مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

على الرغم من إقرار مجلس النواب المصري قانون بناء وترميم الكنائس، في 30 آب/أغسطس، إلا أن الجدل حول القانون مستمر. فما يزال الانقسام واضحا بشأنه بين مؤيد ومعارض؛ فالمؤيدون يرونه خطوة تاريخية ونقلة حضارية لترسيخ مبدأ العيش المشترك، فيما يرى المعارضون أن القانون سيواجه عقبات عند التطبيق من حيث أن طلب الترخيص لبناء كنيسة يتطلب إجراءات من الممكن أن تكون معقدة.

كما يعتقد آخرون بعدم دستورية القانون من حيث أنه يميز بين أبناء الوطن الواحد في بناء المساجد والكنائس.

لا قيود على الارتفاع ولا تحديد للمسافات

يعالج القانون عدداً من النقاط التي كانت مثار خلاف دائم في السابق ومن ذلك إلزام المحافظ المختص بالبت في الطلب المقدم لإصدار ترخيص بناء كنيسة في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، وأن يكون الرفض مسبباً، في حال عدم الموافقة، حسب ما تنص المادة الخامسة.

كما أن القانون الجديد لا يتضمن قيوداً بشأن تعلية المباني الكنسية ويطبق في هذا ما يسرى على المباني وفقاً لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، وأيضاً لا يضع القانون مسافة محددة بين الكنيستين. وتنصّ المادة الثانية على أن تتناسب مساحة الكنيسة مع عدد المسيحيين في المنطقة حيث يتم بناؤها.

أرقام متضاربة

لا يوجد إحصاءات رسمية يمكن الاعتماد عليها لعدد الكنائس في مصر، وإن كان هناك تصريح سابق في 2013 لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يقول إن عدد الكنائس 2869، فيما تقول بعض المواقع القبطية غير الرسمية إنه 2069.

وفي حديث لموقع (إرفع صوتك)، مؤكدا غياب الإحصاءات، أشار ماهر نعيم، نائب رئيس ائتلاف أقباط مصر، إلى أن الكنيسة قالت إن عدد الكنائس 2033 على مستوى الجمهورية.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد وثّقت، حتى عام 2013، ما لا يقل عن 42 هجوما على الكنائس في مصر بينها إحراق وتدمير 37 كنيسة، علاوة على عشرات المنشآت الدينية المسيحية الأخرى في محافظات المنيا وأسيوط والفيوم والجيزة والسويس وسوهاج وبني سويف وشمال سيناء.

 آراء الأقباط

وبحسب ريمون حنا في حديث لموقع (إرفع صوتك)، فإن القانون المقرّ جيدٌ في مجمله "ويعدُ إنصافا من الدولة فهو في شكله النهائي أعطى الأقباط في مصر نسبة كبيرة من حقوقهم تصل إلى 75 في المئة".

لكن ريمون يعتقد أن القانون لم يراعي الكثافة السكانية المستقبلية للأقباط وذلك في منعه بناء الكنائس في المناطق شبه الزراعية أو الخارجة عن الحيز العمراني التي يطلق عليها المناطق العشوائية وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية.

من جهته، يقول عادل وليم في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن قانون بناء الكنائس الجديد "يمكن أن يخفف من حدة الفتنة الطائفية ويعطى للأقباط الحق في بناء الكنائس ويحقق المساواة والمواطنة بين المصريين جميعاً".

 مشكلة مركبة.. وتطبيق القانون هو الحل

وبحسب الدكتور عماد جاد، عضو مجلس الشعب ونائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، فإن قانون بناء وترميم الكنائس سيساهم في القضاء على أحد أبرز عوامل التوتر الطائفي شريطة تطبيقه بشكل موضوعي، مشيرا إلى أن "مسألة بناء الكنائس وترميمها شكلت جزءا من عدم تطبيق الحقوق في المساواة والمواطنة على الجميع بشكل قانوني وكانت أحد تجليات التوتر في المناخ العام".

ويتابع جاد أن هناك مشاكل عديدة تتعلق بحقوق المواطنة في مصر في مجالات مختلفة. ويرى أن حلها يكون من خلال الحوار ومنظومة قوانين تطبق بشكل موضوعي وشفاف، "فالمشكلة مركبة تستخدم سياسياً من حين لآخر كما حدث في مطلع السبعينيات فقد استخدمها الرئيس الأسبق السادات للحصول على نوع من دعم الشارع"، مشدداً على أن الشراكة في الوطن هي الأساس وإن كانت هناك بعض جوانب التمييز التي تجرح هذه الشراكة.

أزمة مستمرة

تعود أزمة بناء الكنائس في مصر إلى قانون باسم "الخط الهمايوني" صادر من الدولة العثمانية عام 1856 وحدد بموجبه قواعد لبناء دور العبادة لغير المسلمين وربط ترخيص بناء الكنائس وترميمها بموافقة السلطان العثماني. وهو الحق الذي انتقل بعد الاستقلال لرأس الدولة المصرية. واستمر الوضع كذلك حتى عام 1934 حيث استبدل وزير الداخلية آنذاك العزبي باشا "الخط الهمايوني" بشروط عشرة لبناء الكنائس كانت في أغلبها، وفقاً لآراء المتابعين،  شروطاً تعجيزية.

وبحسب المفكر القبطي كمال زاخر، مؤسس التيار العلماني القبطي، فإن وضع هذه الشروط كان لظروف سياسية حيث كانت الحكومة المصرية آنذاك في حاجة لمغازلة الإخوان المسلمين (تأسست سنة 1928).

وانطلاقاً من هذه النظرية التاريخية، حسب زاخر، تأتي أهمية قانون بناء وترميم الكنائس الذي يجب طرحه للحوار المجتمعي مع المتخصصين والمهتمين "حتى لا نعيد إنتاج الماضي ونعود للمربع صفر ومن ثم لا نتمكن من الخروج من الأزمة الحقيقية والمتمثلة في النظرة للأقباط على أنهم رعايا وليسوا مواطنين".

مطالب مشروعة ومسؤولية مشتركة

ويشير زاخر في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى أن أزمة بناء الكنائس في مصر "هي الجزء الظاهر من اللغم ولا يتم حلها بالقانون وفقط".

ويضيف أن على الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات المعنية إعادة النظر في ثلاث منظومات هي "الإعلام والتعليم والثقافة" لكي تحل الأزمة من جذورها.

"المشكلة سياسية مجتمعية"، كما يصفها زاخر الذي يقول "إذا كان الدستور قد أقر المواطنة والدولة المدنية في ديباجته فإننا بحاجة شديدة إلى قراءة الواقع بعيون مفتوحة وتسمية الأشياء بمسمياتها. فهناك مسافة بين النص الرسمي والواقع على الأرض أوجدها المناخ المجتمعي السائد الذي تم اختطافه إلى المربع الطائفي".

ويشير إلى ضرورة الاعتراف بوجود مشكلة ترقى إلى درجة الأزمة "وعلى الدولة وضع حلول موضوعية لها تبدأ بإعمال سيادة القانون، والتعامل بحزم مع كل من يقترب من الاندماج الوطني، وإلا لكنا عرضة ليس لأزمات عند الأقباط وفقط ولكن ربما لأزمة وطن بأكمله، في ظل التحديات وحالة الترصد التي تواجهها مصر من الأنظمة التي أسقطتها الثورة وتعمل على العودة لمقاليد السلطة".

*الصورة: "مسألة بناء الكنائس وترميمها شكلت جزءا من عدم تطبيق الحقوق في المساواة والمواطنة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659