بقلم علي قيس:

يحتل العراق مكانة بارزة بين دول العالم في عدد المواقع الأثرية، إذ يصل عددها إلى أكثر من 25 ألف موقع، تتنوع ما بين حضارات تمتد إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد، من بينها الآشورية والأكدية والسومرية والبابلية والمقدونية وغيرها، بحسب الباحث والمنقب الآثاري العراقي عامر الزبيدي.

وفيما يشير الباحثون والمختصون إلى تناقض بين غنى العراق التاريخي مقابل ضعف الاهتمام بعمقه الحضاري، يؤكد الزبيدي في حوار مع موقع (إرفع صوتك)، "نحن بلد الآثار الأول ولا يوجد أي اهتمام بترويج هذا القطاع وتطويره ليكون قطاعا اقتصاديا مهما"، مضيفا "نسبة ما تم التنقيب فيه من المواقع الأثرية في العراق لا يتجاوز إثنين في المئة، وهذا شيء مفاجئ، كما أن نسبة ما هو مُسيّج ومحمي من المواقع فهو يقل عن واحد في المئة".

نهب الموروث التاريخي والحضاري

ويتابع الزبيدي، الذي يعمل في مديرية آثار محافظة ذي قار (جنوب العراق) "في محافظتنا 1200 موقع أثري، والوحيد المحمي منها هو موقع مدينة أور، وعدد الحراس في جميع مواقع المحافظة لا يتجاوز 130 حارسا".

اقرأ أيضاً:

باحث عراقي: جرائم داعش في الموصل غيّرت المدينة إلى الأبد

تعرف على مدينة الأقصر.. مدينة السياحة العالمية

ويؤكد الباحث في مجال الآثار أن جميع المواقع الموجودة في ذي قار تعرضت للسرقة، موضحا "خلال الأشهر الستة الأولى بعد أحداث 2003 كانت المواقع بدون حماية، باستثناء مدينة أور لأنها كانت قاعدة عسكرية للجيش الأميركي، وهذا ما منع المهربين من الوصول إليها".

ويرى الزبيدي أن أعداء الآثار كثيرون، ويشير إليهم بقوله "الإهمال الحكومي، ومهربو الآثار، ودول الجوار التي تغض الطرف عن عمليات التهريب، والنظرة الموجودة لدى السياسيين بعدم الاهتمام بهذه المواقع، بالإضافة إلى غياب الثقافة لدى المجتمع، بل حتى في مناهج وزارة التربية".

ويكشف المنقب الزبيدي أنه لمس الحرص على المواقع الأثرية عند الوفود الأجنبية، التي رافقها خلال زيارتها للمواقع الأثرية، مضيفا "هناك اليوم خمس بعثات أجنبية للتنقيب لكن ذلك العمل دون مستوى الطموح".

ويؤكد الزبيدي أن "الاهتمام بالآثار اليوم يحتاج إلى جهود تتعدى دور الحكومة العراقية، هناك حاجة لجهود دولية لاستعادة ما نهب من قطع أثرية وحماية ومنع عمليات التهريب، إضافة إلى إعطاء العراق منح مالية لتأهيل المواقع الموجودة".

%d9%82%d8%b7%d8%b9%d8%a9-%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%8a%d8%a9

جهود حكومية لاستعادة القطع المهربة

وكانت وزارة السياحة والآثار العراقية أطلقت، في 14 من حزيران/يونيو 2015، (قبل دمجها بوزارة الثقافة)، حملة وطنية لحماية التراث والآثار، وتزامنت مع الحملة التي اطلقتها منظمة اليونسكو في بغداد بعنوان "متحدون من أجل التراث"، والتي أعقبها حملة أخرى أطلقت في مدينة بون الألمانية بعنوان "التحالف العالمي  لحماية الآثار والتراث العراقي".

حيث تحاول الحكومة العراقية من خلال هذه الحملات استعادة القطع الأثرية التي هُرّبت، حيث تمكنت من استعادة 1200 قطعة عبر هذه الحملة.

كما تسلم العراق، في منتصف تموز/يوليو 2015، 483 قطعة أثرية من السفارة الأميركية ببغداد، و(861) قطعة ورقما طينية وممتلكات رئاسية، استردتها وزارة الخارجية العراقية من أميركا وإيطاليا والأردن.

*الصورة الرئيسية: أثار آشورية عراقية في متحف الوطني ببغداد /وكالة الصحافة الفرنسية

*الصورة الثانية: قطع أثرية /وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

حين افتتحت المدينة السياحية في الحبانية في نيسان/أبريل 1979، كانت السياحة في العراق قد شهدت انتقالة واسعة تمثلت بالاستعانة بخبرات شركة فرنسية عريقة في مجال الخدمات السياحية؛ بدءا من المعمار وصولا إلى التجهيزات الراقية واعتماد إدارة متقدمة، مما جعلها قبلة عراقيين كثر بدأوا يتعرفون على مستويات ترفيه راقية في بلادهم. وقد حصلت المدينة السياحية على كأس منظمة السياحة الدولية كأفضل مرفق سياحي في الشرق الأوسط عام 1986.

