أربيل - بقلم متين أمين:

لم يخطر في بال الموصليين أن مدينتهم المعروفة بآثارها وشواخصها التاريخية التي تمتد جذورها إلى آلاف السنوات ستفقد في يوم من الأيام كل هذه الشواهد على يد تنظيم داعش، الذي ومنذ احتلاله المدينة، في حزيران/يونيو من عام 2014، واستمرار سيطرته عليها حتى الآن، لم يتوانَ ولو للحظة عن تدمير حضارتها ومعالمها الأثرية.

فقدان الهوية

يخشى سكان الموصل من فقدان مدينتهم لهويتها الحضارية والثقافية بسبب ما شهدته من أعمال إرهابية.

ويشدد الباحث والمختص بحل النزاعات وبناء السلام، خضر دوملي، على أن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في الموصل ستكون لها عواقب طويلة الأمد.

اقرأ أيضاً:

منقب آثار: أكثر من 25 ألف موقع في العراق ومعظمها بلا حماية

قوانين الإرهاب: بين متلازمة الاضطهاد والإيديولوجيا!

المدينة، على حد قول دوملي، قد تفقد إرثها الحضاري وتفقد تراثها وإرثها التاريخي لأن ما ارتكبه داعش من انتهاكات وجرائم بحق المدينة، بيئة وحضارة وشواخص وهوية، "غيّر طابعها إلى الأبد".

ويوضح لموقع (إرفع صوتك) أنّ مرحلة ما بعد داعش لا تزال برمتها مجهولة، ومصير مركز الموصل لن يكون كما كان في السابق.

وتضمّ مدينة الموصل الكثير من التماثيل والآثار التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. وشن تنظيم داعش بعد احتلاله الموصل في صيف عام 2014 حملة واسعة على آثار الموصل وشواخصها التاريخية، ونشرت صفحات تابعة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي أشرطة مصورة تُظهر مسلحي التنظيم وهم يفجرون المدن الأثرية وأضرحة الأنبياء ويجرفونها ويحطمون آثار متحف الموصل، يحرقون المعابد والكنائس والمساجد، ويحولون ما تبقى منها إلى مقرات لهم. ومن ضمن ما دمّره داعش تمثال بوذا الفريد من نوعه، وبعض القبور والأضرحة، وكذلك التمثال الآشوري الكبير الذي يعتبر من أقدم الآثار في التاريخ، وكذلك الثور المجنح الخاص في بوابة نركال.

ويقول دوملي إنّه حتى لو أعيد بناء ما فُقد "فلا يمكن أن تعود المدينة كما كانت عنوانا لحضارة المنطقة".

ويتأسف أن إعادة ترميم الآثار "هو آخر ما تفكر به السلطات المحلية.. ولا توجد أي خطط احترازية لحماية إرث المدينة الحضاري، فلا يزال البشر في قبضة داعش فكيف بالآثار والشواخص الحضارية!".

ترسيخ التعايش

ويجد دوملي أن التراث من شأنه أن يلعب دورا مهما في ترسيخ السلام والتعايش كونه "عامل لتقريب المكونات والانتمائات في عملية الإعمار من خلال مساهمة الجميع في الحماية والحفاظ على الإرث الحضاري لهذه المدينة العريقة التي هي ليست ملكا لمكون واحد ولا لديانة واحدة ولا لقومية واحدة".

تدمير كامل

ويرى المختص في شؤون الآثار، عبد السلام الخديدي، أنّه مهما كانت الظروف التي تشهدها البلاد صعبة إلا انها لن تستطيع أن تمحو الحضارة والتراث.

ويسلط الخديدي الضوء على التدمير الذي تعرضت له الآثار في الموصل على يد داعش. ويوضح في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنّه استنادا إلى التقرير السنوي لمؤسسة الآثار العراقية، ولغاية حزيران 2015، دمّر تنظيم داعش المتحف الحضاري في الموصل ونهب محتوياته، ودمر غالبية المدن والعواصم الآشورية التي هي في الشرقاط التابعة لمحافظة صلاح الدين إداريا، ونمرود ودورشوركين التي تعرف اليوم باسم خورسبارد، ونينوى.

وكذلك شمل التخريب مدينة الحضر إضافة إلى تدمير التراث والإرث المسيحي ورموزه الدينية، فدمر التنظيم أكثر من 40 كنيسةً ومزاراً وديراً ومقبرة، ونهب متحفَ وكنيسة مار توما التي تقع في الموصل، حيث يعبر هذا المتحف عن التراث الشعبي وفيه أيضا مخطوطات بالسريانية وكنوزا كبيرة. وكذلك سُلب متحفان تراثيان للمكون المسيحي في بلدة بغديدة.

ويمضي الخديدي بالقول إن التدمير شمل أيضا حوالي 30 مزارا للأيزيديين، كذلك أكثر من 70 مسجداً وجامعاً هذا فقط في محافظة نينوى. إضافة إلى تدمير أكثر من 74 جامعا وحسينية للطائفة الشيعية، وفجر التنظيم أكثر من أربع تماثيل لشعراء ومؤرخين وموسيقيين في مركز مدينة الموصل.

وسرق التنظيم محتويات كافة المكتبات العامة والخاصة سواء كانت في الكنائس أو في الأديرة أو المساجد والمتاحف، إضافة إلى تدمير البنية التحتية للمحافظة التي هي مقومات استراتيجية للنهوض والتقدم لأي مدينة في العالم. هذا إلى جانب ما تعرضت له الآثار والمواقع الأثرية والتلول الأثرية. وهناك أكثر من 1300 موقع أثري استخدمت كمواقع عسكرية باعتبارها مواقع مرتفعة منتشرة في الرقعة الجغرافية في محافظة نينوى.

كارثة إنسانية وتاريخية

ويؤكد الناشط الموصلي اياد صالح أن الموصل تواجه كارثة تاريخية وإنسانية. ويشير في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى أن داعش لم يكتف بتدمير آثار الموصل، بل سرقها أيضا "وهذا بشهادة شهود عيان".

ويعطي مثالا الثور المجنح الذي كان موجودا على يمين ويسار باب نركال في منطقة الحي الزراعي وسط الموصل، لافتا إلى أن مسلحي داعش قطعوا الثور المجنح إلى قطع صغيرة ومن ثم وضعوه في صناديق وأخروجه من العراق، ثم في صباح اليوم التالي جرفوا الأسوار الطويلة التي تُعرف بها  المنطقة.

ويختم صالح حديثه قائلا "في موصل ما بعد داعش ستكون هناك كارثة تاريخية وكارثة إنسانية ليس فقط في قتل البشر بل بقتل تاريخ مدينة كاملة".

 *الصورة: عراقيون في مخيم للنازحين جنوب الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659