بقلم علي عبد الأمير:

يشهد العراق جدلاً واسعاً يتعلق بجهاز الكشف عن المتفجرات -والذي يسميه العراقيون سخرية جهاز كشف الزاهي (زاهي هو أحد أنواع سائل جلي الصحون)- وتقصير الحكومة العراقية والقوى الأمنية لإصرارها على استخدام هذا الجهاز رغم ثبوت عدم فاعليته منذ سنوات. وكانت محكمة بريطانية قد حكمت عام 2013 على جيمس مكورميك، صاحب الشركة المصنعة للجهاز، بالسجن 10 سنوات بتهمة الاحتيال وبيع جهاز مزيف، وذلك عقب تحقيقات استمرت على مدى ثلاث سنوات منذ اعتقاله في 2010.

موقع (إرفع صوتك) حصل على وثائق حكومية عراقية تبين حجم الفساد فيما يتعلق بهذا الجهاز ومحاولات إيقاف استخدامه منذ سنوات.

موضوعات متعلقة:

بعد مقتل 213 شخصاً في اعتداء الكرادة.. الحداد سمة العيد هذا العام

ألبوم صور من حي الكرادة

وكانت المحكمة المتخصّصة بملفات النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسيل الأموال في بغداد قد أصدرت حكماً بسجن مدير مكافحة المتفجرات السابق اللواء جهاد الجابري لمدة أربع سنوات، بعد إدانته بتهمة الفساد بقضية استيراد أجهزة الكشف عن المتفجرات، حسب ما أعلن عنه مجلس القضاء الأعلى في العراق، في 4 حزيران/يونيو 2012.

ورغم ذلك ظل الجهاز مستخدماً في نقاط التفتيش المختلفة حتى صدور قرار من رئيس الوزراء حيدر العبادي يقضي بوقف العمل بالجهاز في أعقاب مجزرة الكرادة ببغداد فجر الأحد، 3 تموز/يوليو، والتي أسفرت عن سقوط 213 قتيلاً على الأقل وأكثر من 200 جريح.

أموال طائلة 

مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية وبينهم الجابري كانوا يؤكدون على الإمكانات التي تتمتع بها الأجهزة، حد اعتبار الجابري اقتناءها، نوعا من العمل الوطني.

وفضلا عن الأموال الطائلة التي انفقت على استيراد هذا الجهاز، كما تؤكده وثائق كهذه:

ثلاث وثائق تكشف جانبا من الأموال التي انفقتها الحكومة العراقية على شراء الجهاز الفاشل

الوثيقة التالية المؤرخة في شباط/فبراير عام 2007 تبين إصرار القيادي في حزب الدعوة الإسلامية ووكيل وزارة الداخلية العراقية عدنان الأسدي على ضرورة إضافة المزيد من الأموال لشراء الجهاز.

عدنان الأسدي، يؤكد على ضرورة اضافة المزيد من الأموال لشراء الجهاز

وفي العام 2009، بدأت الحكومة البريطانية بالتحقيق مع الشركة المصنعة للجهاز. وفي 2010، تم اعتقال صاحب الشركة بتهمة الاحتيال ومنعها من بيع المزيد من تلك الأجهزة.

مفتش وزارة الداخلية

وفيما بدأ المفتش العام في وزارة الداخلية عقيل الطريحي، بالنظر في المسألة، معتبرا أن هذه الأجهزة "لا تعمل ولا نفع منها"، صدر أمر بالقبض على الجابري وعدد من الضباط المسؤولين عن القضية.

وثيقة النزاهة الخاصة بملاحقة الجابري

إلا أن وزير الداخلية جواد البولاني أصدر أمرا يقضي بعدم ملاحقة الجابري ورفاقه وايقاف التحقيق في هذه القضية.

جواد البولاني يوقف ملاحقة الجابري

وكان المفتش العام لوزارة الداخلية العراقية عقيل الطريحي قد كشف عن وجود عمليات فساد في صفقات شراء أجهزة الكشف عن المتفجرات. وبيّن أنه أرسل تقريرا إلى وزير الداخلية وهيئة النزاهة العامة يشير إلى شبهات شابت عملية شراء الأجهزة وكفاءتها وقيمة العقود المبرمة، لافتا إلى تورط مسؤولين كبار في الوزارة في تلك الصفقات.

