قبر جماعي - بوتشا - أوكرانيا - الحرب على أوكرانيا
"قباحة جرائم حرب بوتين يمكن رؤيتها من الفضاء"

لم يستغرق نظام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الكثير قبل أن تنهمك قواته في ارتكاب مجازر أودت بحياة عشرات آلاف الأوكرانيين من غير المنخرطين في الأعمال القتالية لمواجهة اجتياح روسيا لبلادهم.

قباحة جرائم حرب بوتين يمكن رؤيتها من الفضاء، إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية قبرا جماعيا يبلغ طوله 15 مترا في باحة كنيسة في بلدة بوتشا، فيما قالت الاستخبارات الألمانية أنها تنصتت على حوارات بين مسؤولين وضباط روس تثبت تورطهم في تنفيذ عمليات قتل عشوائية على نطاق واسع. 

إجرام بوتين لا يختلف البتة عمّا قام به حليفه السوري، بشار الأسد، الذي وثّقت الجمعيات الدولية مجازره في السجون بشكل دفع الكونغرس الأميركي إلى إقرار "قانون قيصر" لفرض عقوبات قاسية وشاملة على الدولة السورية.

وفي عام 2019، قامت مؤسسة "ماكسار" نفسها التي كشفت القبر الجماعي في أوكرانيا، باستخدام صور أقمار اصطناعية للكشف عن قبور جماعية في بلدة قطيفة، شمالي دمشق. وبلغت مساحة القبور الجماعية السورية قرابة نصف كلم مربّع.

وفي أكتوبر 2017، أصدر مجلس الأمن بيانا أورد فيه أن فريقا من الأمم المتحدة قام بتحقيقات وأنه "متيقن أن الجمهورية العربية السورية هي المسؤولة عن إطلاق غاز السارين في خان شيخون يوم 4 نيسان أبريل 2017". 

وفي آذار مارس الماضي، ثبّتت محكمة دولية تابعة للأمم المتحدة إدانة القياديين في "حزب الله" اللبناني، حسن مرعي وحسين عنيسي، بتهمة التورط في عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان، رفيق الحريري في العام 2005. وسبق للمحكمة أن أدانت زميلهما القيادي في الحزب، سليم عيّاش.

أما نظام إيراني، فمآثره في القتل الجماعي شائعة، ودور رئيس إيران، إبراهيم رئيسي، في مجاز سجون 1988 معروف للعالم، كذلك دور الحرس الثوري وقادته في القمع الوحشي لانتفاضة 2019، والتي راح ضحيتها 2000 إيراني في غضون أسبوع.

محاكم تابعة للأمم المتحدة وتقارير موثقة صادرة عن المنظمة، وصور أقمار اصطناعية، وتسجيلات تنصت على المسؤولين الروس، كل هذه تثبت أن أنظمة بوتين والأسد وإيران و"حزب الله" اللبناني ترتكب جرائم بشكل دوري ومتواصل.

مع ذلك، من العبثي الانخراط في حوار مع أنصار بوتين أو الأسد أو إيران أو ”حزب الله“ لإثبات جرائم من يناصرونهم, إذ أن الأنصار يكتفون بتقارير الماكينات الدعائية الروسية والسورية والإيرانية، وهي دعاية تقلب الأسود أبيض والعكس.

وتقدم تلك الماكينات تبريرات ضعيفة ومستحيلة، تتصدرها الفكرة القائلة إن الضحية ترتكب المجازر بحق نفسها لتوريط روسيا أو الأسد أو ”حزب الله“، وهو ما يطرح السؤال: إن كان الضحايا قادرين على استخدام أسلحة كيماوية، كما يزعم الأسد، فلماذا رموها على أنفسهم بدلا من رميها على الأسد للتغلب عليه؟ أو في حالة لبنان، لماذا تنهمك إسرائيل في تصفية كل معارضي "حزب الله" بدلا من تصفية قادة الحزب ذاته؟

في نفس الوقت، يتمسك أنصار الطغاة، ومعهم جزء كبير من معادي الإمبريالية الغربيين، بدعاية بوتين والأسد وإيران و"حزب الله" الذين يحاولون تشتيت الأنظار عن جرائمهم باتهام الحكومات الديمقراطية بارتكاب مجازر.

