صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

"فرحنا بالوحدة عام 1990 إلى حد البكاء لأنها كانت حلماً. لكنها للأسف صارت كابوساً"، يقول الأكاديمي والقيادي في الحراك الجنوبي، الدكتور عبده الدباني. "لن نقبل بعد الآن بأي شكل من أشكال الوحدة".

وأكد الدباني الحنين الذي يسود أوساط معظم الجنوبيين إلى استعادة الدولة الشطرية (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) عند حدودها السابقة، وعاصمتها عدن.

ويتابع الدباني، وهو ناطق رسمي للهيئة الأكاديمية الجنوبية، في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، إن عدم تحقيق إرادة شعب الجنوب في الاستقلال "سيؤدي إلى استمرار الحروب وغياب الاستقرار، بينما ستتقاسم البلاد شمالاً وجنوباً قوى إقليمية ودولية وجماعات إرهابية".

وحدة مرتجلة

ومنذ اجتياح قوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لمحافظات جنوب اليمن في حرب صيف عام 1994، على خلفية إعلان نائبه الجنوبي آنذاك علي سالم البيض الانفصال، بعد أقل من أربع سنوات على قيام الوحدة الاندماجية بين شطري البلاد، يشكو الجنوبيون من تعرضهم للتمييز.

يقول باسم الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، إن الوحدة تمت بصورة ارتجالية ولم تبنَ على دراسة منطقية تلبي مصالح كل اليمنيين. "اكتشف اليمنيون بعد ربع قرن من الوحدة أنها كانت تلبي مصالح مراكز القوى فقط".

وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن حرب صيف 94 "المجنونة المدمرة" كانت كارثة كبيرة ما زالت نتائجها حتى اليوم، حيث "أفضت إلى تسريح مئات آلاف الجنوبيين من أعمالهم، فضلاً عن نهب أراضيهم".

ويتفق معه علي الغرباني، وهو قيادي في الحراك الجنوبي قائلاً لموقع (إرفع صوتك) "نظام علي عبد الله صالح تعمّد تدمير ونهب مؤسسات وممتلكات الجنوب، شعبنا تعرض للاحتلال مرتين الأولى عام 1994 والثانية في 2015. لذلك الاستقلال هدفنا، ونريد الاعتراف الدولي".

خلفية عن الحراك

في عام 2007، بدأ عدد كبير من الضباط والجنود وغيرهم من الموظفين الجنوبيين المسرحين من أعمالهم تنظيم مظاهرات أبرزها في مدينة عدن، بهدف مطالب حقوقية، لكن الحكومة المركزية في صنعاء تجاهلتها تارة وقمعتها تارة أخرى.

ودفعت الظروف الصعبة عشرات الآلاف من الجنوبيين للانخراط في تلك الاحتجاجات التي رفعت لاحقاً مطالب سياسية تدعو للانفصال.

ويضم الحراك الجنوبي مكونات عديدة يتزعمها قادة بارزون، لكل منها مشروعها الخاص بالاستقلال.

وفي لحظة فارقة غابت أصوات كثير من أولئك القادة عن المشهد، بعد أن تحققت انجازات ملموسة للقضية الجنوبية تضمنتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل (آذار/مارس 2013 –كانون الثاني/يناير 2014)، بإنتاج إصلاح واسع لشكل الدولة اليمنية وتأسيس نظام اتحادي، ونوع من التمييز الإيجابي لأبناء المناطق الجنوبية، نظير معاناتهم.

لكن اجتياح الحوثيين وحلفائهم للعاصمة صنعاء، في أيلول/سبتمبر 2014، وتوسعهم في بقية المحافظات واندلاع حرب مستمرة حتى اليوم، أعادت الأمور إلى المربع الأصعب.

طردنا بطريقة لا إنسانية

ومنذ استعادة مدينة عدن من قبضة القوات الموالية للرئيس اليمني السابق والحوثيين، منتصف تموز/يوليو 2015، تصاعدت النزعة الانفصالية وموجة العداء ضد كل ما هو شمالي في المدينة التي تتخذها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، ومدن جنوبية عدة.

وخلال الشهرين الماضيين، رحّلت سلطات الأمن هناك مدعومة بمتشددين انفصاليين، آلاف المواطنين الشماليين، بحجة عدم امتلاكهم أوراق اثبات هوية.

"تم طردنا بطريقة لا إنسانية"، يتحدث وديع هائل الصبري، وهو أحد المرحّلين من عدن، عن قصة ترحيله وعشرات الشماليين من المدينة الجنوبية، مطلع حزيران/يونيو الماضي، بعد نحو 10 سنوات من عمله فيها بائعاً للقات.

وسرد الشاب الثلاثيني لمراسل (إرفع صوتك) قصصاً حزينة لمواطنين تعرضوا للضرب والسب من قبل مسلحين جنوبيين قبل ترحيلهم. لكن قيادات جنوبية نفت في الأثناء صلتها بأي أعمال لا إنسانية، محمّلة أجهزة استخباراتية تابعة للنظام السابق مسؤولية خلق عداء بين المواطنين الشماليين والجنوبيين.

