لوحة عند مدخل مدينة تومبكتو، وسط مالي، في سنة 2013 تدعو إلى تطبيق الشريعة.
لوحة عند مدخل مدينة تومبكتو، وسط مالي، في سنة 2013 تدعو إلى تطبيق الشريعة.

"الدولة يجب أن تطبق الشريعة الإسلامية وتلزم الناس بها. هذا أمر إلهي".

هكذا رد رجل الدين والنائب البرلماني اليمني محمد الحزمي عند سؤاله إذا كان يحق للدولة إلزام الناس بالشريعة.

بالنسبة للحزمي، المسألة محسومة: الدولة المسلمة المتمكنة في الأرض تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة. "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج، 41). "هذا نص إلهي صريح"، يقول رجل الدين المنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح.

لكن، هناك من يرى رأيا آخر. بالنسبة للمفكر المصري والباحث في الفلسفة الإسلامية هاني نسيرة، ليس من حق الدولة مطلقا إلزام الناس بالشريعة.

"ليس من دور الدولة إلزام الناس بالطقوس والعبادات كالصلاة والصوم وغيرها، لأن هذا يدفعهم للنفاق والاختفاء باختياراتهم وقناعاتهم"، يشدد نسيرة في تصريح لـ(ارفع صوتك).

ويؤكد أن الدولة "حال قيامها بذلك، فهي تقوم بدور الجنة والنار، ما يعني أنها خرجت عن إطارها المؤسسي والقانوني".

ومنذ القدم، شغلت الدولة في المجتمعات الإسلامية مهمة إلزام الناس بالشريعة ومراقبة تنفيذهم لها، عبر مؤسسات مختلفة: الشرطة، الحسبة، ولاحقا هيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

"عبر التاريخ، ظل التصور السوسيولوجي والكلامي لعلاقة الدولة بالشريعة والمجتمع استعلائيا يظن أن مهمتها حماية الدين. وهذا غير صائب"، يشدد هاني نسيرة.

ورغم التحولات الملفتة في الفكر السياسي، والتبني المتزايد لمبدأ فصل الدين عن الدولة، لا يزال النقاش حول إلزام الدولة لمواطنيها بالشريعة محتدما في الدول الإسلامية، خاصة مع ظهور تنظيمات متطرفة لعبت هذا الدور.

الجماعات الإرهابية

ألزمت مختلف الجماعات الإرهابية، في السنوات الأخيرة، الناس بالشريعة في المناطق التي سيطرت عليها؛ بل ذهب منظروها إلى القول بأن ذلك "جهاد في سبيل الله".

وخلال سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسوريا، فرض تنظيم داعش عقوبات على غير المصلين وعلى المدخنين وبائعي السجائر وحالقي اللحى وحتى الرجال الذين يلبسون لباسا طويلا (إسبال الثياب).

وفرض تنظيم القاعدة بدوره، خلال سيطرته على مناطق واسعة جنوب اليمن في فترات متفرقة بين عامي 2010 و2016، على السكان بالقوة الالتزام بالصلاة والحجاب للنساء. بل كانت المحلات التجارية تغلق وقت الصلاة.

"منع عناصر القاعدة الاختلاط بين الجنسين حتى أطفال المدارس، وعاقبوا نساء بسبب ارتداء ملابسهن" تقول مريم الخطيب، وهي من سكان مدينة المكلا جنوب شرقي اليمن.

ولا تزال دول عربية وإسلامية عدة تلزم الناس ببعض أحكام الشريعة، فضلا عن أن بعضها لا يعاقب أحيانا من يعتدي على يعتبرهم "مخالفين للشريعة".

في تركيا مثلا، ورغم عدم وجود قانون يلزم النساء بارتداء الحجاب، لم تعاقب السلطات رجلا أقدم في صيف سنة 2017 على ضرب شابة تدعى إيسينا ساغلام لارتدائها سروالا قصيرا في شهر رمضان، داخل الحافلة.

