فجأة بعد الجريمة الأوكرانية استفاق الغرب على الجريمة السورية، ولكن هل هي صحوة ضمير أم انتهازية سياسية؟ واللافت غياب ممثلي المعارضة السورية عن المشهد، ولم يتحرك أي طرف منهم لاستغلال استفاقة الدول الغربية أو انتهازيتها للربط ما بين الجريمتين. ففي اللحظة التي قارن بعض المسؤولين الغربيين ما يحدث في أوكرانيا مع الذي حدث في سوريا، انقسم المشهد العربي ما بين الموقف من واشنطن سياسيا واجتماعيا، وما بين الحنين إلى روسيا السوفياتية، وما بينهما خيبة أمل عربية شعبية وسياسية من الولايات المتحدة في فلسطين وسوريا وصولا إلى إيران.
لا يستطيع صُناع الرأي العام الغربي ولا حتى صُناع القرار أن يستغلوا المأساة السورية ليقارنوا بين ما تعرضت له مدينة ماريوبول الأوكرانية مع ما حدث في مدينة حلب وأغلب المدن السورية من بوابة إدانة موسكو فقط، خصوصا أن الفاجعة السورية جرت على مرأى ومسمع الجميع، بعدما غضت أطراف غربية الطرف عما فعلته آلة الحرب الروسية بالشعب السوري، ولكن هذا لا يبرر أيضا التغاضي عن الأفعال الروسية في أوكرانيا، فلو وقف الغرب وخصوصا مثقفوه اليمنيون واليساريون بوجه بوتين في سوريا، ولو لم يتحجج قادتهم بالواقعية السياسية وذريعة التطرف في سوريا لما تجرأ فلاديمير بوتين على فعلته في أوكرانيا.
من حق المواطن العربي وخصوصا السوري والفلسطيني أن يسأل عواصم القرار الغربي عن مستقبل سوريا في ظل محاولات إعادة تعويم نظام الأسد وعن مستقبل ما تبقى من عملية السلام في فلسطين في ظل التعنت الإسرائيلي، ومن حق العرب دولا وشعوبا أن يسألوا واشنطن عن موقفها من قضايا أمنهم الاستراتيجي في ظل سنوات من التصعيد الإيراني ضد مصالحهم الحيوية، يقابله تخلي واشنطن الدفاع عن أصدقائها التاريخيين في المنطقة.
في المقابل إذا كانت الإدراة الأميركية وبعض العواصم الغربية تدير ظهرها للقضايا العربية المحقة، لا يمكن الرهان على موسكو في خلق توازن شبيه بتوازنات الحرب الباردة، فالرهان على استعادة موسكو لدورها العالمي أي العودة إلى توازن القطبين أمام هذا الفارق المهول في موازين القوة العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة مستحيل، فما يمكن تسميته بالصحوة الروسية في العقدين الأخيرين، أثّرت تكتيكيا وليس استراتيجيا في مسار أحداث الشرق الأوسط، فموسكو تدخلت في كثير من الملفات، فرضت إرادتها ولكن عجزت عن فرض الحل، وهذا ما يؤكد انه سُمح لها فقط ملء فراغ مؤقت، قد يكون سببه رغبة واشنطن بعدم التدخل المباشر وإعادة تشكيل علاقتها بالمنطقة وفقا لرؤية مختلفة عن عقود من الثوابت الإستراتيجية الأميركية، عبّرت عنها إدارة باراك أوباما التي تحت ذريعة الانكفاء سمحت لروسيا العودة إلى المياه الدافئة، وأمنت غطاء للنفوذ الإيراني في المنطقة من سوريا إلى اليمن مرورا بالعراق ولبنان.
ولكن إذا كان الموقف من واشنطن منطقيا وطبيعيا، حيث لا يحق لها ان تطالب الدول العربية المنتجة للطاقة بتغطية النقص في الاسواق أو تعويمها حتى تحد من إرتفاع أسعار الطاقة، بينما لم تحرك ساكنا عندما تعرضت منشآت هذه الدول إلى اعتداءات إيرانية، أو شددت في مفاوضات فيينا على حماية مصالح الأمن القومي العربي خصوصا الخليجي، وعدم الاكتفاء بالبحث في الملف النووي الإيراني فقط ورفع العقوبات.
ليس طبيعا أبدا ان تضغط بعض الدول العربية من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية بالتوافق مع موسكو التي لم تنفذ أي وعد من وعودها في وضع حد للنفوذ الإيراني فيها، بل المرجح بعد رفع العقوبات عن إيران وفرض عقوبات ضخمة على روسيا ان يزداد النفوذ الإيراني في دمشق على حساب الروسي، وتكون عودة النظام إلى الجامعة العربية أشبه باستعادة طهران لكرسيها في هذه الجامعة، فلا إيران تغيرت ولا الأسد يتغير.