أرامكو السعودية تعد الشركة الأكثر ربحية في العالم
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

أتابع بشغف واهتمام الجزء الثالث من المسلسل السعودي "العاصوف"، وقد تابعت جزئيه السابقين بذات مستوى الإعجاب بالقصة والتمثيل والمحتوى الذكي المقسم على ٣٠ كبسولة متفجرة في كل جزء.

العاصوف، هو الاشتقاق المحلي السعودي للعاصفة، وهي هنا كناية عن الريح الشديدة التي تقتلع كل شيء، فما الذي يريد عنوان المسلسل السعودي أن يقوله؟ وما الذي يتم اقتلاعه؟ ومن أين جاءت تلك الريح الشديدة؟

في الجزء الثاني، حيث الذروة المفصلية في السياق التاريخي للمسلسل، والذي عالج دراميا أكبر قصة شهدتها الدولة السعودية في تاريخها و"عصفت" بها منذ لك الحين وأقصد حادثة "جهيمان العتيبي" الذي احتل الكعبة معلنا ظهور المهدي، ومن بعد قطع رأسه بعد أسبوعين من المواجهات الدامية تطاول رأس السلفية الإسلامية المتطرفة وقد اختار حكام السعودية حينها أن يعيدوا إنتاج التحالف الجهنمي في الدولة السعودية الأولى بين المؤسس محمد بن سعود والشيخ الأصولي محمد عبدالوهاب، فكانت السلطة السياسية لآل سعود واكتفى "آل الشيخ" بالسلطة الدينية بمنهجيتها السلفية المتشددة.

في جزئي المسلسل الأول والثاني، كانت رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا تزال تزحف ببطء لا يتجاوز الداخل السعودي، لكن في الجزء الثالث الذي تبثه الآن قناة MBC وهي الذراع الإعلامي الأبرز والأكثر انتشارا للمملكة السعودية فإن الرؤية "البن سلمانية" - بكل مداها الإقليمي الواسع- باتت واضحة، وكانت مصادفة مثيرة ولافتة أن يسبق الموسم الرمضاني بقليل، تلك المقابلة الأكثر إثارة لولي العهد السعودي مع مجلة أتلانتيك، والتي يبدو أنها تخصصت بالتفجيرات الإعلامية المنشورة.

أحد معايير نجاح المسلسل عندي أنه استطاع أن يحركني لمزيد من المراجعات والقراءات لفهم المملكة السعودية "الجديدة"، والتي أرى في صياغاتها الجديدة "دولة رابعة"، تنكفيء "بل وتنقلب" على مرحلة الغيبوبة التي أعقبت حادثة جهيمان في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وسيطرت قوى الإسلام السياسي الأكثر تطرفا على كل مناحي الحياة فيها، بكل التفاصيل التي خلقت هيمنة لنخبة ترى في "ابن تيمية" مجددا في الدين، وتعاليم محمد ابن عبدالوهاب دستورا لدولة في القرن العشرين. 

تزامنت تلك التي تم تسميتها "الصحوة الدينية" مع الثورة الخمينية في إيران، تلك الثورة التي لا أجد أدق من عبارة الراحل الكبير محمد حسنين هيكل في وصف الخميني نفسه حين يقول إنه رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين.

عبارة هيكل تنسحب بدقة مماثلة على قذائف "منجنيقية" في السعودية انطلقت من ذات القرن السابع لتستقر في الدولة الغنية بالنفط وفي القرن العشرين لتعيد إحياء "أصول الدين" ضمن رؤية عصبوية إقصائية متطرفة، وفي حقبة الحرب الباردة التي كانت أفغانستان أحد ميادينها لتتحول الدولة الآسيوية المنهكة والمثقلة بالحروب، إلى ماكينة تفريخ للجهاديين، الإنتاج الأكثر عصرية وفتكا من سلالة عبدالرحمن بن ملجم، وهذا الأخير هو قاتل علي بن أبي طالب، وقد نقع خنجره بالسم وطعن ابن عم النبي ورابع الخلفاء الراشدين وهو يهتف بالحاكمية لله.

