إربيل - بقلم متين أمين:

يواجه المواطنون العراقيون يومياً العديد من حالات الفساد الإداري في القطاعين العام والخاصّ. ولطالما كانت هناك معاناة مريرة لدى المرضى وأهاليهم بسبب الفساد الموجود في القطاع الصحي، حيث أصبح المريض رغم آلامه بين سندان المستشفيات الحكومية ومطرقة الأطباء.

سافا حاتم، مواطنة عراقية عاشت مأساةً حقيقية بسبب إصابة والدتها بسرطان الثدي وما شهدته من أحداث مؤسفة جراء تعامل الأطباء والممرضين معها، واضطرارها إلى دفع مبالغ مالية لهم من أجل مواصلة علاج والدتها. التضحيات بجميع الأحوال لم تُجدِ نفعاً إذ خطف الموت الأمّ في نهاية المطاف.

الطبقية في العلاج

تقول سافا لموقع (إرفع صوتك) "في صيف عام 2007، إكتشفنا أنّ والدتي لديها غدّة في صدرها، فتوجهنا إلى طبيب في إحدى مستشفيات بغداد الحكومية. بعد الفحوصات، خضعت لعملية جراحية وتمّ استئصال ثديها لأنّ الغدة كانت سرطانية، ووصف لها الطبيب جرعات كيمياوية احترازية  للحد من انتشار المرض في صدرها".

تتابع سافا "من يعيش في العراق يدرك أنّ مرضى السرطان من ميسوري الحال يسافرون للحصول على العلاج في الخارج لاختصار معاناتهم مع القطاع الصحي في البلاد. أمّا من كانوا من ذوي الدخل المتوسط، فيجب أن يذهبوا إلى عيادة الطبيب بعد انتهاء أوقات الدوام الرسمي لينسقوا معه ويضمنوا استقبالهم في المستشفى الحكومي".

المصيبة الأكبر، بحسب سافا، تقع على أصحاب الدخل المحدود، إذ لا يمكنهم تحمّل نفقة العلاج. "فالطبيب المختص لا يكتفي بالفحوصات الموجودة داخل عيادته، بل يحوّل المريض إلى أطباء آخرين لإتمام عملية الفحص من سونار وأشعة وتحاليل على الرغم من إمكانية إجراء هذه الفحوصات داخل المستشفيات الحكومية".

روائح كريهة وتعنيف للمرضى

تصف سافا أجواء المستشفى التي  كانت تتلقى والدتها العلاج فيها بـ"المأساوية"، وتقول "كنا نعالج والدتي في إحدى مستشفيات بغداد المعروفة. دورات المياه في غرف المستشفى كانت متسخة وتفوح منها روائح كريهة وغير ملائمة لمرضى السرطان الذين يتقيؤون إثر الجرعات الكيماوية. كانت الغرف ضيقة لا تتوفر فيها الشروط الصحية وكانوا يجمعون فيها نحو ستة مرضى يعانون نفس الأعراض".

وتضيف سافا "إجراءات إدخال المريض إلى المستشفى منذ البداية حتّى خروجه لا تتم من دون دفع رشى لإتمام المعاملات. أمّا داخل المستشفى، فالممرضون والممرضات لا يتعاملون بإنسانية مع المريض.. أنا كنت أدفع مبالغ مالية للمعنيين في المستشفى ليسمحوا لي بدخول الغرفة التي تتواجد فيها والدتي. كنت أرى داخل الغرفة كيف يتعرض المرضى للعنف من قبل الممرضات، حتّى والدتي لم تسلم من الإساءة على الرغم من الرشى التي دفعناها".

المأساة استمرت في إربيل

بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في بغداد، اضطرت عائلة سافا أن تنتقل إلى مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان ومواصلة العلاج فيها. وتقول الشابة "وجدنا طبيباً آخر في إربيل.. معاناتنا كانت أكبر في هذه المرحلة لأن المرض اشتدّ بوالدتي. كانت عيادة الطبيب ضيقة جداً ومزدحمة، وكان للطبيب سكرتير يتعامل بشكل سيء مع المرضى".

تضيف سافا "في كلّ مرة، كان علينا أن نتوسط لدى هذا السكرتير ونعطيه مبلغاً مالياً لكي يدخلنا للطبيب بسرعة وليكتب لنا الطبيب الجرعة الكيمياوية. وكان الطبيب يحولنا إلى أطباء آخرين في حين أنّ غالبية الفحوصات لم تكن ضرورية، لكن يبدو أنّهم كانوا شبكة وكان هناك اتفاق فيما بينهم.. كانوا يصفون لنا أدوية كثير لا داعي لغالبيتها لأنها مسكنات".

ماذا تقول وزارة الصحة؟

وفي حديث لمدير الإعلام في وزارة الصحة الدكتور أحمد الرديني مع موقع (إرفع صوتك) حول ما تقوله سافا والإهمال في المستشفيات الحكومية، يؤكّد أنّ "الوزارة تواجه تحديات كبيرة متمثلة بعدم قدرتها على توفير الاحتياجات كافة بسبب عجز ميزانية البلاد وحالة التقشف التي تمر بها".

يشير الرديني إلى أنّ "مهمة المستشفيات الحكومية الكبرى في معالجة جرحى العمليات العسكرية والتعامل مع ضغط مرضى النازحين وانتشار الأوبئة مثل الكوليرا". ويضيف أنّ "هجرة الاطباء إلى خارج البلاد بسبب اغتيال وخطف الكثير منهم، وغيرها من التحديات، بدأت تضغط بشكل كبير على عمل الوزارة وما تقدمه من خدمات صحية".

بحسب الرديني، "حالات سوء التعامل مع المرضى داخل المستشفيات الحكومية هي حالات فردية وليست عامة وهناك لجان متخصصة في محاسبة كل من يتعامل بشكل سيء مع المرضى".

الرديني لا ينفي وجود حالات غير صحيحة من الممكن إدراجها ضمن الفساد مثل الرشوة والإهمال وغيرهما، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أنّها "سلوكيات فردية تعتمد على شخصية الموظف الفاسد أو المسيء بالدرجة الأساس وليست عامة".

*الصورة: نساء وصلن إلى مركز طبي شمال كركوك/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659