بقلم خالد الغالي:

"فقدت أمي قبل 50 يوماً، ولم أستطع الانتقال إلى مخيمات تندوف لدفنها وإحياء مراسم عزائها"، بهذه العبارة وبنبرة حزينة يبدأ حمادة البيهي حديثه لموقع (إرفع صوتك)، قبل أن يضيف بلهجته الصحراوية "ما يعرف حر الجمرة غير اللي واطي عليها".

يقيم حمادة البيهي، 41 عاماً، في مدينة العيون بالصحراء الغربية تحت سلطة المغرب، ولم يستطع التوجه إلى مخيمات اللاجئين الصحروايين في تندوف على التراب الجزائري، حيث توفيت والدته، لأن البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، التي تتخذ من المخيمات مركزا لها، تعتبره “خائنا”.

في أعين البيهي، ما حدث معه يوضح تماما أن الموضوع الإنساني هو آخر اهتمامات المغرب والبوليساريو. "يتجاهله الطرفان دائما"، كما يقول.

جحيم الفراق

عندما قرر حمادة البيهي سنة 2014 الهرب من مخيمات تندوف والعودة إلى المغرب كان يعلم أنه سيفقد، وربما إلى الأبد، جزءا من عائلته. والده، ذو الـ82 عاما على الأقل، ما زال هناك.

https://twitter.com/unhcr_arabic/status/706041904610340864

ليست هذه المرة الأولى التي يفقد فيها الرجل بعضا من عائلته. في منتصف سبعينيات القرن الماضي، انسحبت إسبانيا من الصحراء الغربية ودخلها المغرب باعتبارها جزءا من أراضيه التي اقتطعها الاستعمار. رفض كثير من الصحراويين الأمر وغادروا إلى مخيمات تندوف. كانت من بينهم أسرة حمادة. "حملني والداي إلى المخيمات سنة 1975، وعمري لا يتجاوز بضعة أشهر. قضيت 40 عاما هناك، دون أن أعرف شيئا عن من تبقى من عائلتي في الصحراء. عندما عدت إليها، لم أعرف أعمامي وعماتي. بعضهم توفوا قبل أن أراهم"، يقول حمادة في اتصال عبر الهاتف مع (إرفع صوتك).

حتى خلال الفترة التي كان فيها حمادة رفقة عائلته في المخيمات، كان الفراق عنوانها الأكبر. والده كان جنديا في صفوف جبهة البوليساربو وحمل السلاح دفاعا عن الانفصال و "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" التي أعلنها البوليساريو سنة 1976. لم يكن حمادة يرى والده إلا نادرا "لأن المقاتل لا يغادر الجبهة إلا 15 يوما في السنة، ولم يكن من حقه أن يطلب إجازة ليرى ابنه"، يقول في حوار سنة 2015 مع مجلة "زمان" المغربية المتخصصة في التاريخ.

يسمي حمادة نفسه وأقرانه "جيل المأساة". هؤلاء ولدوا بالتزامن مع اندلاع نزاع الصحراء، وفتحوا أعينهم على عائلات ممزقة الأوصال بين مدن الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، بعضها لم ير جزأه الآخر إلى  اليوم. "هناك جيل بكامله ولد في مخيمات تندوف، ولم يسبق له أن رأى الصحراء"، يعلق حمادة.

ويتابع في حديثه لـ(إرفع صوتك) "عندما كان عمري خمس سنوات، تم نقلي رفقة أطفال آخرين إلى ليبيا للدراسة، غير أنه تم إرجاعنا إلى المخيمات لصغر سننا. بعد سنوات قليلة، نقلنا مرة أخرى إلى كوبا التي تدعم الجبهة. كنا ندرس صباحا ونعمل في حقول السكر مساء. من كوبا، انتقلت إلى فنزويلا حيث قضيت سنتين. طوال 14 عاما لم أرعائلتي في المخيمات. تركتهم وأنا طفل في الثامنة، وعدت إليهم وأنا رجل في الـ25 من عمري".