وتفرض إيران قوانين صارمة بالحجاب يشمل حتى اللاعبات الرياضيات. ولدى طهران أيضا قانون خاص بالزي الإسلامي مع حلول رمضان سنويا.​

​​ونهاية عام 2017، قضت محكمة إيرانية بالسجن عاما واحدا بحق امرأة أدينت بـ"الحض على الفساد والفجور" على خلفية وقوفها في ساحة انقلاب وهي تلوح بعصا طويلة عليها حجابها الأبيض، ما دفع بأخريات لنزع حجبهن.

وفي السعودية، لا يسمح النظام ولا العادات والتقاليد بخروج النساء وهن "غير محتشمات".

وتناط الرقابة على ذلك بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رغم أنها بدأت تنحل مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان.

أما في اليمن، فذهب الأمر بسلطات جماعة الحوثيين في صنعاء إلى طمس صور وجوه النساء في اللوحات الإعلانية على واجهات محلات الملابس بذريعة أنها "خليعة ومخلة بالأدب".​

​​ولا تزال قوانين المغرب والعراق والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان والأردن وغيرها من الدول تعاقب على الإفطار العلني في رمضان.

ويحدث أن يتعرض المفطرون للاعتداء من قبل أشخاص أو جماعات دينية.

توحيد للأمة أو بحث عن شرعية؟

يعتبر رجل الدين المصري محمود العشري إلزام الناس بتطبيق الشريعة "فرض حتميا لأن تطبيقها هو مُقتضى الشهادتين، وإصلاح النفس والمجتمع، وهي سبيل لتوحيد الأمة الإسلامية".

ويدعو العشري إلى تعديل الدساتير لتنص على "تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وأنها المصدَر الوحيد للتشريع"، كما كتب في موقع "الألوكة" الديني المعروف.

لكن هاني نسيرة يرد بالقول إن إلزام الناس بالشريعة "يزيد من نفور الناس من الدين".

ويؤكد المفكر المصري "الشريعة والدين لا يكونان إلا اختيارا لا إجبارا، بدليل ما جاء في القران: لا اكراه في الدين".

وبدوره، يعتقد عصام نعمان، وهو كاتب ومحام لبناني أن "تطبيق الشريعة -أي نظام الإسلام- لا يستلزم اقامة سلطة ملزمة، بل من المستحسن أن يكون الالتزام بالشريعة التزاما ذاتيا نابعا من الإيمان والوجدان والاقتناع والمصلحة الشخصية".

ويؤكد، نعمان في مقال له في مجلة "تحولات" أنه "حتى عندما قامت دولة إسلامية في الماضي فإنها لم تكن قط حكومة دينية. الإسلام دين ونظام. هذا النظام يمكن تطبيقه في المجتمع متعدد الأديان والمذاهب من دون تدخل الدولة..".

ويعود الكاتب اللبناني ليؤكد بأن "الشعب هو مصدر شرعية السلطة في المجتمع الإسلامي".

 

 

مواضيع ذات صلة:

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
عراقية تتظاهر أمام مبنى محكمة الأحول الشخصية في بغداد ضد زواج القاصرات في العراق

تحظى التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 بدعم كبير من رجال الدين الشيعة والسنة في العراق. لكن بعض رجال الدين من الطائفتين سجّلوا مواقف معارضة لهذه التعديلات.

المرجع الشيعي العراقي المعروف كمال الحيدري، وهو أحد المراجع الكبار في حوزة قم في إيران، ظل طوال السنوات الماضية معارضا  للتعديلات التي طرحت أكثر من مرة حول قانون الأحوال الشخصية.

أتباع الحيدري ومؤيدوه سارعوا إلى نشر مقاطعه وفيديوهاته القديمة، والتي تضمنت مقابلات وخطبا أجراها في الأعوام السابقة يشرح فيها الأسباب التي تدفعه إلى معارضة تعديل القانون.

