بقلم دلع المفتي:

كشفت الأخبار مؤخرا عن زيادة في إقحام الأطفال في سوق الإرهاب والعمليات الانتحارية، فقد أعلنت السلطات التركية أن الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصاً في غازي عنتاب تمّ على يد طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره.

وفي العراق، تم القبض على طفل يبلغ الثانية عشر يرتدي حزاما ناسفا قبل أن يفجر نفسه في حسينية في مدينة كركوك. أما في سورية فقد قام ثلة من الأطفال بإعدام أسرى لدى داعش بكل جبروت وقسوة قلما تجدها عند من هم في عمرهم.

أي حقد وبشاعة وعفن استولوا على عقول هـؤلاء الأطفال ليسهل عليهم أن يلفوا أجسادهم الصغيرة بأحزمة ناسفة ليقتلوا من يختلف عنهم؟! ماذا قيل لهؤلاء الصغار وكيف تم إقناعهم أن ما يقومون به خير وجزاؤه عند الله كبير؟ كيف يستطيع طفل لم يتجاوز العاشرة أن يقتل إنسانا بقلب بارد من دون أن تهتز له شعرة؟

لا أعتقد أنه مر علينا زمن أبشع وأقذر وأكثر دموية مما نحن عليه الآن. في سورية واليمن والعراق وليبيا وغيرهم، يتفنن كثيرون في إبادة بعضهم البعض من كل المذاهب والمِلل، غارقين في حرب طائفية ستأكل الأخضر واليابس وستبتلعنا معها. فقد نجح رجال الدين المتطرفون من كل جهة في تأليب وتجييش فئة على أخرى، بعد أن نصبوا أنفسهم حاكمين باسم الله، وزرعوا الحقد والكره وثقافة الموت في قلوب الصغار قبل الكبار، مستفيدين من أرض وجدوها خصبة بالجهل والتخلف ليبذروا فيها بذور طائفيتهم وبشاعتهم. يشحنون الصغار والشباب طائفيا ويزينون لهم الجنة ثوابا لجرمهم ويملؤون أرواحهم بكره الآخر لا لسبب إلا لكونه يختلف عنهم بطريقة صلاته.

يتساءل البعض: كيف استطاع أولئك السيطرة على عقول الناس بهذه الطريقة؟ كيف أقنعوهم أن الارهاب والذبح والدم سبيلٌ للجنة؟  كيف شغلوا الناس بترهيبهم من الغزو الفكري الخارجي، متغافلين عن الغزو الداخلي الذي جعل من أطفالنا مجرمين؟

علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونواجه واقعنا المزري، وأن نتوقف عن تعليق مصائبنا على شماعات مختلفة، تارة هي مؤامرة كونية، وتارة هي إيرانية. هؤلاء المجرمون لم يخلقوا من العدم ولم يأتونا على مركبات فضائية. هؤلاء منا وفينا. شربوا ثقافة الموت عبر تعاليم (مزورة) للدين، عبثت بعقولهم فاستسهلوا الموت طمعا في 72 حورية في الجنة مقابل دم إنسان بريء.

لا فرصة أمامنا للنجاة من المستنقع الآسن سوى بتصحيح الخطاب الديني ونفض الغبار عن التعاليم المغلوطة التي دأب المتشددون على زرعها زورا في عقولنا، وسن قوانين صارمة قاسية ضد التصرفات واللغة الطائفية. ثم علينا تحييد رجال الدين وإعادتهم إلى مساجدهم. فلا سبيل لحماية الدين والبشر إلا بتطبيق العلمانية عبر فصل الدين عن الدولة، ورفض تدخل رجال الدين في الأمور التي لا تخصهم.

الأهم من ذاك كله، توجيه المسلمين وخاصة الأطفال عبر المدارس والإعلام نحو ثقافة التعايش والقبول والمحبة والإنسانية، فهذا هو الجهاد الحقيقي.. والأصعب.

عن الكاتبة: دلع المفتي، كاتبة وأديبة كويتية تكتب عموداً أسبوعياً في جريدة القبس. اشتهرت بأسلوبها الممتع وقلمها الساخر، وعرفت بمناصرتها لحقوق المرأة والمهمشين وبمحاربة الفتن الطائفية عبر مقالاتها. نشر مقالاتها العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية المختلفة.

لمتابعة دلع المفتي على تويتر إضغط هنا.

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659