مرحلة جهيمان، عالجها بتشريح دقيق "وبمنهجية استشراقية" كتاب ( حتى لا يعود جهيمان) وهو كتاب بنسخته الإنجليزية يتضمن بحثين لكل من الباحث النرويجي تومـاس هيغهامـر والباحث الفرنسي ستيفـان لاكروا، وكان بحث لاكروا الأكثر تشريحا ضمن سياق علم الاجتماع السياسي، لكن في نسخته العربية كان واضحا الجهد الاستثنائي "والاجتهاد الشخصي" للمترجم حمد العيسى والذي قام بإضافة سبعة ملاحق وثائقية نادرة عن حادثة الحرم المكي عام 1979.

الكتاب نفسه أحالني إلى قراءة من جديد لكتاب (أيام مع جهيمان) وهو شبه سيرة ذاتية للسعودي ناصر الخزيمي الذي كان من رواد حركة الصحوة السلفية وقريبا من جهيمان وابتعد عنه في الوقت المناسب، ويروي فيه سيرة تلك الحركة المتطرفة لكن بقيت لغته "السلفية" واضحة.

فعليا فإن حادثة جهيمان عام 1979، أرعبت الدولة السعودية وحكامها، وقد ييكون مستغربا أن نعرف اليوم أن ما قبل تلك الحادثة وفي عهد الملك فيصل تحديدا كان هناك عملية تبني لتحديث مؤسسات الدولة وعصرنتها بالتدريج، وأمام مقاومة سلفية ثقيلة لم يكن سهلا التخلص منها آنذاك بسهولة، لتأتي حادثة جهيمان ورفاقه بكل أدبياتها التي استندت على فكر ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب لتعرقل، بالفعل، مسار المملكة التدريجي نحو "الدولة المدنية" بكامل حضورها المؤسساتي الحديث حتى مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز و"عاصوف" ولي عهده الذي بدأ "عهده كولي" بسلسلة درامية من السياسات والأحداث كانت كلها مفاجآت تلو مفاجآت مثيرة لشهية وسائل الإعلام التي لم تعتد من المملكة الهادئة والعميقة "عواصف رملية" تغير المشهد كله. 
--
ليس سهلا أن أكتب مدافعا عن الرؤية الإصلاحية التي يقودها فعليا محمد بن سلمان، والرجل مثير للجدل حيثما حل وارتحل وتحدث.( حتى في إعادة صياغة التحالف التاريخي مع رجل كان مغمورا طوال عمره مثل تركي "آل الشيخ" ليسلمه ملف الترفيه تحديدا وهو الملف الأكثر إثارة في كل الإصلاح الاجتماعي الجديد)

لكن قراءتي لمقابلته "المثيرة فعلا" في الأتلانتيك كانت حافزا لي لقراءته بعمق أكثر، وعلى صعوبة فهم هذا الشاب الذي يتحدث بهدوء وثقة شديدين في ردوده على الصحفي الأميركي، إلا أن ما أسمعه وأقرأه وأشاهده من معارف وثقات سعوديين أو يعيشون في السعودية يضعني أمام محاولة إنصاف صعبة وشاقة، لشخص تم اتهامه عالميا بمسؤولية ما عن جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي ( وعلينا - في سياق الإنصاف ذاته-  ان نبحث في التاريخ السياسي للمرحوم خاشقجي أيضا لنفهم موقفه من الثورة التصحيحية في السعودية).

وفي المحصلة، فإن العاصوف، ليس وثيقة تاريخية ولا كتاب دسم في الإنسانيات، لكنه عمل درامي شجاع وجريء، ويطرح - على علمي لأول مرة- في خلفية درامية مشوقة ولطيفة تحولات السعودية، ويجعلني أستزيد في القراءات والمشاهدات واللقاءات لسلسلة مقالات قريبا، أحاول فيها البحث عن مفاتيح فهم الدولة الرابعة في المملكة العربية السعودية، بكل ما لها وما عليها بقدر ما يتيسر لي من مفاتيح ذلك الفهم الضروري في زمن التحولات الإقليمية والعالمية بالغة الإدهاش.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.