فيلم "ريش" المعروض في مهرجان الجونة 2021 يشوه صورة مصر في الخارج، لأنه يعرض الفقر والفقراء بشكل مسيء جدا لسمعة مصر. كذلك الأمر بالنسبة لفيلم "حين ميسرة" الذي تم عرضه سنة 2007، والذي شوه صورة مصر بالنماذج السيئة التي قدمها من قبح وفقر... يجب أن يعرف القائمون على هذه الأعمال أن دَوْر السينما ليست فقط تقديم الواقع بحذافيره، بل تقديم صورة جمالية مبدعة.
فيلم "أصحاب ولا أعز" لا يمثل الواقع المصري، بل هو منقول من واقع أجنبي، ويجب أن يعرف القائمون على هذه الأعمال أن دَوْر السينما أن تكون قريبة من الواقع.
أهلا ومرحبا بكم في عالم التناقضات العربية!
الحقيقة أن الكثيرين بيننا غير قادرين على رؤية حقيقة مجتمعاتنا في مرايا الإبداع أو الإعلام، كيفما كانت طبيعة انعكاسها. إن كانت صادمة وموجعة، رفضوها لأنها قريبة جدا من الواقع. إن كانت جريئة، احتجوا عليها لأنها لا تمثل الواقع (بالنسبة لهم). إن كانت تقدم الواقع بصورة جمالية، اعترضوا لأنها بعيدة عن الواقع (بالنسبة لهم).
علينا أولا أن نتفق على فكرة أساسية مفادها أن السينما لا تهدف لمعالجة قضايا المجتمع. السينما فرجة ومتعة وحكاية. هي ليست دراسة ولا ندوة ولا بحثا سوسيولوجيا. قد تستلهم السينما من الواقع وقد تكون مسكونة بالكثير من الخيال. كما أن كوننا لا نعرف بوجود واقع معين في محيطنا، فهذا لا يعني أنه غير موجود.
النقطة الأساسية الثانية هي أنه ليس هناك فيلم يشجع على المثلية، إذ ليس هناك شخص غير مثلي سيتحول إلى مثلي حين يشاهد فيلما. وليس هناك فيلم يشجع على الخيانة الزوجية، فمن يرفض خيانة شريكه أو شريكته لن يؤثر فيه فيلم. لكن، يبدو أن بعض المشاهدين كانوا يفضلون أن يقدم لهم الفيلم عقابا من نوع ما للنماذج التي يرونها سيئة، حتى يطمئنوا على شعاراتهم عن المجتمع الفاضل: أن تُقتَل الزوجة الخائنة أو تخسر زوجها وأبناءها مثلا. أن يتعرض المثلي للنبذ المجتمعي...
كانت الجماهير، حينها، ستطمئن لمثالية تصورها عن المجتمع. أما أن ينتهي الفيلم بنهاية لطيفة وألا يكون المثلي شخصا سيئا بالضرورة ولا حتى ناقص رجولة (لنتذكر أنه هو وحده من استطاع فتح باب الحمام المغلق) ولا منبوذا، وأن يرغب في حماية حبيبه من تناقضات الرفاق، هو أمر لا يناسب المزاج العام الذي يعتبر المثلي مجرد شخص "شاذ" برغبة جنسية غير سوية، ولا حديث هنا عن الحب والمشاعر.
الزوج الذي يقبل أن يكون لزوجته حبيب سابق ظلت علاقة الصداقة بينهما مستمرة رغم انتهاء قصة الحب، هو رجل "ديوث". كيف تتزوج أصلا من امرأة لها "إيكس\حبيب سابق"، بل كيف تتقبل الأمر بشكل عادي؟ المجتمع السليم هو الذي قد يكون فيه للزوجة حبيب سابق، لكن لا أحد يعرف بذلك!!! هكذا نكون محترمين...
حتى الأب في "أصحاب ولا أعز"... "ديوث"! ربما كان عليه أن يقتل ابنته بدل تفهم اختياراتها؛ أو، على الأقل، أن يطردها خارج البيت أو يحبسها في غرفتها. حينها، سنكون في صلب "ثقافتنا المجتمعية" التي تحترم العادات والتقاليد!!!!
هذا دون الحديث عن تعليقات كثيرة حول كون الفيلم منقولا عن فيلم إيطالي؛ رغم أن أفلام "الريمايك"، أي الأفلام المستلهمة من أفلام أخرى، ليست جديدة في عالم السينما عبر مختلف البلدان، وهي لا تعتبر "نسخ لصق" أو سرقة فنية لأنها تتعلق بممارسة سينمائية معروفة جدا.
في مصر نفسها، يمكن أن نجد العديد من الأفلام "ريمايك" عن أفلام عالمية. ببساطة لأن تلك الأفلام تتطرق لقضايا كونية لا تتعلق بمجتمع واحد. الحب والعلاقات الإنسانية والزواج والمثلية والعلاقات الجنسية ليست خصوصية مصرية أو إيطالية أو فيليبنية. ورفضنا لبعض الظواهر في وسطنا الحميمي (القبول بالماضي العاطفي للشريكة، الحوار الصريح والهادئ بين الأب وابنته...) لا يعني أنها غير موجودة في مجتمعنا. وألا يكون ذلك سلوكك اليومي (الخفي أو المعلن) لا يعني أن من حقك منع الآخرين من أن يعيشوا بذاك النمط أو يتخيلوه في سينماهم أو رواياتهم!
كما أن دور السينما ليست أن تحاكي الواقع. لقد قلناها ونكررها: السينما حكي وفرجة ومتعة.
لكن الأنكى أن الكثير من المتهجمين على الفيلم لم يشاهدوه بتاتا. يهاجمون بناء على ما سمعوه. حتى أن أحدهم كتب ساخرا إن مدراء منصة نتفلكيس يحاولون أن يفهموا انتفاضة الآلاف ضد فيلم "أصحاب ولا أعز"... بحساب واحد في كل بلدان المنطقة!
لنتأمل أننا أمام الآلاف ممن ينتفضون، رغم أن الفيلم معروض على منصة خاصة يفترض أن تؤدي فيها اشتراكا لكي تشاهد الأفلام المعروضة. هذا يعني أنك لست مجبرا بتاتا على مشاهدة الفيلم ولا حتى على الاشتراك في تلك المنصة...
الواقع أن الكثيرين انتفضوا بناء على تعليقات فئة علقت بناء على تعليقات فئة أخرى علقت بناء على بوست أو تغريدة... مئات التعليقات على مختلف المنصات تبين بأن أصحابها لم يشاهدوا الفيلم. سمعوا فقط أن منى زكي خلعت تبانها فتخيلوا جسدها عاريا في الفيلم. والمضحك المبكي أن يصل البعض لعلاقتها الشخصية بزوجها الفنان أحمد حلمي. مما يعني أنه، إذا أدت أي فنانة دور امرأة شريرة، أو قاتلة، أو منافقة، أو ظالمة... فلا داعي أن يقلق زوجها. ذلك مجرد تمثيل. لكن، أن يكون في الفيلم شبه قبلة أو تبان يخلع حتى خارج الكادر، أو قصة حب مثلية، هنا، يختلط التمثيل بالواقع.
قد لا يوجد، ربما، سيناريو باستطاعته أن يصور تناقضاتنا وأمراضنا بشكل حقيقي!