"عرين الأسود" ترتكب ممارسات عنيفة في الضفة الغربية . أرشيفية
الانفلات الأمني سوف يجبر إسرائيل على التدخل والقيام بالمزيد من العمليات العسكرية | Source: Social Media

ظهور جماعة "عرين الأسود" مؤخرا في نابلس وحالة الانفلات الأمني التي تشهدها الضفة الغربية وتزايد الهجمات التي تنطلق منها ضد المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، كل ذلك يعني شيئا واحدا: بداية النهاية للسلطة الفلسطينية. 

قد يأخذ ذلك بعض الوقت وقد يسلك طريقا متعرجا، لكنه من الممكن أيضا أن يأخذ منحى خطيرا ومتصاعدا في حال غياب رئيس السلطة محمود عباس وبداية الصراع (أو الحرب الأهلية) على من سوف يسيطر على الضفة الغربية، كما حدث من قبل في قطاع غزة.

ويبدو واضحا أن أجهزة السلطة ولا سيما الأمنية منها آخذة في التحلل، وانخراط بعضها في التنظيمات المسلحة، أو العكس أي اختراقها من جانب أفراد تلك التنظيمات.

وأظهرت العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في نابلس للقضاء على قيادة "عرين الأسود" أنه بات من الصعب التمييز بين عناصر السلطة والمسلحين الفلسطينيين. ولا حاجة للقول بأن أي وجود ميليشياوي مسلح في أية منطقة تديرها السلطة بما في ذلك المدن الكبرى مثل رام الله ونابلس وجنين هو في حد ذاته تحد لوجودها وخروج عليه. وحقيقة أن هذا الوجود ينشط بصورة علنية وسافرة ومتزايدة يعكس إما عدم قدرة السلطة الفلسطينية أو عدم رغبتها في المواجهة. وفي الحالتين تبدوا النتيجة واحدة وهي أن زمن السلطة قد شارف على الانقضاء. 

الانفلات الأمني سوف يجبر إسرائيل على التدخل والقيام بالمزيد من العمليات العسكرية بنفسها للقضاء على هذه التنظيمات، وهذا سيؤدي أيضا إلى الاصطدام بعناصر السلطة الفلسطينية، والنتيجة المزيد من إضعاف السلطة والمزيد من انهيار الوضع الأمني في المناطق الفلسطينية.

فإسرائيل من المستحيل أن تسمح بتحول الضفة الغربية الى قطاع غزة آخر، حيث التداخل السكاني والمسافات القصيرة بين المدن.

ومن المستحيل أيضا أن تسمح بأن تنمو التنظيمات المسلحة في الضفة تحت أعينها إلى الدرجة التي يصبح فيه اقتلاعها في المستقبل صعبا ومكلفا. هذا يعني أن الإسرائيليين لا يملكون ترف السماح بوجود حركة مثل حماس غزة أو الجهاد غزة في الضفة، نقطة على السطر. 

لذلك ما لم يتم احتواء الوضع الحالي، فسوف نشهد المزيد من مثل تلك العملية العسكرية التي جرت في نابلس. 

لكن هذه التطورات قد لا تقف عند هذا الحد.

إن انهيار السلطة وسيادة الفوضى الأمنية وما يستتبع ذلك من زيادة الهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، سوف يصب مباشرة في مصلحة أحزاب أقصى اليمين الاسرائيلي بما في ذلك الأحزاب الدينية، وقد يحمل بعضها إلى قمة هرم السلطة سواء من خلال الانتخابات الحالية أو أية انتخابات أخرى مستقبلية.

والنتيجة العملية التي يمكن استشفافها من هذه التطورات هي إعادة سيطرة إسرائيل على المدن الفلسطينية بعد تجريدها من السلاح والقضاء على أي وجود مسلح فيها، وبالتالي انتهاء أي حلم بإقامة كيان فلسطيني. ومع الوقت سيتم إما منح هذه المدن وضعا خاصا ضمن دولة إسرائيل أو تحولها إلى وضع شبيه بالمدن التي يسكنها عرب إسرائيل حاليا مثل مدينة الناصرة.

لكن هذا فقط أحد السيناريوهات، إذ قد تأخذ الأمور منحى آخر، حيث إن سيطرة أحزاب أقصى اليمين والأحزاب الدينية على السلطة في إسرائيل قد يحمل معه نكبة ثانية للفلسطينيين.

يبقى أن أشير إلى التصريح الذي أدلى به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الولايات المتحدة خلال قمة مؤتمر "التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا" في العاصمة الكازاخية أستانة (13 أكتوبر 2022) والذي هو تعبير عن الحال البائس واليائس الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية. فقد قال: "نحن لا نثق بأمريكا … لا نثق بها، ولا نعتمد عليها، ولا نقبل تحت أي ظرف من الظروف أن تكون أمريكا الطرف الوحيد في حل مشكلة".

ولكن إذا كان عباس لا يثق في الولايات المتحدة، فهل هذا يعني أنه أصبح يثق في روسيا مثلا أو إيران أو الصين لكي تساعده؟ هل هو يعتقد بأن هذه الدول سوف تساعده بالفعل؟ هنيئا له بذلك.

المشكلة هي أن السلطة الفلسطينية أفلست وفشلت وخسرت ثقة العالم المتحضر بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، لأنها ببساطة كانت تخادع وتكذب ولم تتخل في أي من الأيام عن الإرهاب. المناهج الفلسطينية والخطاب الديني والإعلامي كلها تنضح بالإرهاب وتشيد به وتمجد الانتحاريين.

الأوروبيون باتوا يشعرون بالحرج لتمويل السلطة الفلسطينية لأنهم يعرفون بأنها تحرض على الإرهاب.

وإدارة بايدن التي وعدت بمساعدة السلطة الفلسطينية تجد نفسها أيضا غير قادرة على المضي قدما بسبب الطبيعة المتلونة للسلطة واصطفافها مع الانتحاريين.

ويبدو أن الأوان قد فات لإصلاح هذه السلطة أو مطالبتها بما لا تستطيع تقديمه.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.