الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
في الجزائر عدد من المواقع الأثرية والسياحية التي تحكي الموروث الحضاري لبوابة أفريقيا ونافذة القارة على البحر المتوسط، كحي القصبة الشهير في قلب العاصمة والذي تحصيه منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، ومدينة الجسور المعلقة قسنطينة شرق الجزائر، التي تقف شامخة تروي تاريخ البلاد على مر العصور.
في هذا المقال يقف موقع (إرفع صوتك) عند واقع المدينتين اليوم، وكيف تعيشان الزخم المجتمعي الحاضر والانفجار السكاني والتطور المتسارع وغزو الاسمنت وأحياء الحلية ومآخذ الحياة العصرية عموماً.
قسنطينة.. الحضارة
لقسنطينة أو مدينة الجسور المعلقة "سيرتا" جذور تاريخية تغوص في أعماق الكلس الصلب المكون للصخر الذي بنيت عليه. "قسنطينة التاريخ.. قسنطينة الحضارة" متلازمتان عهدهما كل جزائري بل وكل عربي حيث اكتست قلعة النوميديين جلباب عاصمة الثقافة العربية العام الماضي.
والرومان هم من أطلقوا عليها اسم سيرتا، واختارها ملك نوميديا "ماسينيسا" (238 ق. م. - 148 ق. م.) لتكون عاصمة الأمازيغ.
اقرأ أيضاً:
الحرب في اليمن تدمر التاريخ العريق
ما مصير ابن سينا وابن رشد وغيرهم في الدولة المزعومة لداعش؟
سنة 311 للميلاد، تم تدمير المدينة أثناء الحرب الأهلية الرومانية وأمر الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها وتم إعادة بنائها سنة 313م، ليتم إعادة تسميتها في عهد الإمبراطور قسنطينين لتتخذ اسمه وصارت تسمى القسطنطينة. وبعد إخراج البيزنطينيين على أيدي العرب المسلمين تم تسميتها قسنطينة.
نكران
واقع قسنطينة يتنكر لقيمتها التاريخية، فالمدينة اليوم تتخبط في مشاكل التمدن السريع على غرار كبريات مدن الجزائر، حسب بعض سكانها. وكثيرا ما يشتكي زوارها من انتشار القاذورات في أزقتها وشوارعها، كما يمكن لزائرها قراءة نداءات الاستغاثة التي ينشرها المؤرخون وعلماء الآثار عبر الجرائد المحلية.
"كيف يمكن أن نتحدث عن السياحة ونحن نتنكر لموروثنا كما نفعل مع قسنطينة، لو كانت مدينتنا بأوروبا أو أميركا لكانت لها قيمة أخرى، ماذا ننتظر لإعادة الاعتبار لعاصمة النوميديين؟".
الصرخة للشيخ عمّار حمديوي أحد قدماء حي العربي بن مهيدي في قلب المدينة القديمة. يبدي لموقع (إرفع صوتك) أسفه على ما آلت إليه حال المدينة العتيقة ويتحسر على الأيام الخوالي حيث كان شابا إبان الاستعمار الفرنسي.
"آسف على القول إن الاستعمار الفرنسي كان أرحم على المدينة من أبنائها، لم نكن نرى كل هذه القاذورات في الطرقات وكان المواطن هنا يحب المدينة حبه لبيته... الواقع اليوم غير ذلك مع الأسف"، يضيف حمديوي.
ومن جانبه، يقول الأستاذ حسين مولاهم، مدرس في معهد التاريخ بجامعة الجزائر، إن قسنطينة لم تستفد كثيرا من مخططات النهوض بالسياحة.
"أعتقد أننا لم نعط للمدينة حقها في التنقيب ضمن مخطط شامل للبحث العلمي الذي يتخذ من الصخر مادة علمية جديرة بالدراسة".
ويصر المتحدث لموقع (إرفع صوتك) قائلاً "أؤكد لك أننا سنفاجئ تماما كما فاجأتنا حفريات وسط العاصمة الجزائر العام المنصرم وما وجدناه بها من بناءات تحتية تمتد لغاية العهد الروماني".
القصبة.. الحنين
يعود بناء قصبة الجزائر إلى العهد العثماني، فقد وضع حجرها الأساس القائد عروج بربروس عام 1516 فيما أكمل بناءها حيدر باشا سنة 1592.
يعتبر حي القصبة في العاصمة الجزائر بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدا على عصور تاريخية مضت شكّلت ذاكرة وتاريخ الجزائر لاحتواء هذا الحي على مبانٍ وقصور وشواخص يعود تاريخ بنائها للعهد العثماني منها قصر مصطفى باشا وقصر أحمد باي وقصر سيدي عبد الرحمن وقصر الدار الحمرة ودار عزيزة بنت السلطان وقصر دار الصوف.
تواجه تلك المباني اليوم تحدي مقاومة عوامل الزمن كما تقاوم يد الإنسان الذي لا يعترف لها كثيرا بمجدها السابق وتجذرها التاريخي.
عمّي امحمّد واحد من أبناء القصبة يتنهد وهو يروي قصته مع القصبة لموقع (إرفع صوتك)، قائلاً "يا حسرتاه على ما فعل الزمن بحي القصبة التي لم ترضخ حتى لأعتى جنرالات المستعمر أيام الثورة الجزائرية، لكن اليوم تكاد تفقد بياضها لما رأت ما رأت من أفعال المواطنين بها".
وتعاني الكثير من البنايات المتزاحمة بالقصبة، التي يقدر عددها اليوم بأكثر من 1800 بناية، من تشققات وتصدعات ما تسبب في انهيارات جزئية.
ورغم أن الدولة بمعية منظمة اليونسكو تنفق مبالغ كبيرة لإعادة الحياة للحي العثماني وترميمه، إلا أن قاطنيها الذين تداول عليها منذ سنوات لا يعترفون لها بتاريخها وهو ما تترجمه بعض الكتابات التي تجدها مكتوبة على جدرانها الآيلة للسقوط.
ويرى بلقاسم باباسي رئيس مؤسسة القصبة وباحث في التاريخ أنه لا بد من إعادة الحياة للقصبة ورفع الغبن عنها "فهي حقا جوهرة العاصمة ومن أهم الموروثات التي تفتخر بها الجزائر".
ويؤكد الرجل لموقع (إرفع صوتك) أن الجزائر تلقت إخطارات من منظمة اليونسكو حتى تضطلع بالمسؤولية الأخلاقية تجاه هذا الصرح المعماري الفريد، "وهو ما يستوجب الاستعجال في بداية العمل وتشمير السواعد ردا للجميل تجاه الأجيال المتعاقبة عليها".
*الصورة: مدينة قسطنطينة - الجزائر/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659