بقلم علي عبد الأمير:

تنزل مشاعر التضامن والأخوة بين البلدان العربية، من فخامة الخطب الرسمية والمؤتمرات المتعلقة بـ"المصير المشترك" إلى واقعية صادمة، تجعل كل ذلك الكلام عن "الأشقاء" عبارات لا معنى لها، بل تتحول إلى شتائم لا تبقي ولا تذر، كالتي تعنيها الحملات المتبادلة على نحو واسع بين المصريين والجزائريين 2009، وقبل ذلك بين العراق وقطر 1985، على خلفية نتائج مباريات بكرة القدم جمعت المنتخبات الوطنية لتلك البلدان.

أرث عبد الناصر وشتائم المصريين والجزائريين

وبدا "الإرث الناصري" الذي سعى من خلاله الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى تكريس مفهوم القومية العربية وجعله فوق أي اعتبار وهوية بين البلدان العربية، وقد صار شعارا لا قيمة له حين تسببت مباراة كرة القدم بين بلده مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم لكرة القدم إلى أزمة لم تنته فصولها حتى وقت طويل من اشتعال فتيلها، في تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

فقد تبادلت وسائل الإعلام في البلدين الهجوم الحاد، وانتقد الإعلام الجزائري بشدة الاعتداء الذي تعرضت له حافلة الفريق الجزائري في القاهرة، كما ندّدت قنوات مصرية بما تعرض له مشجعون مصريون في الخرطوم من اعتداءات، فيما هاجم شبان جزائريون مقر بعض الشركات المصرية في الجزائر.

وحينها علّق الصحافي المصري مفيد فوزي "أستغرب مما حدث بعد مباراة كرة قدم عاد منها فريق الجزائر منتصراً. هل من المعقول أن يصل الأمر إلى كل هذا الغل ويتحول الموضوع إلى حرب عصابات؟".

وأزمة مصر مع الجزائر بكرة القدم كانت اندلعت قبل ذلك بعشرين عاما، فقيل إن اللاعب الجزائري الأخضر بلومي اعتدى على طبيب المنتخب المصري بعد مباراة بالقاهرة 1989 وسبب له عاهة بإحدى عينيه، وهو ما ينفيه اللاعب الذي بات وفقا لذلك الاتهام مطلوباً من الشرطة الدولية (الإنتربول)، وحرم من مغادرة الجزائر لسنوات.

تلك المسارات التي ترتبت على نتيجة مباراة مصر والجزائر، رآها كاتب ومسؤول مصري عروبوي، هو مصطفى الفقي، بقوله "لم أر في حياتي مثل هذا التصعيد الذي شهدناه بسبب مباراة كرة قدم، فالشحن الإعلامي شديد وتبادل السباب والشتائم متواصل والعنف لا يتوقف، وكأن هناك مخزوناً من الكراهية ينفس عن ذاته وينفث سمومه بين البلدين الشقيقين اللذين ينتميان إلى الأمة العربية والقارة الإفريقية والعالم الإسلامي وحوض البحر المتوسط".

"سخافات" البلدين الشقيقين

ولم ينس الفقي ربط ما حدث من "السخافات التي شهدناها في مباراة كرة قدم بين البلدين الشقيقين" مع ظاهرة "الهوس الكروي" التي يجتاح العالم المعاصر وما تحتويه من مظاهر التعصب ومشاهد العنف، مستدركا "لكن الأمر كان يجب أن يكون مختلفاً بين دولتين تنتميان إلى قومية واحدة، لذلك فإن الذى حدث فى تلك المباراة إنما يدق ناقوس الخطر ليؤكد أن الفراغ القومي السائد في المنطقة العربية قد بدأ يزحف نحو تقوية عوامل الفرقة وأسباب الاختلاف، كما أن ضعف العمل العربي المشترك قد أدى إلى نوع من تراجع التضامن العربي وبروز الحساسيات التي طفت على السطح وشوهت الغلاف الخارجي للروح العربية الواحدة".

قطر تمزق العلم العراقي

وعلى الرغم مما كان النظام العراقي السابق يعلنه في سياساته ومواقفه الرسمية والحزبية من "مواقف تلتزم العروبة والدفاع عن الإشقاء وتحديدا في دول الخليج"، إلا أنه خرج عن ذلك الخطاب الفكري والسياسي، إثر قيام لاعبين قطريين بتمزيق العلم العراقي الذي رفعه إداريو المنتخب العراقي الفائز على "الشقيق" في target="_blank">مباراة فاصلة ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1986، ليكتب الصحافي المقرب من سلطات البلاد حينها، سعد البزاز، مقالاً مطولاً بعنوان "حديث غير رياضي في مباراة سياسية"، حمل فيه بقوة على السلطات في قطر متهماً إياها بـ"العمالة لصالح أعداء العراق الصامد والعروبة"، ولترد السلطات العراقية على الموقف القطري، بحشد جماهيري لاستقبال منتخبها المتأهل إلى المرحلة الثانية من التصفيات، قيل إن مطار بغداد الدولي لم يشهد له مثيلاً.

العراق واحد - داعش (السعودية) صفر!

والتحشيد الجماهيري العراقي للرياضة من أجل أهداف سياسية يتواصل من النظام السابق إلى الحالي، ففي أعقاب فوز المنتخب العراقي للشباب على نظيره السعودي بنتيجة واحد-صفر في أوائل العام 2014، خرجت صحف ببغداد تحمل مانشيتات "تربط السعودية بتنظيم داعش الإرهابي"، منها صحيفة "النهار" المؤيدة لرئيس الوزراء حينها، نوري المالكي، والتي عنونت "العراق واحد- داعش صفر". وحيال ذلك ردت صحف سعودية على الحملة العراقية، ونقلت "الوطن" عن عبد الله العسكر عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي قوله إن "الدول الكبيرة لا يضيرها مثل هذه الإساءات التي تصدر من أبواق صبيانية جوفاء وخرقاء".

الأخوة الأعداء

هنا أمثلة بسيطة على ان الرياضة زجت في معارك العرب السياسية، لتتراجع بذلك إمثولات العروبة والمصير المشترك، ولتكتشف حقائق مفزعة عن تهافت خطاب "الوحدة" و"المصير المشترك" لأخوة ظهروا وكأنهم تجسيد لوصف "الأخوة الأعداء".

*الصورة: علما السعودية والعراق/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659