بقلم فلاح المشعل:
تستدعي ظاهرة الإرهاب الإسلاموي وانتشاره تقصّي عوامل نشأته ومعرفة البيئات التي تقترح وجوده وتمدده. فالإرهاب لا يولد من الفراغ. ولا يعبّر عن رغبات ذاتية منحرفة لمجموعة سادية هوايتها ممارسة العنف وقتل الآخرين وحسب، إنما هناك جملة عوامل تشترك وتتآزر في جعل الإرهاب ظاهرة عالمية تقوم على أسباب اجتماعية وإيديولوجية، ما يجعلها رهينة عواملها.
وإذ يذهب بعض المختصين إلى توصيف الاحتلال العسكري بأحد العوامل المحرضة على الإرهاب؛ كونه ينتج مناخات تشيع ثقافة العنف وسلطة السلاح وليس القانون، فإن الإرهاب يستثمر في بيئة الفقر والبطالة والتهميش واليأس والاضطهاد والتخلف الثقافي، ما يجعل فكرة الانتقام من الآخر جاذبة طردياً للمشتغلين في عالمه، خصوصاً في الدول التي تتحكم فيها أنظمة دكتاتورية فاسدة تنعدم فيها الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية. وقد لا تكون هذه البيئة الوحيدة التي يستثمر فيها الإرهاب، لكنها إحداها.
اقرأ أيضاً:
باحث عراقي: جرائم داعش في الموصل غيّرت المدينة إلى الأبد
قوافل المساعدات عبرت تركيا.. لكن طريقها إلى حلب ليس سالكاً
الإرهاب يكون جاذبا ًبالعادة، لأنه يصدر عن إيديولوجيا دينية متطرفة. وهو يعد بـ "الفردوس" المفقودة في الأرض. وإذا ما حسبنا تعدد مدارس ومراكز بث الفكر المتطرف في المحيط الإسلامي والعالم أجمع، مع اتساع مساحات الفقر المعيشي والثقافي في المجتمع البشري، فإن انتشاره الكارثي سيؤدي إلى خسائر بليغة.
صناعة الأمن مهمة وطنية تقوم على إيفاء الحكومات بمستلزمات الأمن الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتربوية، إضافة إلى المهام البوليسية. من هنا، فإن الأنظمة السياسية التي تفشل في صناعة السلام والأمن المجتمعي، تخفق أيضاً في مكافحة الإرهاب. ونحن هنا إزاء أمثلة ما زلنا نعاني من خسائرها في كل من سورية والعراق.
فشل صناعة الأمن في العراق وسورية وتفاقم ظاهرة الإرهاب فيهما يترجم الأخطاء البليغة التي ارتكبتها كلتا الحكومتين في ممارسات أجهزتها الأمنية لأبشع سلوكيات القمع والإذلال والتعذيب والقتل ضد الجماهير المعارضة.
وإذ تشير ذاكرة الأحداث في سورية إلى خروج مظاهرات شعبية سلمية تطالب بالحرية وإصلاح النظام، فإن جواب السلطة جاء بأقصى طاقة للعنف والرصاص والاعتقال والتعذيب. هذا التصعيد اللامسؤول منح الفرصة للمنظمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة لاستغلال واقع الحال، فجاءت الكوارث والنكبات لتضرب المجتمع السوري المسالم بجرائم لم يشهدها في تاريخه أبداً.
التجربة العراقية أيضاً كانت باعثة على توليد الإرهاب، بسبب وجود الاحتلال وسياسة الحكومة في الاجتثاث وهيمنة السلوك الطائفي وتهميش الآخر. ثم جاء قانون مكافحة الإرهاب ليكون مصيدة لكل معارض، ويطرح فكرة العقاب فقط من دون بحث معالجات أخرى تقترن بأسبابه. ومن هنا فإن قانون مكافحة الإرهاب صار محرضاً عليه بدل معالجته.
الأمم المتحدة والنظام الدولي مدعوان لتفعيل الطاقات لمكافحة هذا السرطان الكوني ومعرفة دوافعه الحقيقة ومصادر تمويله، وغلق مراكز البث الفكري للخطاب الديني المتشدد والباعث على ثقافة الإرهاب، ومساعدة المجتمعات الفقيرة في العالم للتخلص من الحروب والجوع والفاقة.
نبذة عن الكاتب: فلاح المشعل، كاتب وصحافي عراقي يقيم في بغداد ويكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية والعراقية. شغل عدة مواقع خلال تجربته الصحافية البالغة نحو 30 سنة، ولعل أبرزها رئيس تحرير صحيفة الصباح العراقية، وكان أحد مؤسسيها . عضو نقابة الصحفيين العراقيين ، ومؤسس لمركز الصباح للدراسات والنشر.
لمتابعة فلاح المشعل على فيسبوك، إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.