بقلم إلسي مِلكونيان:
ألحقت الاعتداءات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش أضراراً كبيرة بالمخزون الأثري في الأماكن التي وقعت تحت سيطرته، ومثال عن ذلك الأضرار التي لحقت بمدينة تدمر الأثرية. كما ساهم تردي الحالة الأمنية في دول الربيع العربي التي تمتلك مخزوناً هائلاً من الآثار في تسهيل عمليات سرقة الآثار كالتي طالت المتحف المصري ومتحف "ملوي" في المنيا.
وللحفاظ على هذا المخزون الأثري من الضياع، تنظم مبادرات دولية وأخرى فردية عبر أكاديميين عرب لزيادة الوعي وفرض السياسات المناسبة لحمايتها، نستعرض آخرها في هذا المقال.
جهود حكومية
تأسست منظمة "التحالف للآثار" لحماية الإرث الثقافي في مناطق الأزمات. ويعني هذا الحد من نهب وتهريب الآثار لتمويل الجرائم والصراعات حول العالم. تشكلت المنظمة بعد تعرض المتحف المصري في القاهرة إلى اعتداء عقب ثورة 2011، فقررت مجموعة من المختصين في التراث الثقافي وعلم الآثار والإعلام والأعمال تأسيس هذه المبادرة في واشنطن.
تعتمد هذه المنظمة في عملها على مبدأ الشراكة مع الحكومات العربية. وقد أقامت مؤتمراً في العاصمة عمان، في 8 أيلول/سبتمبر، بمشاركة وزراء من 17 دولة عربية، حيث يقوم القياديون بوضع خطة عمل هدفها تنسيق الإجراءات للتصدي لعمليات التهريب الممنهج.
تقول ديبورا لير، وهي عضو مؤسس، في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن مشكلة سرقة وتهريب الآثار لم تعد مشكلة إقليمية وإنما مشكلة عالمية. وتضيف أن الطريقة لمحاربة ذلك تمثلت بالتعاون بين الحكومات "وهذا ما نحاول أن ندعمه بخطة خلال هذا المؤتمر. كما أننا نحاول أن ندعم خلق فرص عمل في قطاع الآثار لأنه بدوره سيسهم في فرض نوع من حماية الآثار من السرقة والضياع".
وحول ما استطاعت المبادرة تحقيقه، تشرح لير أن المبادرة قدمت استراتيجيات للسلطات الأميركية لإيقاف استيراد الآثار من سورية. ونشرت المبادرة تقريراً على موقعها الالكتروني يفيد بأن استيراد الآثار من سورية شهد ازدياداً ملحوظاً في الفترة بين 2012 و2013 وبأن سعر القطع المستوردة قد ارتفع من حوالي خمسة ملايين دولار أميركي إلى 11 مليون دولار أميركي، حسب موقع المنظمة.
علاوة على ذلك، تقوم المبادرة حالياً بمساعدة الجهات المختصة في مصر على إجراء جرد لممتلكاتها الأثرية وتعمل الآن على تقديم دورات تدريبية لمسؤولي المتاحف لينفذوا عملية الجرد. كما أنها تسعى لمساعدة الحكومات العربية على الاستفادة من القوانين الدولية لإيقاف تهريب الآثار.
تتمنى لير أن ينضم إلى المبادرة المزيد من المنظمات غير الربحية وجهات مختصة أخرى لتكون جزءاً من الحل وتكمل الجهود المبذولة، كأن تضع خططاً أمينة أو أن تبحث في أفضل السياسات القائمة للحفاظ على الإرث الحضاري.
جهود الأكاديميين
يقوم بعض الأكاديميين العرب الخبراء في مجال الآثار بمجهود مماثل. فقد وقفت الدكتورة مونيكا حنا على السرقة التي حصلت لـمتحف "ملوي" الوطني في محافظة المنيا المصرية، في 14 آب/أغسطس 2013، حيث أدت الاعتداءات التي تعرض لها المتحف إلى اختفاء ما يزيد عن 1000 قطعة أثرية.
قامت الباحثة المصرية بمناشدة السلطات لطلباً للمساعدة عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي توتير. وقامت، مع بعض زملائها بمساعدة ضباط الشرطة على نقل ما تبقى من مقتنيات المتحف المسروق بعد الضرر الذي لحق له جراء تفجير في الأرض المحيطة به.
وتستعين مونيكا بوسائل التواصل الاجتماعي لتزيد من وعي الناس حول أهمية الحفاظ على الآثار المصرية وضرورة الحفاظ عليها. فقد أنشأت مونيكا صفحة على موقع فيسبوك بعنوان "الحملة المجتمعية للحفاظ على التراث" يزيد عدد متابعيها عن 11 ألف شخص.
تقول مونيكا في حديث نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية "نحاول أن نكون نعمل كمرصد مجتمعي (لمراقبة الآثار) في كل أرجاء كمصر" وتضيف "لكن جهودنا في الوقت الحالي جهود خجولة".
لكن يبقى السؤال: كم من الشباب العرب حالياً يعي أهمية ما يفعله الأكاديميون كمونيكا حنا أو المبادرات العالمية التي ذكرنا مثالها هنا؟ وما عدد المتطوعين لمساعدتهم على حماية إرث بلادهم الحضاري والوطني من الضياع؟
إن لموضوع حماية الآثار أبعاد اقتصادية، حيث أن معظم الدول الشرق الأوسط تملك مخزوناً هائلاً من الآثار، يمكنها أن تستفيد منه لجذب السياح. ويؤدي الحفاظ على هذا المخزون إلى تنشيط القطاع السياحي وخلق فرص عمل من شأنها رفع الناتج الإجمالي القومي لبلدان رزحت تحت وطأة الإرهاب والأزمات الأمنية والاقتصادية.
*الصورة: المتحف المصري في القاهرة/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659