عيد الحب - الفالنتياين - ورود
"الحب والاحتفال بالحب مخالف لقيمنا! وكأن قيم المسلمين الحقيقية هي الكراهية والعنف!"

مع كل وفاة لكاتب، مفكر، أو باحث يدافع عن قيم التفكير والعقل النقدي ويناقش الموروث الثقافي والديني، نجد أنفسنا أمام كم كبير من عبارات الشماتة في موته، من طرف أعداد هائلة من المتطرفين. ولست أفهم صراحة مدعاة السخرية من موت شخص نختلف معه في الأفكار. هل سيعيش حملة الخطاب الديني إلى الأبد؟

ألم يمت البخاري ومسلم وكل رواة الحديث والأئمة والخلفاء والتابعين؟ ألم يمت الأنبياء أنفسهم؟ 

هل يعتبر هؤلاء المتطرفون أن الموت دليل فشل مثلا، أو ضعف في الحجة أو البرهان؟ 

ألا يتخيلون أن سخريتهم هي دليل فشلهم، هم، في أن يأتوا بالحجة والبرهان ليواجهوا بها خصومهم الفكريين، بدل الاكتفاء بالشماتة في موتهم (الذي هو، في النهاية، أمر طبيعي)؟  

لماذا يخافون العقل النقدي الذي يشجعه الآخر المختلف؟ ألا يفترض أن القناعة الدينية الحقيقية هي التي تنمو بالعقل والقلب معا؟ أم أنهم يفضلون ألا يطرح المؤمنون الأسئلة، فيحاربون ويكرهون من يدعوهم لطرح الأسئلة؟

ثم، هل يعني هذا أن هؤلاء المتطرفين يعتبرون، بشكل ما، أن قناعات الأفراد هشة وأن أي سؤال قد يزعزعها؟ هل يشكون في قوة إيمان المسلمين حولهم، فيتمنون بذلك الموت لكل صوت مختلف ويفرحون أن الله "قطع نَفَسه"، كما كتب أحدهم، وكأن نَفَسهم لن ينقطع يوما ما!

في النهاية، أي ترجمة ممكنة لهذه السلوكيات غير ثقافة الكراهية ونبذ الآخر المختلف التي تعشش في قلوب الكثيرين حولنا؟

كراهية لا تزعج مشاعر الإيمان التي يفترض أنهم يعرضونها أمامنا ولا القيم والأخلاق التي يفترَض أنهم يدافعون عنها.

كراهية يُطَبعون معها ويعتبرونها من الإيمان ومن الأخلاق ومن القيم. يخافون أبسط مشاعر الحب ويخافون تعبير الغير عنه. 

بعد موت سيد القمني، وبعد عبارات الشماتة التي سمعناها منهم، لننتظر خروجهم مجددا بمناسبة "الفالنتاين" بعبارات سب وشتيمة وإرهاب فكري، لكل من سولت له نفسه الشريرة الاحتفال بعيد الحب!
الحب والاحتفال بالحب مخالف لقيمنا! وكأن قيم المسلمين الحقيقية هي الكراهية والعنف! 

طبعا، فإن الحديث عن الجانب التجاري للفالنتاين هو أمر يستحق أن نتوقف عنده قليلا، إذ أن العديد من العلامات التجارية تستغل عيد الحب لتحقق مزيداً من الأرباح والمبيعات. في النهاية، في الحب، الهدايا لا يمكن أن تكون إجبارية. الهدايا يفترض أن تكون أسلوبا نخبر به الآخر أننا فكرنا في شيء يدخل البهجة لقلبه. لكنها، حين تصير واجبا، تفقد حلاوتها وتفقد رمزيتها. 

إضافة لذلك، فهدية عيد الحب ليست "حقا" للنساء ولا هي "واجب" على الرجال. المفروض أن اثنين يحبان بعضهما، وأن الرجل أيضا يمكن أن يتواصل بهدية جميلة. 

في عيد الحب السنة الماضية، كتبت هذا الكلام على الفيسبوك، فانهالت تعليقات العديد من الأصدقاء الذكور سعيدة ممتنة بأن "ظهر الحق وزهق الباطل" وأن الأمر يجب أن يتم بالمساواة.

إحدى صديقاتي كتبت تعليقا قويا أقتسمه معها بكل اقتناع، حيث سألت المعلقين الذكور: "جميل أنكم تؤمنون بالمساواة بين الجنسين على مستوى الهدايا. طيب، وما قولكم بخصوص المساواة في الإرث؟"
لم يعلق أحد! لم يضعوا لها "لايك" ولا كتبوا كلمة واحدة!

المساواة في الهدايا، نعم، والمساواة في مصاريف البيت وتكاليف مدرسة الأطفال، لمَ لا؟ وفي مصاريف العطل والإجازات أيضا. كل هذا يدخل فعليا في مبدأ المساواة حين يكون للطرفين مدخول شخصي. لكن، المساواة في الإرث؟ لا، فهذا شأن آخر! 

في النهاية، موضوع الهدايا هو تفصيل صغير. الهدايا تسعدنا جميعا، رجالا ونساء. لكن الهدايا بالإكراه والواجب لا طعم لها. الحب حلال لأنه يسعدنا ويسعد الله بالتأكيد. المساواة مبدأ لا يمكن أن يكون انتقائيا تختاره النساء حين يناسب مصالحهن ويوافق عليه الذكور حين يخفف عليهم بعض العبء المادي، والشماتة في الموت، حين يكون الفقيد خصما أيديولوجيا، هي بؤس إنساني وحقارة أخلاقية لا علاقة لهما بالقيم!

كل عيد حب وأنتم قريبون ممن تحبون!

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.