حفل الافتتاح الذي تميز باللوحات الفنية والرقصات اختلط بآية من القرآن الكريم
حفل الافتتاح الذي تميز باللوحات الفنية والرقصات اختلط بآية من القرآن الكريم

بطولة كأس العالم التي عادة ما تكون مناسبة تجمع حولها مختلف الدول والشعوب ومئات الملايين من محبي ومشجعي كرة القدم حول العالم، أصابتها عدوى إثارة الجدل التي تميز دولة قطر المستضيفة لنسختها 22.

وكما كان متوقعا تحولت المناسبة فجأة إلى نوع من الصدام والمناكفات وظهور خطوط الصدع الحضاري والسياسي حول الحريات الفردية وحول حقوق الإنسان وحول المثليين وحقوق العمالية الأجنبية.. الخ.

ولو كانت البطولة قد أقيمت في أية دولة أخرى، غير قطر، حتى لو كانت دولة عربية أو إسلامية، لربما لم يحدث شيء من هذا القبيل، ولجرت الأمور في هدوء وركز الجميع على الرياضة فحسب. 

لكن الدور الذي تلعبه قطر في تبني ودعم نسخ الإسلام الأكثر تشددا وراديكالية، واستضافتها لهذا الحشد الهائل من المنظّرين ودعاة هذه النسخ، لم يكن بريئا مما حدث.

وهكذا اختلط حفل الافتتاح الذي تميز باللوحات الفنية والرقصات والألعاب النارية بآية من القرآن الكريم، وبحديث من ممثل أميركي عن خيمة كبيرة وقبيلة واحدة لا وجود لها في قطر أو غيرها من الدول التي تتبنى تلك النسخ المتشددة، حيث توجد فقط داران، دار الإسلام ودار الكفر! 

كل ذلك مشفوع بتخصيص الدوحة مبالغ طائلة على برامج ترى في كأس العالم فرصة مناسبة لنشر "الإسلام" وتعريف الضيوف القادمين به. 

وقد أنشأت قطر لهذا الغرض مراكز واستعانت بالعديد من الدعاة، بينهم عمر عبد الكافي والداعية الهندي المثير للجدل ذاكر نايك الذي قدم إلى الدوحة، لدعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام عبر محاضرات يلقيها خلال أيام المونديال، كما أعلن عن ذلك مغردون قطريون مقربون من السلطات. 

وشاهدنا ولا نزال مقاطع فيديو لأشخاص يشهرون إسلامهم ونساء يطلب منهن تجربة ارتداء الحجاب كما لو كان مجرد موضة أو زي وليس رمزا دينيا وسياسيا بامتياز! 

وفي الخلفية يمكن ملاحظة تراجع المنظمين عن قرارهم السابق بتوفير المشروبات الكحولية للمشجعين والضغوط التي مورست لمنع المنتخبات من إبراز شارات التضامن مع مجتمع الميم، وهو الأمر الذي حظي بإشادة عارمة من الإسلاميين.

هذا فقط جانب من الجدل الدائر، وهناك كثير منه في التفاصيل اليومية سواء المتعلقة بالأشخاص أو العائلات التي قدمت إلى قطر.

وخلال الأسابيع والأشهر التي سبقت بدء البطولة، لم تهدأ الانتقادات الغربية للدوحة، وتنوعت بقدر تنوع القضايا المطروحة، كما توزعت على أكثر من عاصمة أوروبية وعلى لسان أكثر من مسؤول حكومي أو سياسي أو إعلامي أو رياضي.  

وكالمعتاد حاولت الحكومة القطرية ومعها جوقة الإسلام السياسي أن ترسخ الانطباع بأن هناك حملة غربية ضدها مدفوعة بالكراهية والعنصرية والعداء للإسلام!

ولكن من الصعب ابتلاع هذه الحجة، فليس من المعقول أن تتفق دول مثل فرنسا والدانمارك وألمانيا وبريطانيا وغيرها في قضية واحدة مثل كأس العالم وتوجيه الانتقادات لقطر وهي التي تختلف في كل قضية وكل سياسة بسبب اختلاف توجهات حكوماتها!  

وليس من المعقول ألا يحضر البطولة أي رئيس دولة أو حكومة أو مسؤول أوروبي أو غربي لمجرد أنهم يغارون أو يحسدون قطر لاستضافتها بطولة كأس العالم!

نعم هناك بعض الأوساط في الغرب التي لديها موقف سلبي من العرب والمسلمين، وهناك بعض الأوساط أيضا في الغرب التي يمكن شراؤها بالمال القطري وغير القطري، لكن حين يكون هناك ما يشبه الإجماع على قضية ما فالمؤكد أن ثمة أسبابا حقيقية تقف وراء ذلك. وأن ما يقال عن انتهاك حقوق الإنسان أو حقوق العمالية الأجنبية أو الموقف السلبي من مجتمع الميم، كلها قضايا حقيقية باعتراف المسؤولين القطريين أنفسهم، الذين طالما أصروا على أنهم يدركون ذلك وأنهم يعملون على تعديل قوانينهم وتشريعاتهم ذات الصلة. وكان يمكن للجهات المستاءة من قطر أن تثير قضايا أخرى، لكنها لم تفعل، مثل أن الحكومة القطرية تدعم الإخوان المسلمين حول العالم ودعمت ولاتزال الجماعات المتطرفة في سورية وليبيا واليمن، وتدعم حركة حماس وتقيم علاقات مع طالبان، وتوفر الملاذ الآمن للإسلاميين الفارين من بلدانهم.  

والحال أن بطولة كأس العالم كانت فرصة لقطر لتحسين سجلها في جميع هذه القضايا، لكنها لم تفعل، بل على العكس من ذلك يبدوا أنها تراهن على أن الاستثمار في الإسلام السياسي يعتبر تجارة رابحة! وللأسف ربما تكون هي مصيبة في ذلك.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.