بقلم علي قيس:

خلال نحو 50 عاماً، دخل العراق في نزاعات، قادته بعضها إلى حروب مدمرة مع بعض جيرانه، ثم لاحقاً تحولت النزاعات إلى حملات ترهيب واسعة قامت بها الحكومة المركزية ضد أبناء شعبها من كرد وشيعة وغيرهم. ثم تحولت تلك الصراعات، بعد سقوط الحكم المركزي في العام 2003، إلى حروب أهلية طائفية. وتحولت أحياناً إلى حروب بين أبناء الطائفة الواحدة. حتى وصلت اليوم إلى حروب بين أبناء المنطقة الواحدة، ممن يدينون بولاء للعشيرة يبدو أقوى حتى من الولاء والشعور الطائفي، وهو ما تمثله النزاعات الدموية بين أبناء عشائر شمال البصرة المتواصلة منذ سنوات.  

"حدثت نزاعات عشائرية كبيرة وقتل فيها أشخاص بسبب بقرة أو مشاجرة طفل أو قطعة أرض وحتى بسبب عمود كهرباء"، يقول رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية في مجلس محافظة البصرة يعرب المحمداوي، مضيفاً في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هناك حادثة قتل فيها ثلاثة أشخاص وجرح ثلاثة وهجّر عدد من العوائل بسبب مبلغ سبعة آلاف دينار (ما يعادل خمسة دولارات)، وهو ما يدل على مستوى من الاستهتار وفقدان أي شعور بحرمة الإنسان".

تحولت البصرة إلى ساحة مكشوفة لتنامي قوة السلاح مع تصاعد نفوذ العشائر، حيث شهد العامان الأخيران تصاعداً في النزاعات المسلحة بين عشائر المحافظة خصوصاً في مناطقها الشمالية، بحسب المحمداوي الذي أوضح قائلاً "أهم أسباب زيادة النزاعات العشائرية هو توفر السلاح بسهولة، حيث نجده حتى لدى الأطفال وبمختلف الأنواع والمناشئ".

"إحدى النزاعات حصلت على قطعة أرض لا تتجاوز قيمتها 10 آلاف دولار، في حين أن قيمة العتاد الذي أستخدم تجاوزت 100 ألف دولار"، يروي رئيس لجنة حل النزاعات، موضحاً "أنا أحذر الآن من النزاعات التي تحدث بسبب قطع الأراضي، البصرة فيها شركات أجنبية تدفع تعويضات كبيرة وهذا الأمر بدأ تثير طمع أصحاب الأراضي الذين يختلقون النزاعات مع تلك الشركات للحصول على تعويضات كبيرة، وهذا سينعكس على الاستثمار في المحافظة".

أكثر من 90 قتيلا وجريحا في خمسة أشهر!

ويلفت المحمداوي إلى أن "عدد الضحايا الذين سقطوا جراء النزاعات منذ بداية عام 2016 وحتى الأول من أيار/مايو بلغ 34 قتيلا و58 جريحا، فيما بلغ عدد الضحايا خلال الأسبوعين الأخيرين أربعة قتلى و14 جريح"، مضيفا "هذا الجيل المشترك في المعارك اليوم لا يمكن إصلاحه، كل ما نستطيع فعله هو تثقيف وتوعية الأجيال القادمة بالتعاون مع المنظمات الدولية".

"الصوم عن القتل أولى من الصوم عن الأكل والشرب"، يقول يعرب المحمداوي ممهدا لرواية حادثة قتل تمت قبل أيام. وأوضح "رغم أننا في شهر رمضان المبارك شهر الرحمة، إلا أن أحد الأشخاص أقدم على قتل عمه بسبب ثأر يعود إلى أربعة أشهر، أجهز عليه بعد صلاة الفجر وقتله بإطلاق الرصاص على رأسه، وصلنا لمرحلة يقتل الابن أباه والأخ أخاه وهذا شيء خطير جداً".

وعن الحلول التي قد تساعد في الحد من تلك النزاعات المسلحة يقول المحمداوي "نحن بحاجة إلى سن قانون عشائري معتدل يمزج بين الشرع والقانون والعرف، يكتب من قبل أكاديميين ومنظمات مجتمع مدني ورجال دين".

وعن تفعيل دور المؤسسة الدينية بوصفها صاحبة سطوة على العشائر، يشير رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية "اليوم كلمة رجل الدين والمرجعية مسموعة لذا عليها الإرشاد بترك تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان".

القانون تابع للعشائر في البصرة

"قوات الشرطة عليها مسؤولية حفظ الأمن الداخلي من خلال نزع الأسلحة وإحالة المجرمين إلى المحاكم المختصة"، يلفت معين الحسن نائب محافظ البصرة، منتقدا في حديث لموقع (إرفع صوتك) دور الأجهزة الأمنية في هذا الموضوع بقوله "للأسف إجراءات الأجهزة الأمنية ضعيفة، وهي تداري خواطر العشائر ومترددة في اتخاذ الاجراءات بحق المجرمين، يجب أن يأخذ القانون دوره في حماية المواطن".

"لا تقتصر الجرائم في تلك المناطق على النزاعات العشائرية بل هناك تصاعد في حالات خطف الأطفال"، يؤكد الحسن، مضيفا في الوقت نفسه "من جانب آخر هناك أوامر قبض صدرت بحق مجرمين لم تنفذ وهم يتجولون في مناطقهم دون أن تتخذ القوات الأمنية واجبها في تنفيذ أوامر القبض بحقهم، وهذه طامة كبرى".

ويقلل نائب محافظ البصرة من تأثير نقص القطعات الأمنية في محافظة البصرة بسبب إرسال جزء منها إلى الأنبار للمشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش على قدرة القوات الأمنية في البصرة، مختتما حديثه بالقول "الحل اليوم بيد القوات الأمنية من خلال نزع السلاح وتسليم المطلوبين للمحاكم".

*الصورة: جنود عراقيون يتدخلون لحل نزاع عشائري جنوب البصرة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659