مفاوضات طويلة لا تعنينا بشيء. مشكلتنا ليست رئاسة الإقليم، بل الوضع المعيشي والرواتب التي أصبحت موسمية، فنحن إستلمنا راتباً واحداً خلال الصيف وسنستلم راتباً آخر في الخريف ومن ثمّ في الشتاء. يجب أن تغيّر هذه الأحزاب سياساتها وإلا عليها الرحيل".

إعادة النظر بقطاعات الحكومة

أما شاهو جاف، فهو يؤكد أنّ المتظاهرين خرجوا مطالبين بالإصلاحات الجذرية التي افتقدها الإقليم منذ زمن.

ويضيف جاف "الإقليم يمتلك تجربة ديمقراطية ناجحة في المنطقة، لكن هناك بعض الخلل في الإدارة. نحن بحاجة إلى إعادة النظر بمنهجية العمل في كافّة قطاعات الحكومة. طالبنا أثناء التظاهرات بإصلاحات جذرية وبحلّ الأزمة الإقتصادية وبالتوصّل إلى تسوية موضوع الرئاسة وقلنا لهم كفاكم لهواً بنا وببلادنا. أنهوا خلافاتكم وتطرّقوا لخدمتنا فنحن نحتاج للكثير ونريد منكم أن تنفذوا الوعود التي قطعتموها لنا خلال الحملات الانتخابية".

*الصورة: "نحن بحاجة إلى إعادة النظر بمنهجية العمل في كافّة قطاعات الحكومة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659