رغم كونه مصطلحا فقهيا قديما، إلا أن حق "الكد والسعاية" الذي ينص على حق المرأة في جزء من مال زوجها الذي شاركت في تكوينه، يثير الجدل بين علماء الدين الإسلامي كغيره من حقوق المرأة، ومساواتها مع الرجل في المجتمعات الإسلامية، وملاءمتها مع القوانين النافذة.
ويعرف الباحث المغربي بكلية العلوم القانونية في مدينة أكادير (جنوب)، كمال بلحركة، حق "الكد والسعاية" في دراسة فقهية من إعداده تحمل عنوان "حقوق المرأة العاملة عند النوازل بين المغاربة" أنه "حق المرأة في الثروة التي يُنشئها ويُكوِّنها الزوج خلال فترة الزواج، بحيث تحصل على جرايتها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية في تكوين هذه الثروة".
ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب في فبراير الماضي إلى إحياء حق "الكد والسعاية" من التراث الإسلامي، لـحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها.
ونقلت وسائل إعلام مصرية عن الطيب قوله خلال لقائه وزير الشؤون الإسلامية السعودي، عبد اللطيف بن عبد العزيز آل شيخ، إن "فتوى حق الكد والسعاية ضرورية في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة".
ويعتبر الشيخ عبد الغفار صابر خورشيد عضو مجلس الحد من العنف الأسري في وزارة العدل بحكومة إقليم كردستان العراق، أن حق الكد والسعاية هو "حق الزوجة في ممتلكات الزوج، مقابل ما تقوم من تنفيذ لواجبات البيت".
وتعود جذور حق الكد والسعاية إلى حادثة وقعت في التراث الإسلامي مرتبطة بامرأة تدعى حبيبة بنت زريق، عاشت في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.
وكانت حبيبة نسّاجة تخيط الملابس وتطرزها، فيما كان زوجها عمرو بن الحارث يتاجر بما تصنعه. فتمكن الزوجان من تكوين ثروة من النسج والتجارة. لكن عندما توفي عمرو بن الحارث استولى أهله على أمواله كلها، متجاهلين حق حبيبة فيها، إذ كانت شريكة لزوجها في تجارته. لكن حبيبة لم تسكت عن حقها، واحتكمت إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وقضى الخليفة بتقسم المال إلى نصفين، نصف لحبيبة باعتباره حقها والنصف الآخر يقسم على الورثة ومن ضمنهم حبيبة أيضا وفقاً للشرع، إذ يحق لبنت زريق أن تأخذ ربع ما تركه زوجها كونها لم ترزق بأطفال منه.
ويؤكد خورشيد لموقع "ارفع صوتك": "يمكننا أن نطبق هذا المبدأ طالما أن الموضوع متعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة في المجتمع عبر سن قوانين استنادا إلى هذه المبادئ التي بني عليها هذا الحق مع مراعاة حقوق كلا الطرفين ومراعاة أسس العدالة والإنصاف".
واتفقت المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية، على حق الكد والسعاية. لكن فقهاء المالكية أكدوا على تطبيقه وترسيخه أكثر من المذاهب الأخرى.
أما بالنسبة للمذهب الشيعي، يؤكد الباحث الإسلامي الشيعي عباس القريشي لموقع "ارفع صوتك" أن "لا وجود لهذا المصطلح في الفقه الشيعي".
ويضيف: "الشريعة الإسلامية بينت أن هناك حقوقا للزوجة على الزوج، مثلا وجوب الإنفاق عليها وتوفير السكن اللائق لها وتوفير طعامها وشرابها وكسوتها"، مشيرا إلى أنه إذا طلب الزوج من الزوجة العمل معه وحدد لها أجر معينا، فلها ما تم الاتفاق عليه بينهما.
وتعتبر الدول المغاربية في مقدمة الدول العربية المطبقة لحق الكد والسعاية في قانونها، حيث شهدت المحاكم المغربية الحكم في العديد من القضايا للزوجة بجزء من مال زوجها سواء بعد وفاته أو بعد الطلاق، استنادا على حق الكد والسعاية.
واعتمدت تونس هذا الحق في القانون الصادر عام 1998 نظامًا للاشتراك في الملكية بين الزوجين لتكريس التعاون بينهما في تصريف شؤون العائلة، ويمنح القانون التونسي الزوجين الحرية في اختيار النظام المالي الذي يرغبان به.
ويشير المحامي العراقي محمد حسين البطاط لموقع "ارفع صوتك"، إلى أن "القانون العراقي لم يقر حق الكد والسعاية. ويمنح للزوجة حقها من ميراث زوجها فقط".
ويرى البطاط أن تطبيق حق الكد والسعاية من الناحية القضائية أمر صعب في ظل انعدام الوعي به. ويوضح: "هناك حاجة إلى توعية مجتمعية تثقيفية تنفذها الدولة والمنظمات المجتمعية والمؤسسات الدينية للتعريف بهذا الحق ودوره في حل المشاكل القانونية الخاصة بحقوق الزوجية والعائلة، كي نتمكن من سن قوانين بالاعتماد عليه وفق منظومة حقوق عادلة تقرها الدولة ويحصل فيها المواطن على حقه".