الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

يرى خبراء في علم الاجتماع ومتتبعون للشأن الجزائري أن المجتمع في البلاد ذكوري وهو ما يفسره البعض بالامتداد الفكري الطبيعي للمجتمع العربي.

فعلى غرار المجتمعات العربية، تجد العائلات الجزائرية تميل للصبي أكثر من البنت، فهو من منظورها الضامن لاستمرار اسم العائلة وهو "عمدة" البيت إن حدث وغاب الولي إثر وفاة أو لعائق جسدي.

وكنتيجة حتمية لهذا التراكم الفكري، "ينمو الولد بطريقة تجعله ينظر لأخته ككائن أقل أهمية منه ليس داخل الحيز الأسري فحسب، بل في المجتمع كله، لتستمر عجلة التمييز هذه وتتوارثها الأجيال ظنا منها أن الامر طبيعي واستجابة لإرادة إلهية"، يقول المعز حملاوي أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الجزائر في حديثه لموقع (إرفع صوتك).

كرهت أخي؟

وتقول مهني أمينة لموقع (إرفع صوتك)، وهي مسؤولة بمؤسسة وطنية فضّلت عدم ذكرها، إنها عانت مشكل التمييز هي وأختها أيام الطفولة وما زالت تحمل أسرتها اللوم على المعاملة المنحازة للأخ الوحيد في العائلة.

"لم تكن لدي الجرأة اللازمة لأقف في وجه أبي ومن خلاله أمي بسبب انحيازهما لأخي، لما كنا صغارا كان ذلك يحز في نفسي ولم يكن بمقدوري البوح بذلك. لقد بلغ بي الأمر حتى كرهت أخي".

ويلفت الدكتور حملاوي إلى أن ظاهرة التمييز التي لطالما عانت منها الفتيات بالجزائر، أنتجت جيلا لا يقدّر المرأة من حيث كونها عنصرا أساسيا في المجتمع بحيث ينظر لها كفرد ثانوي وهي من هذا المنظور تدخل في عداد ما ينظر إليه ضمن قالب استهلاكي.

"تهتم العائلات بالبنت في إطار تلقينها أصول وواجبات البيت، في حين يُربى الصبي على الاستهلاك بما في ذلك استهلاك ما تقدمه الأخت، ويرى الجميع ذلك أمرا طبيعيا .. هنا الإشكال".

ذهنيات بالية

في السياق، تروي زليخة يحياوي، كيف كان أخوها يعنفها هي واختها لأنه كان يحظى بمباركة الأب والأعمام "ضمن سياق فكري رجعي"، تؤكد لموقع (إرفع صوتك).

"أنا الآن سيدة و لدي ابنتان، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أربيهما كما رباني أبي"، تقول زليخة.

وتتابع "أنا أحترم أخي، لكن في حدود احترامه لي. لماذا على الفتاة أن تتحمّل حماقات الأخ رغم أنّه ليس ولي أمرها حتى بنص القانون؟".

وتضيف وعلامات الأسى على محياها "أرجو أن يغفر الله لأبي ما عانيناه أنا وأختي من أخي".

وتقول السيدة أن أخاها، الذي يصغرها بعامين، ورث سلوكه الخشن والعدائي تجاهها "بسبب التربية العرجاء والذهنيات البالية التي نشأنا عليها. لقد كان عنيفا حد التطرف تجاهي خصوصا وأنا اليوم أجاهد نفسي لأجل أن أغفر له، إنه ضحية مثلي".

ليتني تعلمت فقط

وتقول السيدة سامية عقون وهي أم لأربع أطفال وماكثة بالبيت، إنّها قاست كثيرا لما كانت صبية في مقتبل العمر حيث رفض الوالد أن تلتحق بأي مدرسة خلافا لأخويها اللذين كانا يتمتعان بحرية مطلقة.

"كنا جميعا نحن البنات في خدمة أبي وأخوي"، تروي سامية مضيفة أنّه لم يكن بمقدورها اللحاق بأي مدرسة لأن والدها كان يرفض الفكرة، "بل لم يكن يرى داعيا لتعليمنا وكنت أبكي لأجل ذلك ليالٍ طوال".

ولتجاوز ما عانته خلال طفولتها قررت السيدة سامية (59 عاماً) التسجيل هذه السنة في صفوف محو الأمية لتمحو بذلك آثار التمييز الذي أثر على سير حياتها بشكل طبيعي".

"سألتحق الشهر المقبل بأقسام محو الأمية لأنني أنوي التعلم ولو القراءة والكتابة فقط، ربما سيساعدني ذلك على تجاوز محنتي".

ويرى الدكتور محمد الطيبي وهو خبير في علم الاجتماع أن الجزائر لا تتصدر البلدان العربية في مجال التمييز الذي نتحدث عنه كصورة للعنف الممارس ضد الفتيات ضمن الأسرة.

ورغم أنه لا ينفي وجود الظاهرة إلا أنه يتحفظ على الحدّة التي يرى وسائل الإعلام تتناول بها الموضوع حيث يقول لموقع (إرفع صوتك) "الظاهرة ليست بالحدّة التي تصورها وسائل الإعلام لا تشتكي الجزائر من الظاهرة كما هو الحال في اليمن أو الأردن".

ولعل تنويه مونية مسلم الوزيرة الجزائرية للتضامن الوطني  والأسرة وقضايا المرأة خلال الاجتماع الوزاري الأخير للندوة الإقليمية الإفريقية حول المرأة، على أن الجزائر "تحرز تقدما في تعزيز تمدرس البنات ومكافحة جميع أشكال التمييز إزاء الأطفال" لخير دليل على تأخر سابق في المجال.

*الصورة: "ربما سيساعدني ذلك على تجاوز محنتي"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659