الحفل أقيم على تلّة وزير أكبر خان في شمال العاصمة
طالبان حظرت سفر النساء بلا محرم وأغلقت مدارس الفتيات

إدمان حركة طالبان والجماعات الإسلامية المشابهة على القوانين والقيود والأوامر الدينية المتشددة وخاصة تلك الموجهة ضد النساء والمختلفين في الدين يجعلها غير قادرة على مقاومة أي إغراء في هذا الجانب مهما كان ضعيفا.

فقبل أيام أصدرت الحركة أحدث قيودها وهي تعليمات لشركات الطيران العاملة في أفغانستان تطلب منها حظر سفر النساء بدون محرم على رحلاتها. 

وهو أمر يذكرنا بتعميم كان قد أصدره "المجلس الأعلى للقضاء الشرعي" (المجلس) في قطاع غزة، وهو هيئة تديرها سلطات "حماس"، في 14 فبراير/شباط 2021 يسمح لأولياء الأمر الذكور بتقييد سفر النساء غير المتزوجات.
قبل ذلك بأيام أيضا أمرت حركة طالبان بإغلاق المدارس الثانوية للفتيات في أفغانستان، (23 مارس/آذار) إلى أجل غير مسمى وذلك بعد ساعات من إعادة فتحها.

ولم تقدم وزارة التعليم أي تفسير واضح لقرار الإغلاق. لكن مصدرا في طالبان أفاد لوكالة الأنباء الفرنسية أن القرار جاء بعد اجتماع عقده مسؤولون كبار من طالبان في مدينة قندهار بجنوب البلاد مركز القوة الفعلي للحركة ومعقلها المحافظ.

وقد تسبب هذا القرار في صدمة كبيرة لأهالي الطالبات الأفغانيات وكذلك لدى المجتمع الدولي، كما أحرج القطريين الداعمين الرئيسيين لحركة طالبان وأبرز حلفائها والذين سعوا إلى الترويج بأن الحركة قد تغيرت وأصبحت معتدلة!
إذ لم يستطع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني سوى القول بأن قرار طالبان بمنع الفتيات من دخول المدارس جاء بمثابة "صدمة" وحثهم على إعادة النظر فيه.

والواقع أن سجل حركة طالبان منذ وصولها إلى السلطة في كابل في أغسطس الماضي يكشف أنه ورغم المحاولات الكبيرة التي بذلت لتبييض صفحتها ومن قبل عدة أطراف، إلا أنها لم تتغير في حقيقة الأمر. 

فقد تصرفت بنفس الطريقة التي يعرفها المجتمع الدولي عنها، حيث أعادت تطبيق ترسانة القيود والأوامر والإجراءات الدينية التي كانت قد فرضتها خلال حكمها السابق، وخاصة تلك المتعلقة بعمل النساء ودراستهن وطريقة لبسهن وتنظيم وجودهن خارج المنزل.. الخ. إضافة بالطبع إلى القيود الأخرى المفروضة على المجتمع بأكمله.

لذلك فإن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يطرح هنا هو هل يمكن لحركة مثل طالبان أن تتغير فعلا، وماذا يتبقى منها إن هي تخلت عن فرضها لقوانين الشريعة الإسلامية والإجراءات المقيدة للحقوق والحريات؟
الإجابة كما اتضح حتى الآن على الأقل هي أنه من الصعب بالفعل حدوث مثل هذا التغير، لأنه إن حدث ذلك لا تعود حركة طالبان هي نفسها.

ولأنه ليس لديها مشاريع أو برامج تنموية عصرية فإنها بحاجة إلى هذه النزعة الدينية التشددية كي تحكم سيطرتها على المجتمع الأفغاني من جهة وكي تظل محتفظة بالقدر المطلوب من المشروعية في نظر الجماعات والدول الإسلامية الأخرى التي لا تخفي إعجابها وارتياحها من نموذج طالبان رغم ما يبدو عليه الحال أحيانا من حرج من تصرفات الحركة وأحيانا أخرى من اختلاف نسبي في التفسير والتأويل.

ولذلك فإن الاستراتيجية التي يبدو أن طالبان تنتهجها حاليا في وجه الضغوط الدولية والعزلة التي تعيشها هي المماطلة والتسويف وإعطاء الانطباع بوجود تغيير لكن من دون تغيير حقيقي، وهي استراتيجية لا تتناقض مع المنطلقات الدينية التي تتبعها.   

لكن هذا النهج غير قادر أيضا على خداع المجتمع الدولي، ولذلك فإن الإجماع على عزل الحركة ونبذها ورفض إقامة أية علاقات دبلوماسية معها لم يضعف، بل هو يتعزز كل يوم.        

والواقع أن سياسة النبذ والعزل والتجاهل قد تكون هي المخرج المناسب في مثل هذه الحالة، إذ ليس هناك فائدة أو معنى من التدخل النشط، ومن الجهة الأخرى فإنه يستحيل على أية حكومة في العالم المتحضر تحترم نفسها أن تقيم علاقات مع حركة أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها ظلامية ومعادية للقيم الإنسانية.  

هل هناك إمكانية أن ينشأ صراع داخل طالبان بين تيار يدعو إلى التغيير وآخر يدعو للمحافظة على المبادئ الحالية؟
ربما يكون مثل هذا السيناريو ممكنا خاصة أن قرار إغلاق المدارس الثانوية للبنات كشف عن وجود حالة من الإرباك داخل صفوف الحركة وربما خلافا في الرأي أيضا. فالقرار يبدو أنه فاجأ حتى وزارة التربية والتعليم نفسها والتي كانت

قبل يوم فقط من بدء الدراسة قد بثت شريطاً مصوراً تهنئ فيه جميع الطلاب بالعودة إلى مقاعد الدراسة. 
لكن يصعب بالطبع التعويل على انقسام كهذا. كما يصعب التعويل على وجود تيار معتدل حقيقي في صفوف طالبان، وحتى في حالة وجوده فإن الغلبة حتى الآن كما يبدو هي للمتشددين ولا توجد مؤشرات على أن الحركة في طريقها إلى التعافي من الإدمان على التشدد الديني.  

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.