بقلم هاني الفردان:

أحداث متسارعة شهدتها البحرين خلال الأسابيع الماضية، بدأت بقرار قضائي بإغلاق جمعية الوفاق، قطب القوى المعارضة في البحرين. جاء القرار بعد نحو ساعتين فقط من تقدم وزارة العدل والشؤون الإسلامية بطلب إلى المحكمة الكبرى الإدارية بصفة الاستعجال.

أعقب ذلك القرار حلُّ جمعية التوعية الإسلامية. وسبق ذلك بيوم واحد اعتقال السلطات نبيل رجب، الناشط البارز ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، والمدير المؤسس لمركز الخليج لحقوق الإنسان.

لحق تلك الأحدث بنحو أسبوع وبالتحديد في 20 حزيران/يونيو 2016، إعلان وزارة الداخلية البحرينية إسقاط جنسية أعلى مرجع ديني شيعي في البحرين الشيخ عيسى قاسم.

حاولت السلطات البحرينية، عبر وزير إعلامها علي الرميحي التخفيف من وطأة تلك الأحداث، وتفنيد كل ما قيل بأن ذلك ليس استهدافاً لطائفة معينة (الشيعة)، بل إجراءات قانونية لحفظ الأمن والاستقرار في البلاد. إلا أن المعارضة الداخلية والخارجية والمنظمات والدول الغربية رأت في ذلك العكس. وذهبت إلى الحديث عن "اضطهاد طائفي"، مما جرَّ القضية برمتها إلى خانة الصراع الطائفي الإقليمي الدائر في المنطقة.

من هو الشيخ عيسى قاسم، الذي حرك تجريده من جنسيته البحرينية المياه الراكدة، وأبعد الرماد عن نار أزمة سياسية مشتعلة في البحرين؟ هو أبرز العلماء الشيعة في البحرين. ويحظى بتأييد واسع بين البحرينيين من أتباع المذهب الشيعي. وهو من مواليد العام 1940 في بلدة الدراز المعروفة التي تقع غرب المنامة.

في 1972 شارك في انتخابات المجلس التأسيسي، وانتخب العام 1972 لعضوية التأسيسي الذي صدَّق على دستور البحرين الصادر في العام 1973، وانتخب في العام 1973 لعضوية المجلس الوطني حتى حلّه العام 1975، وترأس الكتلة الدينية.

وينظر إليه باعتباره الأب الروحي لجمعية الوفاق البحرينية المعارضة، والمطالبة بالمساواة والإصلاح السياسي في البلاد، والتي أغلقت قبل إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم. كما تمَّ الحكم على أمينها العام الشيخ علي سلمان بالسجن تسع سنوات بتهم سياسية متعددة.

من الواضح أن ما شهدته البحرين خلال الأسابيع الماضية وما قبلها من تشديد القبضة الأمنية، لم يكن منعزلاً عما يحدث من تغير واضح في المعادلة الإقليمية، وصراع الأقطاب العلنية (الإيرانية والخليجية)، إذ سارعت دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات لتأييد الإجراءات التي اتخذتها البحرين ضد قوى المعارضة. فيما سارعت إيران هي الأخرى للتنديد، بل بلغ الأمر لغة "التهديد"، كما فهم منها، تجاه تلك الإجراءات التي اعتبرتها مساساً بـ"خطوط حمراء".

اللغة التي لجأت لها السلطات البحرينية كانت واضحة بشأن رفض أي حديث دولي عن الشأن البحريني. وكان ذلك بيّناً في رد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي هاجم المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، على خلفية تصريحاته عن البحرين في كلمته خلال افتتاح الدورة الـ 32 لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة (13 يونيو/ حزيران  2016). وقال بلغة لم تكن معتادة "لن نعطل مسيرتنا ونهج مليكنا الإصلاحي، ولن نسمح بتقويض أمننا واستقرارنا، ولن نضيع وقتنا بالاستماع لكلمات مفوض سامٍ لا حول له ولا قوة".

المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد بن الحسين، اعتبر أن ما وصفه بـ "القيود الشديدة" على حرية التعبير في البحرين تتعارض مع التزاماتها الدولية، مؤكداً أن "استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين والقمع، لن يقضي على مظالم الناس بل سيضاعفها".

إن تلك الإجراءات الأمنية وإغلاق الجمعيات وسحب الجنسيات واعتقال القيادات المعارضة، بالتأكيد لن ينهي الأزمة السياسية في البحرين. كما لم ينه فرض حالة السلامة الوطنية قبل خمس سنوات تلك الأزمة المشتعلة منذ فبراير 2011، بل فطن العالم إلى أن تلك الإجراءات "القمعية" ستزيد من شدة التوتر، بل قد تنتقل بها من مراحلها الحالية إلى مراحل أكثر تطوراً لم تكن في الحسبان، مما قد يعقّد الحلول الممكنة، ويدخل البحرين في أنفاق مظلمة تشهدها دول عربية أخرى.

عن الكاتب: هاني الفردان، كاتب وصحافي بحريني متخصص في السياسية والاقتصاد ومجالات حقوق الإنسان وناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كتب للعديد من الصحف منها الوسط البحرينية، وهو مؤسس ورئيس تحرير موقع صوت المنامة.

لمتابعة الفردان على تويتر، إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659