صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

لم تكن السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً اقليمياً في اليمن، منذ أواخر آذار/مارس 2015، في يوم من الأيام بمنأى عما يدور في هذا البلد العربي الفقير الذي تعصف به دوامة لا تكاد تتوقف من الصراعات والحروب الطاحنة.

فالعلاقة بين اليمن والسعودية هي "علاقة جوار تاريخية قائمة على أساس صراع ممتد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، عندما شنت السعودية عام 1934 بعد تأسيسها بعام أو عامين أولى حروبها على اليمن”، على حد قول الكاتب الصحافي اليمني منصور هائل.

موضوعات متعلقة:

شيعي وسني ومسيحي: داعش سينتهي

سين وجيم مع الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية

ويرى هائل أن هذه العلاقة "تدور في منطقة رمادية، ويكتنفها كثير من الغموض"، مؤكداً لموقع (إرفع صوتك) أن "معظمها (العلاقة) يدور في نطاق ما قبل الدولة"، في إشارة إلى الارتباطات السعودية مع زعماء قبليين وجماعات، ومراكز قوى معينة في اليمن.

بنود لصالح الطرف الأقوى

وخاض الملك عبد العزيز بن سعود في 1934 حرباً مع الإمام يحيى حميد الدين الذي كان يحكم اليمن آنذاك، انتهت بالتوقيع على اتفاقية بين البلدين سميت بـ"معاهدة الطائف"، أسّست لعلاقات فرضت من خلالها السعودية لنفسها حضوراً قوياً في المشهد اليمني حتى اليوم.

يقول نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق والمحلل السياسي عبد الباري طاهر "لم تكن تلك الحرب متكافئة، كانت السعودية دولة حديثة ومدعومة من بريطانيا تمتلك جيشاً وأسلحة متطورة بعكس الطرف الآخر، المملكة المتوكلية اليمنية بزعامة الإمام يحيى، وبالتالي بنود الاتفاقية جاءت لصالح الطرف الأقوى".

فساد الأنظمة

التدخل المباشر للسعودية في اليمن، بدأ مع قيام ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962 التي أطاحت بالنظام الإمامي هناك وتم إعلان الجمهورية العربية اليمنية، حيث ساندت السعودية عسكرياً الملكيين ضد الجمهوريين المسنودين من نظام الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، لينشأ صراع داخلي استمر سبع سنوات.

ومع ذلك، يقلّل طاهر في حديثه لموقع (إرفع صوتك) من انعكاس هذ الصراع على الشعبين اليمني والسعودي، قائلاً إن هذه "الخلافات هي سياسية بين قوى تتصارع على الحكم والنفوذ، لكن إذا ما قرأناها من زاوية التاريخ ومن جانب ثقافي وفكري، فالمنطقة هي شعب واحد ومصالحها وروابطها ووشائجها المجتمعية والثقافية والسياسية قوية جداً".

ويشير إلى تميّز العلاقات اليمنية السعودية في فترات غير الصراع بجوانب إيجابية كثيرة "لكن فساد وصراعات الأنظمة هي التي شوهتها ودفعت بها إلى الصراع".

حرب الخليج

عند اجتياح الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الكويت، في آب/أغسطس 1990، كان موقف الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي غرد خارج سرب السعودية مفاجئاً، دفع اليمنيون مقابله ثمناً اقتصادياً واجتماعياً باهظاً، مع عودة مئات الآلاف من المغتربين إلى البلاد.

"كان قراراً خاطئاً بكل المقاييس"، حسب طاهر.

وزاد من تأزيم العلاقات وقوف الرياض إلى جانب القادة الجنوبيين في حرب صيف 1994 التي اجتاحت فيها قوات صالح جنوب اليمن، بعد أقل من أربع سنوات على قيام الوحدة الاندماجية بين شطري البلاد.

استغلال التناقضات

وفي المقابل يؤكد الصحافي منصور هائل، وهو أيضاً ناشط سياسي بارز، أنّه "منذ اتفاقية الطائف، ظلت علاقة البلدين قائمة على أساس الهيمنة السعودية واستغلال التناقضات الموجودة باستمرار".

يقول "المشكلة لدينا في اليمن نخب مشيخية ونافذة فاسدة استمرت تتحكم بمفاصل وقرار البلاد، وتقاضت أموالاً طائلة من الرياض التي شكلت للملف اليمني لجنة خاصة، مقابل كبح جماح أي تمرد على الدور والهيمنة السعودية".

واتهم هائل جماعات وقوى يمنية ببيع مواقف للمساومة في أراضٍ يمنية، قائلاً إن "الأراضي التي أصبحت تحت نفوذ السعودية أكبر من مساحة اليمن بمرة أو مرتين".

ثغرات خطيرة

ووقع الرئيس اليمني السابق علي صالح، في حزيران/يونيو 2000، مع السعودية اتفاقية مثيرة للجدل لترسيم الحدود النهائية وحل الخلافات المتعلقة بها التي دامت لأكثر من 60 عاماً.

وأشار منصور هائل إلى ثغرات خطيرة وردت في بعض بنود اتفاقية جدة "فصياغة بعض البنود أشارت إلى أبدية الاتفاقية، بعكس اتفاقية الطائف التي توضح أنها تجدد كل 20 عاماً".

حرب يمنية

الدور السعودي في اليمن بدى جلياً أيضاً أثناء الثورة الشبابية الشعبية الضخمة (2011) التي أطاحت بالرئيس اليمني السابق بعد 33 عاماً من تشبثه بالسلطة، عبر مبادرة تسوية قادتها السعودية ودول خليجية أخرى، وهي المبادرة التي انقلب عليها صالح لاحقاً بالتحالف مع جماعة الحوثيين الذين اجتاحوا العاصمة اليمنية، في 21 أيلول/سبتمبر2014، قبل أن يتمددوا إلى المحافظات الأخرى، ما دفع السعودية وحلفاءها الإقليميون إلى التدخل العسكري، في 26 آذار/مارس 2015، بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي فر إلى الرياض.

لكن طاهر ينظر الى المسألة على أنها “حرب يمنية- يمنية"، ويقول "علي صالح عجز عن القيام بانقلاب عسكري لاستعادة حكمة فاستعان وتحالف مع أنصار الله (الحوثيين)".

وأكد أن السعودية شعرت بأن هذا التحالف “يمس أمنها فأسست التحالف العشري".

علاقة مستقبلية

ومع ذلك يعتقد طاهر أن "الحرب دائماً هي الاستثناء" وأن "الشعبين اليمني والسعودي يراهنان على الحياة".

من جانبه، يؤكد منصور هائل أن علاقة اليمن بالسعودية على المدى البعيد أو مستقبلاً لا يمكن رسم ملامحها قبل إعادة تأسيس الدولة اليمنية.

*الصورة: طائرات حربية سعودية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659