قوة عسكرية مدربة

ورداً عن سؤال حول مدى قدرة الجنوبيين على الاستقلال، يشير الشعبي، وهو أيضاً صحافي جنوبي، إلى أنه في حال استمر "الانقلابيون" بالسيطرة على شمال اليمن، وعجز الحكومة الشرعية عن عمل شيء للبلاد، فإن فك الارتباط للجنوب سيتحقق. "ستتسع رقعة المطالبين بالانفصال، لا سيما وأن الحراك أصبح مشاركاً في السلطة ويمتلك قوة عسكرية مدربة".

ويضيف أن "دولة اتحادية من إقليمين أو ثلاثة أقاليم، هي الحل الأمثل للقضية الجنوبية، وأجيال مستقبل اليمن بشكل عام".

المليشيات مستقبل اليمنيين

أما مطيع دماج، وهو عضو في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني الشريك الجنوبي في إعلان الوحدة الاندماجية، فيرى أن استعادة الدولة اليمنية واحتكارها لأدوات العنف وتطبيق القوانين بشكل ديموقراطي كتجربة مؤتمر الحوار الوطني، هو المدخل الحقيقي لإنتاج حلول لكافة القضايا بما فيها القضية الجنوبية. ويحذر قائلاً "وإلا أصبحت اللحظة الراهنة، لحظة المليشيات في كل أرجاء البلاد، هي مستقبل اليمنيين لعشرات السنين القادمة".

ويؤكد القيادي الاشتراكي لموقع (إرفع صوتك) أن القضية لم تعد اليوم استقلال الجنوب بل "الحديث في الأساس يطرح الانتباه عن طبيعة الاشكالية والأزمة الكبرى في البلد، المتمثلة بسقوط النظام السياسي".

*الصورة: "وإلا أصبحت اللحظة الراهنة، لحظة المليشيات في كل أرجاء البلاد، هي مستقبل اليمنيين لعشرات السنيين القادمة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

أثارت الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، في أبريل/نيسان، بشأن ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لغطاً كبيراً وجدلاً واسعاً في مصر. ونصّت الاتفاقية على تسليم الجزيرتين للمملكة باعتبارهما أراض سعودية.

ويتمسك المعارضون للاتفاقية بمصرية الجزيرتين، وسط غضب شعبي ومطالب واسعة بعدم التخلي عن الجزيرتين.

غلطة النظام

بحسب عصام العبيدي، نائب رئيس تحرير جريدة الوفد المصرية، في حواره لموقع (إرفع صوتك) "فإن النظام في مصر مسؤول عن الأزمة التي حدثت على الساحة الداخلية منذ البداية بطريقة المعالجة الخاطئة لها".

يعتقد العقيدي أن الخطأ الذي ارتكبته السلطات المصرية تمثل بعدم إشراك الشعب في أمر الجزيرتين. "في حين كان المفترض أن يقدم النظام للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما لديه من خرائط وأدلة ومستندات تثبت سعودية الجزيرتين".

"لو فعل النظام هذا لفوت الفرصة على المزايدين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الطعن في وطنيته"، يقول العبيدي.

ويتابع العبيدي أن الأزمة ستتصاعد خاصة بعد حكم أول درجة الصادر عن محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان الاتفاقية الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، وستصبح الأزمة أكثر صعوبة خاصة في ظل وجود بعض المزايدين والمتربصين الذين جيشوا الجيوش وشحنوا الرأي العام ضد الاتفاقية وأزمة الجزيرتين.

جزيرتا تيران وصنافير..  الموقع والأهمية

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد ستة كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومتراً مربعا. وكانت الجزيرة قديما نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومتراً مربعاً.

قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران. ثم وقعت الجزيرتان تحت سيطرة إسرائيل باحتلالها لشبه جزيرة سيناء.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات. لكن ذلك لا ينفي ممارسة مصر سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وتكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بالمضيق الذي يحمل نفس الاسم، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية. كما أن للجزيرتين أهمية إستراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة حيث تقعان عند مصب الخليج الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

 العلاقات المصرية – السعودية

وبحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير هاني خلاف، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تتأثر، خاصة وأن الأخيرة قد أكدت أن هذه العلاقات ستظل قوية سواء أخذوا الجزيرتين تيران وصنافير أم لا "وهو ما يفوت الفرصة على من يريدون استغلال هذا الموضوع لكسر العلاقة بين البلدين".

ويطرح خلاف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) الصراع الجدلي حول ملكية الجزيرتين جانباَ ليشير إلى زاوية أخرى في الموضوع، قائلاً "هل توجد حساسية ما لدى السعودية في التعامل مع إسرائيل؟ فمن يدير الحياة على الجزيرتين لا بد له من التعاون مع إسرائيل".

ويتابع أن كلمة ترسيم الحدود لا تعني الحديث فقط عن تيران وصنافير فهناك موضوعات أخرى تحتاج إلى ترسيم فهناك أماكن معينة في باب المندب تحتاج إلى تقنين الأوضاع فيها، ويقترح السفير هاني خلاف أن تكون السيادة على الجزيرتين مشتركة بين مصر والسعودية أو الاتفاق على شكل من أشكال الإدارة المختلفة لتفويت الفرصة على من يريدون إثارة الخلافات.

أما عصام العبيدي فيقول إنه على الرغم من محاولات قيادتي البلدين احتواء الأزمة "إلا أنها ستترك – بلا شك - تأثيرات سلبية على العلاقات المصرية السعودية".

*الصورة: جزيرتا تيران وصنافير/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659