أمينة خليل
أمينة خليل

في السينما والتلفزيون، قد يتحدث الرجال في الجنس وقد يصفون نهد هذه المرأة ومؤخرة تلك الفتاة. قد يشتكون من برود زوجة أو من جسد حبيبة لا يرونه جميلا. قد يعبرون عن الرغبة بالعين وبالشفة وبالكلمات الملتهبة، وحتى القدحية والمهينة أحيانا.

لكن، أن نشاهد فيلما أو مسلسلا تعبر فيه النساء عن الرغبة الجنسية أو عن إعجابهن بجسد هذا الرجل أو ذاك، وبفحولة هذا الشاب أو ذاك... ففي هذا تهديد للقيم والأخلاق.

الأخلاق لا تهددها رغبة الرجال، بالتلميح أو بالتصريح. وحدها رغبة النساء وأحاديثهن المسائية تهدد الأخلاق والقيم والدين والأسرة. على الزوجة أن تمارس الجنس دون أن تشتهي ولا أن تعبر عن استمتاعها! ممنوع أن تتحدث في الجنس وتعبر عن مشاعرها ورغباتها، وإلا فهي تهدد قيم الأسرة المسلمة!

بالنسبة للبعض، مجرد تعبير امرأة (حتى لو كانت شخصية متخيلة في عمل فني) عن الرغبة الجنسية وعن "تقييمها" للأداء الجنسي لشريكها، هو مدعاة للخوف والرعب. أما أن تجلس نساء في جلسة دردشة وتتحدثن بحرية عن الشريك وعن الأوضاع الجنسية وعن الرغبة وحتى عن "القدرات" الجنسية للشريك (بما معناه الخبرة الجنسية والرغبة والتعبير عن الاكتفاء الجنسي أو عدمه)، ففي هذا تهديد لمجتمع يرى فحولة الرجل، بل قيمته كرجل، في قدراته الجنسية، لكن أيضا في سلبية المرأة جنسيا! 

المرأة هي تلك التي تُشْتَهَى ولا تَشْتَهِي... أما أن تشتهي الرجل وتعبر عن الرغبة أو الاستمتاع، بل وأن تقيم أداء الشريك جنسيا، فذاك تهديد للأخلاق. 

يشترط العديد من الرجال الجهل الجسدي والسلبية الجنسية لدى الزوجة، كدليل على الشرف والعفة... لكن، في نفس الوقت، فنفس الرجال قد يجعلون من نفس السلبية الجنسية ذريعة... للخيانة، أو للرغبة في التعدد! 
مناسبة هذا الكلام هو الضجة الجديدة والحملة المسعورة ضد الفنانة الجميلة والمبدعة أمينة خليل. بعد مهاجمة منى زكي والمطالبة بتطليقها من زوجها بعد عرض فيلم "أصحاب ولا أعز"، ها هي جحافل الغيورين على أخلاق المسلمين تنتفض ضد أمينة خليل، بعد بث مشهد من مسلسل "نمرة اثنين" الذي شاركت في إحدى حلقاته. 

من حقنا طبعا ألا نعجب بفكرة المسلسل وحتى ألا نتابعه. لكن هذا المنحى الذي بدأنا نتابعه منذ بضعة سنوات، والذي يطالب بالمنع متى ما أزعجه مشهد أو حوار (حتى دون أن يشاهد العمل أساسا) وبتطليق الممثلات وبمنع المسلسلات والأفلام من البث، هو منحى استبدادي يأخذ من الأخلاق ذريعة لكي يمنع الحرية ويصادر الإبداع... 

لدينا دائما اختيار المشاهدة أو لا: القاعات السينمائية ليست إجبارية. كما أنك لست مجبرا على متابعة الأفلام المعروضة على مختلف منصات العرض الخاصة... حتى المسلسلات والأفلام المعروضة على القنوات العمومية في بلداننا، أنت لست مضطرا لمتابعتها، منذ توافرت الأعداد الهائلة من القنوات، ومنذ أن اخترع كفار الغرب أداة سحرية اسمها "جهاز التحكم عن بعد"، وهو جهاز عجيب يمكنك من تغيير القناة متى ما لم يرقك محتوى معين على قناة معينة!

في الحقيقة، حملات الهجوم هذه لا تترجم خوفا على الأخلاق (أخلاق يحصرها حراس الفضيلة في أجساد النساء حصريا... إذ لا مشكل لديهم في مشاهد العنف والقتل والسرقة والاختلاس والاعتداءات الجنسية وتشغيل الأطفال وتزويج القاصرات وغيرها من الكوارث الأخلاقية). الحقيقة أن حراس المعبد يخافون من التحولات التي يعيشها المجتمع ويعبر عنها على عدة مستويات وبمختلف الأشكال: في الشارع العام وفي السينما والمسرح والبرامج التلفزيونية والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي... حراس المعبد يلمسون تحول المجتمع وميله نحو الحرية، ويخافون، بل يصيبهم الهلع من هذه التحولات والتعبيرات التي تثبت لهم في كل مرة أن الأفراد والمجتمع يخرجون من الوصاية ويمارسون حقهم في الاختلاف وفي التعبير.

ولأن هذه التحولات، في الأجساد والأفكار والآفاق والتطلعات، تصيبهم بالهلع، فهم يترجمون هلعهم بالرغبة في ممارسة مختلف أشكال العنف والتسلط.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.