ويشيرون إلى حربي أميركا في أفغانستان والعراق، وفضيحة سجن أبو غريب، وإلى صراع إسرائيل مع الفلسطينيين وحروبها ضد حماس في غزة، ليستنتجوا أن من يرتكب جرائم ضد الإنسانية هم الولايات المتحدة وإسرائيل، لا أنظمة معاداة الإمبريالية التي تزعم أنها تنتصر لضحايا الغرب والرجل الأبيض.

على أننا لو صدّقنا أن أميركا أو إسرائيل ارتكبتا مجازر أو جرائم حرب، أين هي المقابر الجماعية الأميركية في أفغانستان أو العراق (هناك مقابر جماعية ناجمة عن بطش طاغية العراق الراحل صدام حسين)؟

أين هو القبر الجماعي للفلسطينيين في غزة؟ على سبيل المثال، أدت حرب غزة الأخيرة إلى مقتل 13 إسرائيليا و192 فلسطينيا، ولا يمكن التمييز بين المقاتلين والمدنيين في القطاع لأن حماس ليست جيشا ومقاتليها ليسوا عسكرا، خصوصا أنه سبق للأمم المتحدة أن أثبتت أن حماس تقوم بإخفاء منصات إطلاق صواريخها خلف مدارس المنظمة الأممية وبين الأحياء السكنية والمستشفيات.

مع ذلك، يقوم المطالبون بمحاسبة ما يسمونها "جرائم إسرائيل ضد الإنسانية" بتظاهرات يرفعون فيها صور بوتين وصدام والأسد وقادة "حزب الله"، في وقت يعيبون على أميركا رفضها الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ولا يعيبون ذلك على بوتين أو على إيران.

الحروب هي بطبيعتها حفلات قتل، لكن النظام العالمي قام بتنظيم الحروب بإقرار مواثيق تسعى لتحييد المدنيين وغير المنخرطين في الحرب.

الدول الديمقراطية تسعى لاحترام هذه المواثيق ما أمكن، يجبرها على ذلك برلمانات منتخبة وصحافة حرة، مثل التي أجبرت الولايات المتحدة على سجن 10 من الجيش الأميركي بسبب ممارساتهم البشعة في سجن أبو غريب العراقي.

ثم أن حكومة الولايات المتحدة هي واحدة من أكثر حكومات العالم التي تعرضت لإفشاء أسرارها، خصوصا عبر العمليات التي أدارتها استخبارات بوتين عن طريق جوليان أسانج وإدوارد سنودن.

في كل المراسلات السرية للحكومة الأميركية، يندر أن نعثر على حوار بين المسؤولين الأميركيين فيه طلب تصفية فلان أو قمع مجموعة معارضة للولايات المتحدة أو تنفيذ عملية تخريب. يا ترى لو كانت الوثائق الحكومية المسربة تعود لروسيا، كم كان عدد عمليات الاغتيال التي تباحث بها قادة موسكو؟ 

حان الوقت للتخلي عن الهلوسة التي تساوي الديمقراطيات، مثل الولايات المتحدة والكتلة الغربية وإسرائيل، مع حكومات الطغيان، مثل بوتين الروسي والأسد السوري ونظام إيران و"حزب الله" اللبناني.

الحكومات الديمقراطية خاضعة لأنواع متعددة من المحاسبة، وهي ترتكب أخطاء، لكنها لا تقوم باغتيالات سرية، ولا بمجازر مقصودة وقبور جماعية. أما بوتين والأسد وإيران و"حزب الله" اللبناني، فجرائمهم متواصلة ضد الإنسانية، ومع ذلك، لا يبدو العالم مهووسا بإدانة الطغاة بنفس الدرجة التي يهتم فيها بتحميل الديمقراطيات خطايا أكثر بكثير مما ارتكبت في عموم تاريخها.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.