هذا المرفق السياحي بدأ بالانهيار تدريجياً بعد العام 2003، نظراً للأحداث الأمنية في البلاد. وساء الوضع بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة، التي تقع الحبانية السياحية جنوب غربها، وباتت وجهة للنازحين.

الفراغ الأمني

ويقول الخبير الأمني منعم الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن وجود قاعدة عسكرية وجوية على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة الفلوجة أثّر بشكل ملحوظ على إقبال السياح.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على قصبة الجزائر وقسنطينة

الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق

ويشير الموسوي إلى أن أوضاع مدينة الحبانية ساءت أكثر "عندما منح الفراغ الأمني في العام 2004 فرصة للمتمردين في مدينة الفلوجة إلى اقتناء السلاح فتزايدت معها عمليات القتل والاختطاف والسلب".

ويضيف أنّ هذه الأوضاع وخاصة مع انطلاق العمليات العسكرية في الفلوجة أدت إلى فرار وهجرة الكثير من العوائل إلى مدينة الحبانية. "لكن الأمر لم يكن بسيطاً، إذ أثر على خدمات هذه المدينة وبنيتها التحتية بشكل سلبي كبير".

الصراع الطائفي

تمتدّ المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع، وكانت تعتبر في الثمانينيات من أكبر وأبرز المرافق السياحية في منطقة الشرق الأوسط. وضمّت فندقا كبيرا فيه 300 غرفة ومئات الشاليهات وصالة سينما وملاعب رياضية ومطاعم. وسجّلت ذاكرة جميلة لأجيال متعاقبة من العراقيين.

وأثّر وضع الاقتتال الطائفي في البلاد كثيراً على مدينة الحبانية السياحية. فمع تصاعد حدة الصراع الطائفي في العام 2007، كان هناك الكثير ممن اختار هذه المدينة كمأوى له للاحتماء من الجماعات المسلحة التي كانت تخطف وتذبح الناس في الشوارع والطرق السريعة، يقول الخبير الأمني أحمد جاسم في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن مدينة الحبانية السياحية كانت عبارة عن مخيمات لهؤلاء الناس الذين تجاوزت أعدادهم طاقتها الاستيعابية والخدماتية. "وبالمقابل لم تظهر إجراءات حكومية تهتم بداخل أو في محيط هذه المدينة ما يعكس انهيار كل مرافقها وحدائقها ومبانيها".

استقرار الأوضاع الأمنية

وفي العام 2009 بدأت الجهات الحكومية بإعادة إعمار مدينة الحبانية وترميمها وإصلاح الدمار الذي لحق بها، وتحديداً بعدما استقرت الأوضاع الأمنية وبدأت العوائل المهجرة بمغادرتها. ويقول الحاج خليل الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد إنّه  كان يحاول إيصال مجموعة من العوائل في رحلة ليوم واحد لمدينة الحبانية في العام 2010 بعد أن فتحت أبوابها للزوار مرة أخرى.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “لم تكن الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب. كان شاطئ بحيرة الحبانية يعج بأكوام القمامة وأغلب المرافق الترفيهية مغلقة. أيضا كان أكثر ما يقلقنا في وقتها هو الخروج من المدينة والعودة إلى ديارنا قبل حلول الظلام".

العمليات العسكرية

وبعد أنّ سيطر تنظيم داعش على بعض المدن العراقية منها الفلوجة والرمادي في العام 2014، حاول التنظيم التوسع إلى مدينة الحبانية ومناطق أخرى، وبدأت القوات الأمنية والعشائر بصد هجمات التنظيم حتى انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدن من سيطرة داعش، حسب حديث العراقي فارس رشيد لموقع (إرفع صوتك)، وهو خبير في الشأن السياحي.

ويضيف فارس "وهكذا عادت الحبانية مرة أخرى مليئة بالنازحين القادمين من المدن التي دارت وتدور فيها معارك التحرير".

ويشير إلى أن هذه المدينة واحدة من أكثر المدن السياحية تضرراً. "فهي أما أن تكون ملاذا للفارين والمهاجرين والنازحين إبان الأزمات السياسية والأمنية، وأما أن تفتقر للخدمات السياحية والترفيهية عند هدوء وتيرة هذه الأزمات. في كل الحالات تبدو هذه المدينة غير مؤهلة لاستقبال السائحين"، على حد قوله.

*الصورة: جانب من مدينة الحبانية السياحية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659