ككل رمضان، منذ بضعة سنوات، ينتظر الكثيرون تهنئة رئيس الوزراء الكندي لمسلمي كندا بحلول شهر رمضان، بغير قليل من "الفخر"؛ كأنما الأمر يتعلق بإنجاز!
بالفعل، تهنئة رئيس الوزراء الكندي لمسلمي كندا بمناسبة رمضان وفي مناسبات دينية أخرى، هو شيء جميل. لكنه ليس جميلا باعتباره "مكسبا" للمسلمين؛ بل هو كذلك لأنه يترجم تعددية وانفتاحا جميلين من طرف هذا السياسي الكندي! لكن الذي علينا أن نعيه هو أن الرئيس الكندي لا يهنئ المسلمين لعظمتهم وتميزهم عن باقي الخلق ولا لانبهاره بهم ولا لأنه يعتبرهم مركز الكون أو مركز بلده؛ بل أنه يهنئ كل مكونات الشعب الكندي خلال مناسباتهم المهمة على مدار السنة، في احترام لتعدد هويات مكونات شعبه؛ وهذا في حد ذاته أمر رائع.
المشكل، للأسف، أن إحساسنا المخطئ بمركزيتنا في الكون يجعل الكثيرين يعيشون وهم الصدارة ويعتبرون هذه التهنئة "مكسبا" أو "إنجازا" أو دليل تفرد وتميز.
بهذا الوهم، للأسف، تتغذى أساسا نظرية المؤامرة ونظرية الغرب الذي يتآمر ضدنا لكي يدمرنا.. رغم أن بعض العقل والمنطق يمكنه أن يجعلنا نتساءل: لماذا سيحسدنا الغرب ويرغب في تدميرنا؟ لمستويات تعليمنا المرتفعة؟ لقيم المواطنة التي نتحلى بها؟ لازدهارنا العلمي والصناعي؟ لبنياتنا التحتية المتطورة؟ لماذا لا يتآمر هذا الغرب نفسه على سنغافورة وأندونيسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية؟ لماذا تجاوز اليابانيون مأساة هيروشيما وبنوا بلدهم وبقينا نحن معلقين بوهم المؤامرة الغربية التي تود تدميرنا؟
الآن، لنعد قليلا لموضوع التهنئة بمناسبة رمضان.. ولنتأمل قليلا وجهنا في المرآة: أنت إذا ما بادرت وهنأت المسيحين بعيد ميلاد المسيح أو أظهرت بعض علامات الفرح في هذه المناسبة، فستنهال عليك، على الأرجح، فتاوى وتعليقات التكفير والإخراج من الملة لأن "العيد عيدهم".
إذا قلت لزميلك الأميركي أو الألماني أو الإسباني: هابي كريسماس \ فيليس نافيداد، فقد ينتفض زميلك المسلم ليسألك لماذا هنأته بينما هذا عيد للكفار... بل حتى احتفالنا برأس السنة، الذي هو احتفال بنهاية عام وبداية عام جديد، حسب تقويم نتعامل به جميعا، سيجعل البعض ينتفض ضدك لأنك تحتفل بعيد الكفار (علما أننا نتعامل في تفاصيل حياتنا اليومية بهذا التقويم نفسه، إذ لا نزور عيادة الطبيب يوم 6 جمادى الأولى ولا نحدد موعدا مهنيا في الخامس من رجب)!
ألسنا هنا فعليا أمام وهم المركزية الذي يجعلنا "نفتخر" بتهنئة رئيس الوزراء الكندي للمسلمين، ونرفض تهنئة بعضنا لزملائهم وأصدقائهم بأعياد ومناسبات ثقافات وديانات أخرى؟ تماما كما اعتبر البعض، منذ بضع سنوات، وبعد الحادث الإرهابي المؤسف في نيوزيلاندا، بأن زيارة رئيسة الوزراء النيوزيلاندية للمسجد حينها هو "انتصار" للمسلمين، قبل أن يشعروا بالإحباط حين رأوا صورها في مهرجانات المثليين. لم يفهموا أنها لم تتضامن مع المسلمين بقدر ما تضامنت ضد الظلم والإرهاب أيا كانت الضحية وأيا كان الإرهابي... وأنها بزيارتها للمسجد وحضورها لمهرجان مثليي بلدها، تعبر عن ثقافة التسامح والتعدد التي تؤمن بها.
وتماما كما طبل الكثيرون منذ بضع سنوات بعد انتخاب عمدة مسلم في لندن، رغم أنه نجح في الانتخابات، ليس لكونه مسلما، بل بفضل الديمقراطية الإنجليزية التي تسمح للمهاجرين ولأبناء المهاجرين بأن يشاركوا وينجحوا في الانتخابات؛ بينما لا تتوفر نفس الحظوظ للمهاجرين في المغرب أو تونس أو السعودية أو مصر أو الكويت... بل الفاجعة أن نفس هؤلاء الفرحين بنجاح "مسلم" في انتخابات عمودية لندن، تراجعوا عن تطبيلهم عندما اكتشفوا كونه شيعيا، رغم أن قناعاته الدينية لا يفترض أن تهمنا بقدر ما يفترض أن نتابع مساره السياسي.
هكذا نحن للأسف: نقصي الآخر المختلف حتى داخل هويتنا المشتركة: شيعي\سني، رجل\امرأة، مواطن\مهاجر... فما أدراك بذاك الشديد الاختلاف؟
وفي نفس الوقت، نطالب الآخرين باحترام اختلافنا وتهنئتنا في مناسباتنا. فماذا نسمي هذا في علم النفس؟
كل رمضان ونحن بخير... كل رمضان ونحن أكثر انفتاحا على الاختلاف والتعدد الديني والعرقي والعقائدي والجنسي والثقافي والفكري!