بغداد – بقلم ملاك أحمد:

يشكو النازحون في العاصمة بغداد من قلة المساعدات المقدمة لهم من جانب الحكومة العراقية، وأنّ العاملين على توفير الخدمات الحكومية يمتنعون عن أداء مهامهم تجاه المخيمات.

النازحون أكّدوا أنّهم سمعوا بتخصيص منح مالية للنازحين، لكنّهم لم يستلموا شيئاً منها حتى الآن. مشيرين إلى أنّهم يواجهون تحديات كبيرة حوّلت حيواتهم إلى جحيم.

لم نستلم غير الوعود

يحاول أسعد عناد، الذي ترك مدينة الأنبار ونزح مع عائلته قبل أشهر إلى بغداد، اغتنام أيّ فرصة عمل ليتمكن من أن يعيش حياة طبيعية. يقول "أنا بحاجة للعمل، والجهات الحكومية لا تفكر بمعاناتنا وتتركنا لنستجدي المعونة من الناس". ويشير إلى أنّه لم يستلم منحة متوجبة من الحكومة له وقدرها 400 ألف دينار حتى الآن، وأنّ "كل ما يقال عن منح للنازحين لا تشمل الجميع".

حال أسعد لا يختلف عن المئات غيره من النازحين الذين تركوا مصادر رزقهم وأملاكهم هرباً من بطش تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي سيطر على مناطق كثيرة في العراق، ليقضوا ساعات من النهار يبحثون عن فرصة عمل مناسبة لهم، لكن بلا نتائج إيجابية.

"لا مال يوفّر لنا لقمة عيش كريمة"، حسب قول أسعد. "يبدو الأمل بإيجاد فرصة عمل أقرب إلى الخيال".

"الواسطة" تحدد من يستحق المساعدات

معاينة الأوضاع في المخيمات المنتشرة بالعاصمة بغداد تظهر اختلافات ملفتة فيما بينها. فهناك مخيمات يحصل أفرادها على المنح الحكومية كاملة، فضلاً عن تجهيزات وزارة الهجرة بـ "كرافانات" للسكن وغيرها من الاحتياجات الأساسية وتوفير الحصص الغذائية، بينما غيرها يعاني من الفقر وانعدام الخدمات، ممّا صعب الأمور على سكانها.

النازحة أم سمير تشير إلى أنّها لم تستلم المبالغ التي خصصتها الحكومة للنازحين. وتقول "في كل مرة أسأل، يخبرونني بأنّ المنح المالية لم تطلق حتى الآن".

وتضيف أم سمير "كمية المساعدات من مساعدات غذائية عينية أو تمويل مادي التي تصل إلى المخيم من قبل منظمات غير حكومية، يتم توزيعها بحسب مزاجية الموظفين وأيضاً بحسب "الواسطة والعلاقات". أما الذي ليس له أحد، فلا يحصل على شيء".

refugee camp 2

نفقات الصحة لـ"جماعتها" فقط

الوضع بالنسبة للأرامل والمطلقات النازحات في المخيمات يبدو أكثر تعقيداً، خاصّةً إن كان أحد أطفالهن مصاباً بمرضٍ ما. تقول أم نور إنّها تعاني من عدم قدرتها على توفير المال لعلاج طفلتها المريضة، على الرغم من أنّها راجعت المستشفيات الحكومية وأخبروها أنّها بحاجة للعلاج خارج البلاد.

أم نور تقول "وزارة الصحة لا ترسل المرضى للعلاج في الخارج إلا إن كانوا من جماعتها. وما صرّحت به عن التزامها بعلاج المرضى خارج البلاد لا يشمل النازحين على ما يبدو، لأنّ كل من يلجأ إليها من بينهم ليطلب العلاج، ترفض إرساله للخارج بحجة أن علاجه ممكن في مستشفياتها هنا داخل البلاد". وتشير إلى أن طفلتها التي لم تتجاوز العقد الأول من عمرها "تعاني من تكلسات في الدماغ وسبق أن أصيبت بأكثر من جلطة".

مهمة الصحة الإعلان عن خدماتها فقط

أما النازحة سحر سلمان فتقول "يتعين على الجهات الحكومية، وخاصةً وزارة الصحة، أن تتعامل بمصداقية مع النازحين وأن تقوم بتوفير العلاجات والأدوية، تحديداً للمصابين بالأمراض المزمنة".

وتشير إلى أنّ "الوزارة لم تقدم أي شيء من ذلك. واكتفت بالإعلان عن توفير خدماتها المجانية للنازحين وتوثيق حالات المرضى والمصابين بلا مساع حقيقية لعلاجهم".

استغلال مساعدات النازحين

كما تتّهم النازحة كريمة محمد جماعات تابعة لمسؤولين بالدولة يشرفون على مخيمات النازحين باستغلال مناصبهم. وتقول "إنّهم يستولون على جميع المساعدات التي تصل ولا يقومون بتوزيعها على النازحين".

وتضيف كريمة " قلّما يمر يوم من دون أن تدخل مساعدات مالية من الناس إلى المخيمات. لكن المسؤولين العاملين على إدارة هذه المخيمات وحراستها يقفون أمام الأبواب ولا يسمحون بتوزيعها إلّا بعد جردها. هذا الأمر يسمح لهم بسرقتها أو توزيعها بشكل غير منصف".

وزارة الصحة

ينفي معاون مدير الصحة العامة في وزارة الصحة الدكتور محمد جبر اتهامات التقصير، ويؤكّد أن "الوزارة تبذل أقصى جهودها في تقديم الخدمات الصحية للنازحين، بما في ذلك المداومة على الزيارات الميدانية لمخيماتهم لتوثيق حالات المرضى وتوفير العلاجات اللازمة لهم، فضلاً عن تخصيص (كرفان) كعيادة طبية في كل مخيم".

وعن علاج النازحين على نفقة الوزارة خارج البلاد، يقول جبر إنّ "هذا الامر يتعلق بإجراءات عديدة أهمّها رأي اللجنة الطبية الخاصة بضرورة علاج المريض في الخارج أو الاكتفاء بعلاجه داخل البلاد".

ويشير جبر إلى أنّ "الأمور لا تتوقف عند هذا الحد، بل هناك أيضاً ضوابط معينة. مثلاً، بعض الأمراض غير مدرجة ضمن قائمة علاج المصابين بها خارج البلاد".

*الصور: مخيّمات اللجوء في العراق/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659