إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أدرجت الحرس الثوري على هذه قائمة العقوبات في العام 2019
"لم تكن قطر غافلة عن مشاركة "الحرس الثوري الإيراني" المصنف إرهابيا في معرضها العسكري"

نشرت وكالة رويترز خبرا مفاده أن ضباطا في "الحرس الثوري الإيراني"، الميليشيا التي تعمل بإمرة مرشد طهران الأعلى، علي خامنئي، شاركوا في معرض للأسلحة استضافته الدوحة. وتصنّف وزارة الخارجية الأميركية "الحرس" على لائحة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أن مشاركتهم في الحدث القطري يرتّب على الدوحة تبعات قانونية في واشنطن.

وحاولت قطر التهرب من المسؤولية، فأبلغت وكالة رويترز أنها لم تتعاط مع "الحرس الثوري"، بل وجّهت الدعوة لوزارة الدفاع الإيرانية، وهذه بدورها هي التي تشارك في المعرض.

لكن هذا عذر أقبح من ذنب، إذ أن كل من يعرف كيف تعمل المؤسسات الأمنية يدرك أن لدى الاستخبارات القطرية علم كامل بهويات ضباط الحرس الذين يزورون الدوحة، فأجهزة الاستخبارات غالبا ما تبحث في ماضي الأشخاص العاديين وتمحّص في تاريخهم ونشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن توافق على منح تأشيرة دخول لأي منهم، ناهيك عن مسؤولي الحكومات الأخرى، وخصوصا العسكريين والأمنيين منهم.

ثم أن كل من يعلم كيف تعمل الأنظمة القمعية، مثل إيران، يعرف أن هذه الأنظمة لا تحترم الأصول والأعراف الدولية، فسفارات العراق في عهد رئيسه الراحل، صدام حسين، كانت تعج بعملاء الاستخبارات العراقية، وهكذا على الأرجح كل دولة إيران وحرسها الثوري.

لم تكن قطر غافلة عن مشاركة "الحرس الثوري الإيراني" المصنف إرهابيا في معرضها العسكري، بل فعلتها هذه هي في الغالب من باب التباهي بدورها الدبلوماسي الذي يجمع الأضداد، إذ هي على الرغم من علاقتها المتينة بالنظام الإيراني، نالت تصنيف إدارة الرئيس جو بايدن لها على أنها "حليف أساسي من خارج تحالف الأطلسي".

على أن السياسة الدولية ليست بهذه البساطة. قد تكون السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية أقرب إلى قطر وإيران، لكن من يعرف واشنطن يعلم أن الإدارات تتغير، ومعها سياساتها الخارجية.

ما لا يتغير هو المواضيع الأمنية، إذ أنه من شبه المؤكد أن وجود ضباط "الحرس الثوري الإيراني" في الدوحة أثار ريبة المؤسسة العسكرية الأميركية، فهذا التواجد، وإن بشكل سياحي، يفتح الباب أمام الاستخبارات الإيرانية للتجسس على قاعدة العديد العسكرية الأميركية، الأكبر في المنطقة.

كما يفتح الباب أمام محاولات الحرس الثوري التجسس المباشر على أميركيين، مثل عبر محاولة تهكير هواتفهم أو حواسيبهم أو حتى محاولة اقتحام غرفهم في الفنادق أثناء غيابهم.

المعارض العسكرية ليست تقليدا جديدا، بل لها تاريخ عريق. ولكن في تاريخها أيضا أنها مفتوحة للدول المتحالفة، ومغلقة عادة في وجه التحالفات المناوئة، إذ في شؤون العسكر، على عكس الشؤون الدبلوماسية، لا يمكن جمع الأضداد، بل على كل حكومة الاختيار وحسم موقفها. أما الحكومات التي تسعى لعدم الانحياز، فموضوع السلاح ومعارضه لا يهمها.

ربما لم تستوعب قطر درس أقرب حلفائها، تركيا، التي خلطت العسكري بالسياسي فطردتها الولايات المتحدة خارج نادي أسرار مقاتلة "أف 35" المتطورة. حاولت تركيا، وهي عضو في تحالف الأطلسي وكانت مشاركة في برنامج صناعة المقاتلة الأميركية، أن تستفز واشنطن وتتقرب من موسكو، فأعلنت شراءها منظومة "أس 400" الروسية للدفاع الجوي، مع ما يتضمن ذلك من إرسال مستشارين عسكريين روس إلى تركيا للإشراف على عمل المنظومة وصيانتها، وهو ما كان يعني فتح الباب أمام الجاسوسية الروسية على مقاتلة "أف 35"، فقامت المؤسسة العسكرية الأميركية، لا الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي كان يتمتع بصداقة متينة مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، بطرد أنقرة من برنامج المقاتلة، وحرمتها تصنيعها أو حتى حيازتها.

هكذا على الدوحة أن تتذكر أن في شؤون العسكر، لا يمكن رمي مليارات الدولارات على المشكلة حتى تنجلي، أو حتى يتم تصويرها بضوء مختلف، على عادة قطر التي تنفق أموالا طائلة على مؤسساتها الإعلامية والدعائية حول العالم لتقلب الصورة وتحول ذنوبها حسنات.

ربما لدى سياسيي الولايات المتحدة الحاكمين اليوم رؤية تقضي بأن قطر صديقة، وكذلك إيران، لكن المؤسسة العسكرية الأميركية لا تتهاون في مثل هذه الأمور، وإن قامت قطر بتعريض الأسرار العسكرية الأميركية للخطر، قد تجد الدوحة نفسها خارج الغطاء الأميركي، الذي بدونه تتحول شبه الجزيرة القطرية إلى حي صغير تحت رحمة "الحرس الثوري الإيراني" نفسه.

إذ أن كل سياسة قطر مبنية على إقامة توازن لمصلحتها في علاقاتها بين القوى الإقليمية والعالمية. ولكن التوازن يحتاج إلى علاقات متوازنة، وإن خسرت الدوحة صداقتها مع أي من القوى، تفقد قدرتها على المناورة مع القوى المنافسة، وتتحول إلى تابع صغير في معركة كبيرة.

كذلك كان على قطر أن تتنبه إلى أن المسيّرات التي عرضها "الحرس الثوري الإيراني" في الدوحة هي نفسها التي تزودها طهران للميليشيات الموالية لها في المنطقة، وهي نفس المسيّرات التي حاولت طهران استخدامها لاغتيال رئيس حكومة العراق، مصطفى الكاظمي، ولضرب مرافق النفط والمطارات السعودية، ولاستهداف مطار دبي ومواقع مدنية. 

ربما كان على قطر أن تتنبه إلى حساسية استعراض أسلحة القتل الإيرانية في منطقة تعاني حكوماتها وشعوبها من هذه الأسلحة. لكن الدوحة يبدو أنها تسمع للنصح، إذ أن المال قوة، والقوة تفسد أصحابها، وأحيانا تعمي قلوبهم كذلك.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.