إذا مات شخص وترك بنات فقط، فمن حق أخيه أو ابن أخيه أو عمه أو حتى ابن عمه أن يتقاسم الإرث معهن. هكذا يقول نظام الإرث بالتعصيب.
في أعين كثيرين، يعد هذا ظلما بينا للمرأة. يعتبر السلفي المغربي السابق، محمد عبد الوهاب رفيقي، أنه من الظلم أن "يأتي أي قريب من جهة الأب.. ولو كان بعيدا كعم أو ابن عم أو ابن ابن عم، فيقاسم البنت أو البنات تركة والدهن، مع أنه لم تكن له أي رابطة بهن سوى تلك القرابة النسبية".
ويتابع الباحث في الدراسات الإسلامية، في مقال بالموقع العربي لمجلة "تيل كيل"، "لم ينفق عليهن يوما ولا تحمل من أجلهن درهما، ولا شارك في تكوين تلك الثروة ولا حضر جمعها"، ومع ذلك "يكون له هذا كل هذا النصيب من التركة".
ويعرف التعصيب بأنه مقدار الإرث الذي يأخذه "العاصب" بعد استيفاء أصحاب "الفروض" حقوقهم. مثال: إذا توفي شخص وترك زوجة وابنا، فللزوجة وفق تقسيم الشريعة الإسلامية الثمن (يسمى فرضا) ويأخذ الابن باقي الإرث تعصيبا.
يقر المسلمون السنة الإرث بالتعصيب ويستدلون عليه من القرآن والسنة، فيما ينكره الشيعة عملا بقاعدة "منع الأقرب للأبعد"، أي أن البنت تحجب العم أو ابن الأخ مثلا لأنها أقرب للمتوفى.
في الدول السنية، بمختلف مذاهبها، تنص قانون المواريث (في مدونات الأحوال الشخصية غالبا) على الإرث بالتعصيب.
اجتهاد فقهي أم نص قطعي؟
آخر حلقات الجدال حول التعصيب تدورها رحاها حاليا في المغرب. قبل أسبوع قدمت باحثة مغربية معروفة استقالتها من مركز تابع لرابطة علماء المغرب، بعد أن انتقدت نظام التعصيب في الإرث.
يتعلق الأمر بأسماء المرابط، التي ينظر إليها كإحدى المؤسسات الـ"نسوية إسلامية" في المغرب. في سنة 2017، أصدرت كتابين بعنوان: "مؤمنات ونسويات: رؤية مغايرة للأديان"، و"الإسلام والمرأة: الأسئلة المقلقة".
إثر استقالتها، انتشرت عريضة وقعها أزيد من 1600 شخص بينهم أكثر من 100 باحث ومثقف تدعو إلى إلغاء "التعصيب" في الإرث.
قال الموقعون إن التعصيب فُرض في سياق تاريخي انتهت صلاحيته، أما اليوم فتحول إلى "ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام، إذ لم يعد الأعمام، أو أبناء العمومة، أو الأقارب الذكور يتحملون نفقات بنات إخوتهم أو قريباتهم حتى إن كن يعانين الحاجة والعوز".
الموقعون احتجوا أيضا بأن "هذا القانون لا يجد له أي سند في القرآن".
بالنسبة لهؤلاء، التعصيب مسألة تقديرية واجتهاد فقهي فقط، على عكس الإرث بالفرض الذي حدده النص الديني.
يوضح محمد عبد الوهاب رفيقي، وهو أحد الموقعين على العريضة، أن المطالب بإلغاء التعصيب لا تشمل أنواعه كلها في الحقيقة، وإنما "تلك التي يقع فيها ظلم بين لا يمكن الاستمرار في قبوله أو التبرير له باجتهادات قديمة تغيرت سياقاتها".
"التعصيب المراد إلغاؤه هو من يمنح أشخاصا أموالا لم يبذلوا أي جهد في تحصيلها، فلا يعقل أن ترث ابنة الشخص المتوفى جزءا فقط من ثروة أبيها، بينما يحصل أشخاص آخرون على الباقي"، تقول بشرى عبده الحقوقية والناشطة النسائية.
حكم قطعي
على الطرف الآخر، يعتبر مؤيدو التعصيب مجرد الدعوة إلى إلغائه تمردا على الشريعة. مبررهم أن "التعصيب" جزء من نظام المواريث، وهو من الأمور القطعية التي حددتها الشريعة. لا يجوز النقاش فيها أو المطالبة بتعديلها أو رفض بعضها.
الشيخ السلفي خسن الكتاني، رفيق محمد عبد الوهاب رفيقي في الزنزانة (قضيا معا ثماني سنوات على خلفية قضايا إرهاب)، اعتبر عريضة إلغاء التعصيب لا قيمة لها.
يستدل مؤيدو التعصيب بآية "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث" (النساء/11).
يقول الفقيه المغربي عبد السلام الشطبي إن تفسير الآية يشير إلى التعصيب بشكل ضمني. فهي ذكرت أن الأم ترث الثلث وسكتت عن نصيب الأب، فاعتبر المفسرون والعلماء أنه يرث الباقي.
ويستدلون أيضا بالآية 176 من سورة المائدة. تقول الآية وهي تتحدث عن نصيب الأخ: "وهو يرثها إن لم يكن لها ولد".
لم تحدد نصيب الأخ بالتدقيق مكتفية بعبارة "وهو يرثها"، لذا فسرها الفقهاء بأن الأخ يرث باقي تركة أخته تعصيبا في حالة عدم وجود ولد ذكر لها.
لكن رفيقي يرفض هذا التفسير. "الأخ يرث تركة أخته بشرط عدم وجود الولد، فإن وجد الولد فلا شيء له. والولد يشمل الذكر والأنثى خلافا للفقه الذكوري الذي حصره في الذكور دون الإناث".
ويحتج المدافعون عن التعصيب أيضا بحديث "ألحقوا بالفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر".
لكن رفيقي يرد هنا أيضا: "حتى لو قلنا بصحة الرواية وبتجردها عن السياقات، فإنها تتحدث عن الأولى، وليس عن أفراد معينين. فابن البنت اليوم أولى من العم، والخال وابن الأخت أولى من ابن العم، فلم حرموا هؤلاء جميعا مع أنهم اليوم أولى من أولئك المورثين؟".