استمرار معركة السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف
استمرار معركة السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف

على الجانب الآخر من الخريطة، يوجد مواطنون ومواطنات بالملايين يعانون الرعب والخوف والهلع والدمار. بعضهم خسر من يحب وبعضهم يعيش مسكونا بهاجس الموت تحت القصف أو فقدان أب أو أم أو حبيبة أو حبيب.

وعلى هذه الضفة من الخريطة، حولنا، عينتان من المواطنين: عينة أولى تسأل: وماذا عن فلسطين؟ وماذا عن اليمن؟ وماذا عن العراق؟ وماذا عن سوريا؟

وعينة ثانية، هي الأكثر إسفافا، لم تر من الحرب والقتل والدمار إلا أجساد النساء الأوكرانيات... تقارنهن بنساء بلدها (القبيحات، حسب وجهة نظرها) وتتغزل بجمالهن.

لنتخيل كمّ الابتذال واللاإنسانية والهوس بالجنس وبأجساد النساء.. الذي يجب أن يغلف "عقول" (وهل من عقول أمام هكذا سلوك؟) البعض، لكي يختزلوا وجع مجتمع يعيش هلع الحرب والقصف والرعب... في جسد امرأة جميلة يشتهونها ويتوهمون أنها لم تكن تنتظر إلا عروضهم لكي ترتمي بين أحضانهم!

للذكر المشرقي والمغاربي وهم عظيم حول فحولته. منذ شهور، كان يتبادل صور الروسيات متوهما أنه، خلال مباريات كأس العالم، ستتسابق جميلات روسيا بين أحضانه. كان يسخر من نساء بلده (المغرب، مصر، الأردن...) اللواتي اعتبرهن قبيحات الشكل وكان يعبر عن تفضيله للروسيات... لكنه لم يسأل نفسه يوما عن شكله وعن كيف تراه بنات بلده وإن لم يكنّ بدورهن يفضلن الوسيم الإيراني أو الروسي أو الاسباني أو الإيطالي... لم يسأل نفسه يوما عن مدى جاذبيته، لأنه يتوهم أن الذكر وحده يشتهي... تماما كما يتوهم أن اشتهاءه وحده كفيل بتحقيق فانتازماته.

لكننا هنا أمام بشاعة من نوع آخر. نحن لسنا أمام إقصاءات كأس العالم باحتفاليتها. نحن أمام حرب وألم وموت وقتل وفقد وهلع... ومع ذلك، فذكرنا المنتصب لا يرى إلا جميلات أوكرانيا. بل ويغذي وهمه العظيم بأنهن، في وجعهن والخطر المحدق بهن وبمن يحببن، وتحت القصف... لا ينتظرن إلا فتحه المبين.

خلاصة القول ألا حقارة ولا خسة أكثر من أن تنشر نكاتك الغبية حول نساء أوكرانيا بينما لكل من هؤلاء حبيب أو زوج أو أم وأب أو ابن أو كل هذا... قد تفقدهن في حرب لا يمكن أن تكون رحيمة. 

ثم، حين تفعل ذلك وأنت تتبجح بشعارات النضال واليسار والتدين والثقافة، فذلك أبشع وأخس وأحقر. لأنك حينها، لست أكثر من ذكر... لست أكثر من قضيب منتصب بلا مشاعر ولا قيم ولا عقل ولا إنسانية... اللهم بضع شعارات ترفعها في المنتديات العمومية!

تماما كذاك الذي، أمام كل كلمة تضامن أو مقال أو تصريح حول الحرب في أوكرانيا، يسألك: وماذا عن سوريا؟ وماذا عن اليمن والعراق وفلسطين؟ 

وتماما كذلك الذي يرفع الدعاء: اللهم احفظ المسلمين في أوكرانيا!

وكأن الحرب تختار المسلم والمسيحي والبوذي والملحد لتقرر أيهم سيكون الضحية!

وكأن الفلسطيني أو اليمني أو العراقي، كإنسان، هم أحق بالحياة والفرحة من الأوكراني!

بينما الحرب، بكل أسف، لا تفاضل بين بشر وآخر، بين دين وآخر. بين عرق وآخر... 

ولكي تفهم هذا وتتعاطف مع كل الضحايا: في مالي وسوريا وأفغانستان وبوركينافاسو والعراق وأوكرانيا واليمن وفلسطين.. وفي كل بلدان الاقتتال والدمار، يكفي أن تكون إنسانا تحركه الإنسانية قبل الإيديولوجيا.

لكن، وبكل أسف، يبدو أن الإيديولوجيا والميزوجينيا قدرنا في هذا العالم الممتد من الجهل إلى البؤس إلى الطائفية إلى... اللإإنسانية!

كل التضامن مع كل ضحايا الحروب والعنف.... ولو أن تضامننا الإنساني لا يكفي ليوقف القتل والوجع!

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.