ينطلق الحيدري في مواقفه الرافضة من اعتقاده أن القوانين العراقية، في بلد بمكونات دينية وإثنية مختلفة، يجب أن تغطي جميع الفئات وأن يحتكم إليها الجميع، لا أن يكون لكل فئة قانونها الخاص بها.

ويعتبر الحيدري أن على "المرجع الديني توجيه مقلديه إلى اتباع القانون، حتى لو خالف ذلك رسالته العملية وفتاويه".

وتمنح التعديلات المطروحة الحق للعراقيين في اختيار اللجوء إلى إحدى مدونتين، شيعية وسنية، يتم إعدادهما من قبل المجلسين السنّي والشيعي بهدف تقديمهما إلى البرلمان.

وتتخوف المنظمات النسائية من أن يؤدي اللجوء إلى هاتين المدونتين الباب أمام تشريع زواج القاصرات، وكذلك إجراء تعديلات جوهرية على إجراءات حضانة الأطفال بشكل يضر حقوق المرأة.

Iraqis Shiite Muslim worshippers gather outside the of Imam Moussa al-Kadhim shrine, who died at the end of the eighth century,…
كان "سابقاً لعصره".. خلفيات إقرار قانون الأحوال الشخصية العراقي 1959
أعاد النقاش حول قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى الواجهة، الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى صدور القانون المعمول به حالياً في عام 1959، خصوصاً بعد المطالبة بتعديله من قبل نوّاب من كتل سنيّة وشيعية في البرلمان.

رجل دين شيعي آخر، هو حسين الموسوي، أعلن بشكل مباشر معارضته للتعديلات المطروحة على القانون.

أكد الموسوي في أكثر من منشور له على موقع "أكس"‏ رفضه المستمر "لتعديل قانون الأحوال في ‎العراق، رفضًا تامًا لا نقاش فيه!".

وقال الموسوي، مستخدما وسم #لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية: "أقول لبناتنا وشبابنا بضرورة التحرك بكل الطرق الممكنة لمنع الفئة الضالة من الهيمنة على المستقبل بعد سرقتهم الماضي".

في الجانب السنّي، يبرز موقف رئيس رابطة أئمة الأعظمية الشيخ مصطفى البياتي المعارض للتعديلات على القانون. 

وطالب البياتي في حديث صحافي الجهات التي طرحت التعديلات بسحبها "حفاظاً على وحدة العراق وحفاظاً على كرامة المرأة العراقية من هدرها على يد أناس لا يرقبون في حفظ كرامتها أي ذمة".

البياتي رأى في النقاشات التي تخاض في مجلس النواب وخارجه "ترسيخًا للطائفية بعد أن غادرها العراقيون، ومخالفة للأعراف المعتمدة في البلد".

رجل دين سنّي آخر، هو عبد الستار عبد الجبار، سجّل مواقف معارضة للتعديل. وقال في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها في المجمع الفقهي العراقي إن "زواج القاصرات موضوع عالمي، العالم كله يرفضه، وهو ليس ديناً".

وتابع: "لا يوجد نص يقول إنه يجب أو مستحب زواج القاصرات. هو موضوع كان شائعاً في الجاهلية وسكت الإسلام عنه، والعالم الآن لا يحبه، وهذا لا يتعارض مع الإسلام لأن زواج القاصرات ليس من أصول الإسلام". 

وسأل عبد الجبار: "لماذا هذا الإصرار على هذه القضية؟ هل الإسلام جوهره زواج القاصرات مثلاً؟ إلى متى نبقى هكذا؟". ودعا إلى التفكير بعقلية "أريد أن أبني بلدي، وليس أن أنصر طائفتي على حساب الطوائف الأخرى".

ولم تعلن المرجعية الدينية الشيعية في النجف موقفاً حاسماً من التعديلات المطروحة حاليا، وإن كان مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني قال في رد على سؤال ورد إليه عام 2019 إنه "ليس لولي الفتاة تزويجها إلا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج إلا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية". 

وأضاف المكتب أنه "لا مصلحة للفتاة في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنى عنها".