جهاز "أبو الأريل" 

وفي 29 شباط/فبراير 2012، كتب الباحث والناشط العراقي نبراس الكاظمي تحقيقا مطولا عن الموضوع في مدونته " إمارة وتجارة"، أورد فيه أن "جهاز الـ “آی دي إي 651″ وهذا هو الاسم التقني لما يعرف شعبيا بجهاز "أبو الأريل" أو "جهاز كشف الزاهي" المستخدم في نقاط التفتيش، هو "رمز الفساد في العراق، ويختزل في كيانه كل جوانب الفشل الحكومي. ففيه يلتقي الجهل مع الفساد وتمكين الارهاب. والأنكى من ذلك كله، هو استمرار السلطات باستخدامه إلى يومنا هذا، كأن شيئا لم يكن".

إلى ذلك، يقول رئيس هيئة النزاهة السابق، القاضي رحيم العكيلي، إن "قضية كشف المتفجرات لم تكن قضية فساد عادية لأنها نزفت بها دماء الشعب مثلما نزفت أمواله وتورط بها كبار موظفي الدولة الأمنيين، إلا أن المساءلة عنها وقفت في حدود أحد الضباط من دون أن تطال المسؤولين الأعلى"، في إشارة إلى الجابري.

ويضيف العكيلي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "الجهات الرسمية العراقية ظلت، رغم ثبوت عدم صلاحية الجهاز من خلال تقارير فنية وطنية ومن خلال تحقيق إداري وتحقيق وأحكام قضائية عراقية، ومن خلال تقارير فنية أجنبية وأحكام قضائية بريطانية، مستمرة في استخدامه من أجل دفع التهمة عنها وعدم فضح مقدار الفساد وانعدام الكفاءة، وسوء إدارة الموارد في هذه القضية، إلا أن ثمن ذلك دفعه العراقيون منذ عام 2006 من أموالهم ودمائهم خلال أكثر من 10 سنوات بين 2006- 2016 تاريخ سحب الجهاز من الخدمة"،

أي سجن يقضي فيه الجابري عقوبته؟

ذلك السؤال تقصاه موقعنا، ليتأكد من أن الجابري مودع في "سجن خمس نجوم"، لجهة تمتعه بامتيازات تجعل من العقوبة أقرب إلى الإجازة الطويلة. ففيما تكون إحدى قاعات سجن مطار المثنى ببغداد مكتظة بعشرات المعتقلين وترتكب بحقهم العديد من الانتهاكات بحسب "منظمة العفو الدولية"، تبدو القاعة التي "يسجن" فيها الجابري في نفس السجن أقرب إلى "غرفة فاخرة، فثمة الهواء المكيف الذي ينعش اللواء في وزارة الداخلية ويجعله قادرا على التبختر بدشداشة نظيفة مكوية بعناية، وثمة التلفزيون بشاشة عريضة مع ستلايت يوفر للجابري حرية التنقل بين الفضائيات وفقا لمزاجه، فمن السياسة إلى الرياضة مرورا بالأغنيات والأفلام"، بحسب مصدر موثوق به، كان قد اطلع تفصيليا عن قرب على سجن المسؤول العراقي السابق.

وبحسب تلك المعلومات، فالجابري قد يكون شاهد مجزرة الكرادة الأخيرة وتابع السجال عن جهازه الذي يتهمه العراقيون بأنه فتح الطريق أمام مئات السيارات المفخخة التي قتلت الآلاف من الأبرياء. لكن لا شيء يذكر في شأن مدى تأثير تلك المجزرة على مشاعره، وفيما إذا كانت قللت من فخامة قاعة سجنه أو أعادت النظر بما اعتبره حكما مخففا ناله عن صفقة اعتبرت مثالا عن مدى الفساد في العراق، وعن تقصير المؤسسات في حماية المواطن وتوفير حياة آمنة له.

*الصورة: جهاز كشف المتفجرات أثناء استخدامه من قبل شرطي عراقي في نقطة تفتيش ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659