بقلم جنى فواز الحسن:

"كان يضربها ويطردها من البيت"، تروي المحامية البحرينية مريم الرويعي عن إحدى موكلاتها. "والآن لم يعد بإمكانها أن ترى ولديها لأنّها تعيش بعيداً عنهما ولا تملك حتّى أجرة السيارة للوصول إلى المنزل حيث يقطنان".

لذلك، تطوعت المحامية لتتبنّى قضية تلك المرأة أمام المحكمة الجعفرية في البحرين.

نفقة مع وقف التنفيذ

تقول الرويعي لموقع (إرفع صوتك) "هي امرأة فقيرة تعمل حالياً في تنظيف المنازل والمكاتب على الرغم من أنّها تعاني من أوجاعٍ في الظهر. حاولت مساعدتها ورفعنا لها قضية نفقة بعدما طردها زوجها من بيت أبيه حيث ترك ولديه. وحصلنا على حكم يخوّلها تقاضي 50 دينار بحريني شهرياً، لكنّها لا تحصل على شيء".

تتابع الرويعي "الحكم في محكمة التنفيذ منذ سنتين، لكنّ موكّلتي لم تحصل على شيء. رفعنا الآن قضية طلاق، لكن لا نعرف كم ستستغرق من الوقت".

تتحفّظ الرويعي على اسم موكّلتها. وإزاء الدهشة حول المظلومية التي وقعت حيال المرأة وقدرة زوجها على التعسّف بهذا الشكل بحقّها، تقول المحامية "طبعاً يستطيع أن يفعل ذلك وأكثر. هي معلّقة وليست مطلّقة".

بعد أن تزوّج الرجل من مستخدمتهم الأثيوبية، هجر العائلة والأبناء. تركهم في منزل والده وأخذ البيت لتصبح زوجته الجديدة سيّدته.

مئات القضايا المماثلة

على الرغم من تكتّم غالبية النساء على قصصهنّ، تؤكّد الرويعي وجود قضايا معلّقة في المحكمة الجعفرية في البحرين منذ أكثر من خمس أو ستّ سنوات. وتقول "الرجل يتزوّج وينجب ويؤسّس عائلة وتبقى المرأة وسط معاناة مزدوجة: خسارتها لحياتها السابقة وعدم قدرتها على بناء حياة جديدة".

تضيف الرويعي "هناك مشاكل في النفقة، مشاكل في أحكام الطلاق ومشاكل في حضانة الأطفال. من الطبيعي أن تكون هناك مشاكل، كيف لا في غياب القانون؟".

محكمة بلا قانون..

يغيب القانون عن المحكمة الجعفرية في البحرين، على عكس المحكمة الشرعية السنية حيث أقرّ قانون الأحوال الشخصية عام 2009. في ذلك العام، أحجمت الطائفة الشيعية عن ربط محاكمها الشرعية بقانون للأحوال الشخصية في البحرين، بسبب تحفظات دينية ودستورية.

ورفضت آنذاك الكتلة النيابية لجمعية الوفاق المعارضة إقرار الشق الجعفري من القانون لتخوّفها من أن يتحول تنظيم الأحوال الشخصية إلى وسيلة لتدخل السلطة السياسية في الشأن الديني الخاص. وهكذا أقر الشق السني منفرداً على الرغم من أنّ الدولة أرادت إقرار القانون كاملاً.

ضمانة دستورية

وتقول رملة عبد الحميد ، من اللجنة النسائية في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "قرار الوفاق لم يكن سياسياً، بل دينياً فقط".

وتضيف "لقد طلبنا ضمانة دستورية حتّى إذا ما عُرض هذا القانون لاحقاً على البرلمان، سيكون للفقهاء الشرعيين في المحكمة الجعفرية الحق بالاطلاع على أيّ تعديلات ليروا إذا كانت تتماشى مع أحكام مذهبنا".

ثم تؤكد رملة "نريده قانوناً إسلامياً وليس قانوناً مدنياً. وبالتالي الموضوع بالنسبة لنا ليس مماطلة أو تسويف لعدم إقرار القانون. الحكومة لم تفتح المجال لإقرار هذه الضمانة".

قانون بلا ضوابط

برزت فكرة إصدار قانون للأحوال الشخصية في البحرين منذ عام 1984 وبقي المشروع مؤجلاً حتّى عام 2002 حيث عادت الحياة النيابية في المملكة. ونظّمت آنذاك مئات النساء اعتصاماً داخل مبنى وزارة العدل للمطالبة بإصدار القانون.

الاحتجاجات ضدّ إحالة القانون برزت في عام 2003 من تيار شيعي واسع قدم عريضة احتجاج للسلطة التشريعية. لكن بعد إقرار الشق السني، خفتت المحاولات للحثّ على إقرار الشق الشيعي.

وتقول المحامية البحرينية مريم الرويعي إنّ "رجال الدين في المحكمة الجعفرية يرون أن لا حاجة إلى القانون وأنّه يجب فقط استبدال بعض القضاة بآخرين أكثر كفاءة". لكنّها تعتبر أنّ "عدم وجود قانون واضح ومحدّد يلغي الضوابط عند التشريع أو الحكم في قضايا الأحوال الشخصية ويفتح الباب للاستنسابية والفساد في الحكم".

وتضيف "هناك مشكلة فعلية أمام القاضي الذي لا يجد قانوناً ليسترشد به". لكنّ عبد الحميد لا تعتبر أنّ الأزمة في غياب القانون. وتقول "القضاة يستلهمون الأحكام من القوانين الجعفرية، وبالتالي لا يمكن القول أنّه لا يوجد قانون".

النجف كمرجعية

ومن إحدى المعوٌّقات أمام صدور القانون اعتبار المحاكم الجعفرية النجف كمصدر التشريع لديها. والنجف بالنسبة للشيعة الاثنا عشرية مدينة مقدّسة وباب علوم آل البيت حيث فيها مرقد الإمام علي والمرجعية الدينية للشيعة والحوزة العلمية.

وتقول عبد الحميد إنّه "لا يمكن لأيّ فقيه أن يكون المرجعية. من الطبيعي أن تكون المرجعية الدينية في النجف مصدر التشريع في قانون الأحوال الشخصية، وأعني هنا الشقّ المتعلّق بالشيعة".

*الصورة: "طبعاً يستطيع أن يفعل ذلك وأكثر. هي معلّقة وليست مطلّقة" / وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659