حمادة البيهي ليس إلا واحدا من بين آلاف الصحروايين الذين شتت النزاع عائلاتهم. زعيم جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز نفسه توفي في نهاية أيار/مايو 2016، دون أن يرى والده، الجندي المغربي السابق الذي ما يزال يقطن في مدينة مغربية صغيرة وسط البلاد: قصبة تادلة.

الأمم المتحدة تتدخل

سنة 2004 وبعد 30 سنة من اندلاع الصراع، حملت الأمم المتحدة بارقة أمل أمام الصحراويين، فقد أطلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برنامجا لتبادل الزيارات العائلية بين مخيمات تندوف ومدن الصحراء الغربية، وافق عليه المغرب وجبهة البوليساريو.

تلقى سكان الصحراء على جانبي الحدود المبادرة بصدر رحب، وسجل 18 ألفا أنفسهم في البرنامج خلال الأشهر الأولى من إطلاقه. وتوضح تقارير الأمم المتحدة لسنة 2014 أن أكثر من 21 ألف شخص حظوا بفرصة لقاء عائلاتهم. لكن هذا لا يعني نهاية المأساة: بنهاية سنة 2011، كان ما يزال 31 ألفا على قائمة الانتظار. أضف إلى هذا العراقيل الكثيرة التي تواجه البرنامج. "الزيارات تخضع للمد والجزر بحسب أهواء السياسيين في الطرفين. تتوقف وتعود، وهي متوقفة الآن"، يقول أحمد ولد محمد سالم (اسم مستعار)، وهو صحافي من الصحراء الغربية يقيم بمدينة طنجة شمال المغرب.

ويتابع "الزيارات قصيرة الوقت، خمسة أيام فقط، كما أن العدد المسموح به محدود. ثم هناك شروط معينة، حيث تعطى الأسبقية للآباء (والأمهات) والإخوة (والأخوات) ثم باقي العائلة. يعني أن على الشخص أن ينتظر طويلا حتى يحين دوره". جزء كبير من عائلة أحمد ولد محمد سالم في مخيمات تندوف، لم يسبق له في حياته أن التقاهم. "لدي اثنان من أخوالي وعم وعمتان في المخيمات.. والبقية طويلة"، يعلق قائلا.

إذا كانت مفوضية اللاجئين تتكلف بتكاليف الرحلة، فإن هناك قيودا يجب الالتزام بها. لا تستطيع الأسرة بكاملها أن تنتقل إلى الجانب الآخر من الحدود لزيارة أقربائها. "يذهب شخص واحد من الأسرة، وتبقى عائلته ضمانا لرجوعه"، يوضح عبيد أعبيد، وهو صحافي مغربي مهتم بالشؤون الصحراوية. ورغم أن عبيد ينحدر من مدينة طانطان التي لا تعتبر جزءا من المنطقة المتنازع عليها، إلا أن لديه أفرادا من عائلته في مخيمات تندوف لم يلتقيهم يوما.

لتجاوز عثرات برنامج تبادل الزيارات، تلجأ عائلات في المخيمات إلى حلول بديلة. "العائلات التي تتوفر على إمكانيات مادية تلجأ إلى استصدار جوازات سفر من إسبانيا أو موريتانيا  أو حتى الجزائر، وتستعملها لدخول المغرب"، يقول أحمد ولد محمد سالم. ويؤكد عبيد أعبيد بدوره هذا الأمر قائلا "كثير من الشباب في المخيمات يحصلون على جنسيات أخرى للدخول إلى المغرب، خاصة الذين  ترسلهم الجبهة إلى دول أخرى مثل إسبانيا أو كوبا أو الجزائر للدراسة في مجالات مدنية كالطب أو الهندسة، فيحصلون على جنسيات هذه الدول، وبها يدخلون بشكل عادي إلى المغرب".

*الصورة: لاجئة في أحد مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659