قامت عدة نساء بقص خصل من شعرهن
قص الشعر أسلوب رمزي للاحتجاج على قمع النساء في إيران

حراك الإيرانيات هو حراك ثوري بكل ما للكلمة من معنى، فهو حراك ذو أبعاد تتعدى حدود الدولة الإيرانية بنظامها الديني القمعي لتصل إلى كل نظام ديني قمعي لا يعرف كيف يكتب انحيازاته وتطرفاته الأيديولوجية والحياتية والسياسية والاقتصادية سوى على أجساد النساء.

كل الأنظمة السياسية الدينية قمعية بلا استثناء، وكل نظام سياسي يقود بأيديولوجية دينية وكل عقيدة تستند على الفرض والتقنين السياسي لا بد أن يكون نتاجها تكوين مشوه قمعي متحيز.

فما أن تستند السياسة على الدين، ويستكين الدين للسياسة حتى تتشكل القنبلة الحارقة الموقوتة والتي أول ما تنفجر، تنفجر على وجوه وحيوات الأقليات، و"أقلها" النساء.

حراك النساء الإيرانيات يسائل المفاهيم الدينية التقليدية التي تقرأ النساء كأجساد، كأدوات متعة، كمصادر اختبارات دنيوية وكدوافع لزلل سلوكي ومنابع للخطيئة والآثام.

ترفع النساء الإيرانيات شعارات وتطلق صيحات وتأتي سلوكيات رمزية كلها تنظر بعمق في ماهية الشَّعر، في معناه المجتمعي، وفي قيمته التي يبدو أنها تتعدى، من حيث كونه رمزاً للشرف والعفة والأنوثة والإغراء كلها معاً في ذات الوقت، قيمة حيوات النساء.

من أجل هذه الثورة، تقص النساء الإيرانيات خصلاً من شعورهن علناً وبأياديهن، وتسجلن فيديوهات تعمل فيها المقصات بغضب وحدة قطعاً في هذه الخصل السوداء والشقراء والصهباء، لتضحي إعلاناً صارخاً مفوهاً ثائراً على معنى وتبعات هذه الفتائل البروتينية الرفيعة التي تقبع فوق رؤوس النساء كمجرد حالة بيولوجية ليحولها رجال الدين والسياسة إلى رمز للشهوة والجنس وبالتالي إلى أيديولوجية شرف، أيديولوجية تحتاج لترتيب وتقنين، أيديولوجية تبرر وتؤكد وتدفع بتلك الرغبة المريضة في النفوس والتي لا يدفع ثمنها غير النساء.

ثورة النساء الإيرانيات هي ثورة خطيرة، شائكة، عالمية، ثورة تخص كل نساء الدنيا، المحجبات وغير المحجبات، المسلمات وغير المسلمات، ثورة تسائل التفسيرات الدينية، كل التفسيرات لكل الأديان، حول هذا الفهم المريض الشهواني لبيولوجية المرأة، فَهْمٌ تصنعه الرغبات البدائية والشوفينيات الغابرة وموازنات القوى والمصالح الفاعلة في كل زمان ومكان.

هي ثورة تسائل الدين، كل دين تنخله السياسة ليمر عبر فتحاتها، وكل سياسة تتلفع بقماط الدين لتضفي قدسية وهالة على أصحابها، فيرتفع هؤلاء الساسة لمصاف القديسين ويرتفع أولئك المشايخ لمصاف الحكام، فيتآمرون على المجتمع محكمين قبضتهم على "زمارة رقبته" والتي تتمثل في رقاب النساء ورؤوسهن وشعورهن.

لو أن هذا النظام الديني تطيح به خصلات شعور النساء المقصوصة قهراً وكمداً ونفاد صبر، لو أن هؤلاء الجالسين أعلى حتى من كرسي العرش يسقطون كما سقطت الأغطية وتتقصقص أجنحتهم كما تقصقصت الخصل الطويلة والقصيرة من على رؤوس النساء، لأصبح هذا النصر هو الأعظم، هو الأكثر إلهاماً.

أعظم الثورات وأكثرها تأثيراً هي تلك التي قامت على أيادي أصحاب أعظم المظالم وأكثرهم معاناة، وسيكون انتصار المرأة الإيرانية انتصاراً عظيماً وهائلاً لكل نساء الدنيا، إشارة إلى تحرير إحدى أكثر مجموعاتهن معاناة وتعرضاً للقمع.

إذا ما تحررت نساء إيران، ونساء أفغانستان، ونساء دول الخليج، ونساء الشرق الأوسط، وكل نساء الدنيا، فعندها تتحرر البشرية، وعندها تنتهي البدائية وننتقل إلى عصر إنساني جديد.

في لحظتها، لحظة الانعتاق النسائي والتحرر الأنثوي والجندري هذه، ستتحرر من تختار أن ترتدي الحجاب ومن تختار ألا ترتديه، ستكتمل إنسانية كل امرأة منا بصرف النظر عما تبديه من جسدها أو ما تخفيه، ذلك أننا جميعاً سنكون ذوات إرادة حرة، وسوف تصبح قراراتنا نابعة من إرادتنا.

ربما تكون حرية الإرادة البشرية عموماً ضرباً من الخيال، لكن مجازاً، سنكون نساءً أحرار في المجتمع، وسنختار كيف نعيش وبأي صورة، لا يهددنا شيخ ولا يرسل "الملا" شرطته "الذكورية" لتلاحقنا.

لن نرزخ تحت قراءة دينية تدين وجودنا البيولوجي ولا نحمل على أكتافنا فهماً مجتمعياً غابراً يحمّلنا آثام ذكوره، بل سنكون مقدَّرات كمواطنات مكتملة أهليتنا، حيث لا قانون يبرر قتلنا بحجة الشرف ولا يد نجسة تمتد إلى أجسادنا بحجة حمايتنا أو بعذر صون أخلاق المجتمع من وجودنا.

لن تصبح أجسادنا تهديداً ولا شعرنا إثماً ولا صوتنا عورة، لن تمسي صوت كعوب أحذيتنا مصدر شهوة في نفوس المرضى، وإذ حدث ذلك فعندها لن نُحَاسب على أمراض غيرنا.

هكذا يجب أن تكون حياتنا، هكذا هو العدل، ولعل المرأة الإيرانية أخذت على عاتقها حالياً، مع نظيرات عربيات سابقاً، إضرام نار العدالة هذه في شرقنا الأوسط المسكين.

ولعل سنوات مهسا، الاثنتان والعشرون  ربيعا، تكون قرباناً كافياً يفتدي به هذا الشرق المنكوب نساءه المستقبليات، وعسى  الخصلات الأنثوية الرائعة الحريرية، الملفلفة، الزائغة، الملونة، المعقودة، المفرودة، المقصوصة بعنف وعشوائية وحُرقة أن تشرق تمائم  تحمينا، و تصبح سحراً أسود يودي بأعدائنا.. آمين.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.