الأردن – بقلم صالح قشطة:

يرى مراقبون أن ما يعصف بالمنطقة العربية من صراعات وحروب وتوغل للجماعات الإرهابية وممارساتها من شأنه أن يساهم في تغيير ملامح المنطقة وهويتها التاريخية، لا سيّما بالعبث بالإرث التاريخي المتمثل في المعالم الأثرية التي تشهد على تاريخ المنطقة الحضاري والثقافي والديني، بالإضافة إلى عمليات التهجير القسري الذي تتعرض له العديد من الفئات التي تقطن المنطقة منذ زمن طويل، والتي ساهمت في رسم ملامحها المتعددة والمتنوعة.

اقرأ أيضاً:

التهديد الإرهابي يحضر بقوة في الحملة الرئاسية في فرنسا

سورية.. 430 ألف قتيل في خمس سنوات

وبحسب الخبراء، لهوية المنطقة امتداد في شخصية الأفراد والمجموعات وعاداتهم التي تتأثر بالبيئة المحيطة، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى ساهمت الصراعات والممارسات الإرهابية في تشتيتها وطمسها، ما يرى فيه البعض خطراً على تركيبة المنطقة الديموغرافية وعلى هويتها.

تفاوت حسب العمر

وفي حديث إلى موقع (إرفع صوتك) يرى جميل إلياس، وهو لاجئ عراقي قادم من نينوى مقيم في الأردن، أن تأثير النزوح على هويتهم يتفاوت ما بين كبار السن، الشباب، والأطفال، ويؤكد أنه على صعيد الكبار فلن تتأثر هويتهم لا ثقافياً ولا دينياً.

"بالنسبة لي كرجل في الستين فلن تتأثر هويتي حتى لو ذهبت إلى أبعد نقطة على وجه الأرض"، يقول جميل. أما الشباب فيتوقع أن بعضهم سيحافظ على هويته رغم اتجاههم نحو التنوع واختلاط الثقافات والاندماج بمظاهر الحياة الجديدة التي تفرضها المجتمعات المستضيفة.

الخوف على الهوية الأصلية

وبالنسبة للأطفال فيتوقع لهم الانخراط بنمط حياة جديد تماماً بعيد عن هويتهم الأصلية، منوهاً إلى أن بعضهم تأثر بلهجات ولغات جديدة أبعدتهم عن لغتهم الأم.

ويضيف جميل "هناك جيل سيولد في بلاد اللجوء وأتوقع ألا يعرف شيئاً عن وطنه وعن هويته الأصلية، وقد تتغير ثقافته ولغته بشكل كامل".

وهذا ما تؤيده رغد جورج، اللاجئة من الموصل، في حديثها لموقع (إرفع صوتك)، إذ تشير إلى أن التخوف الأكبر من فقدان الهوية يقع على الأطفال وعلى الجيل الجديد. إلّا أنها كأم ترى أن الأهم "هو الحفاظ على أطفالي في مكان أكثر أماناً من الوطن العربي الذي يتعرض لكثير من التهديدات بشكل مستمر، كأوروبا مثلاً"، والتي تراها أيضاً مكاناً صحياً للحفاظ على هويتهم الدينية بشكل أكبر.

الإرهاب كهوية أحادية

وعلى حد تعبير جميل، فقد بدأ العراق على وجه الخصوص والمجتمع الشرق أوسطي بشكل عام بخسارة التنوع في هويتهما، ويعلق على ذلك بقوله "هذا أمر خطر، لأن التنوع يخلق بيئة من السلام والمحبة والثقافة المشتركة، وكل هذا حدث بسبب الإرهاب والصراعات الدائرة بسببه، والإرهاب قائم على هوية أحادية لا تنوع فيها"، وبرأيه فإن هذا سيعيد للمنطقة الصراعات الداخلية ما بين التيار المعتدل والتيار المتطرف، وسيعيد التناحرات القبلية.

كما يرى أن الإرهاب قد دمر الحياة في المنطقة وأنه مستمر في طمس تاريخها بممارساته "الإرهاب لا يعترف بأي هوية دينية أخرى، بل ويسعى لإبادتها"، ليعبر خلال حديثه متأثراً "أشتاق لطقوسنا الدينية الخاصة، أنا سعيد بصلاتنا هنا في الكنائس التابعة للطائفة اللاتينية التي لا تختلف عن كنائسنا، لكن عندما أستمع إلى صلاة بطريقتنا ولغتنا فإن عيناي تغرقان بالدموع".

ويتذكر جميل ما تسبب به الإرهاب في منطقته. "نحنّ إلى كنائسنا وذكرياتنا الجميلة التي حرمنا داعش منها، فقد دمروا العديد من معالم وطننا التاريخية التي يعود عمرها إلى آلاف الأعوام، وحطموا تمثال الثور المجنّح التاريخي الذي يرمز للدولة الآشورية منذ آلاف السنين، فجروا قبور الأنبياء كالنبي جرجيس والنبي يونس، دمروا هوية وطننا التاريخية وأبكونا جميعاً".

وسورية أيضاً..

كما يتحدث الناشط ثائر الطحلي اللاجئ من سورية إلى موقع (إرفع صوتك) عن مدى تأثر هوية مجتمعه وبلاده بما تعرضت له من ظروف قاسية، ويبدأ بالجيل الجديد من الأطفال الذين "لا يعرفون شيئاً عن وطنهم". ويرى أن الجيل القادم الذي سيولد في المهجر "لن يحمل شيئاً من الهوية السورية بتاتاً".

وبحسب الطحلي فهناك محاولات لطمس الحضارة والهوية السورية، وعلى حد تعبيره "إحدى أول اللغات البشرية كانت الأوغاريت، نشأت في سورية التي كانت مهداً لكثير من الحضارات، لكن دخول تنظيم داعش والعديد من الأطراف الأخرى على الخط أبعدنا كثيراً عن هويتنا وحضارتنا".

ويضرب الطحلي كمثال مدينة تدمر التي دُمرت معظم آثارها أو تم تهريبها إلى خارج سورية، "تماماً كما حدث في العراق من حرق للكتب التاريخية في الكوفة وبغداد".

الحفاظ على الهوية

رغم كل ذلك يرى الناشط أن سورية ستحافظ على هويتها رغم محاولات تدمير تاريخ وهوية المكان المستمرة، وأن هناك العديد من المعالم التي تدل على هذه الحضارة التي لا يمكن طمسها، إلّا أنه يرى أن من بات يفتقد لهويته هو السوري الذي يعيش في بلاد النزوح "خصوصاً من نزحوا إلى الغرب، الذين باتوا يفتقدون للعادات والتقاليد التي تعتبر جزءا أساسي من هويتنا، كطقوس ومظاهر الأعياد والمناسبات الخاصة كطرق الزواج المرتبطة ببعض المناطق السورية، هذا لم يعد موجوداً بعد اللجوء إلى الغرب".

*الصورة: من بات يفتقد لهويته هو السوري الذي يعيش في بلاد النزوح/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659