حددت الشريعة الإسلامية مجموعة من العقوبات الدنيوية البدنية التي يجب إنزالها بالعصاة. نُظر إلى تلك العقوبات بوصفها أداة تطهيرية يكفر بها المذنب عما لحق به من آثام وخطايا. في هذا المقال نلقي الضوء على الآراء الفقهية المتعلقة بحد الرجم في الشريعة الإسلامية، لنرى كيف ساد الجدل حول تطبيق هذا الحد عبر القرون.
الرجم في اليهودية والمسيحية
عرفت الشريعة اليهودية عقوبة الرجم بالحجارة. ورد النص على إنزال تلك العقوبة بعدد من مرتكبي الجرائم البشعة التي لم يقبلها المجتمع اليهودي. يحدد الإصحاح السابع عشر من سفر التثنية عقوبة الرجم بالحجارة لكل إسرائيلي يقدم على عبادة إله آخر "...فَأَخْرِجْ ذلِكَ الرَّجُلَ أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، الَّذِي فَعَلَ ذلِكَ الأَمْرَ الشِّرِّيرَ إِلَى أَبْوَابِكَ، الرَّجُلَ أَوِ الْمَرْأَةَ، وَارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ". في السياق ذاته، يقر الإصحاح العشرون من سفر اللاويين العقوبة نفسها على من يقدم القرابين لأي إله من آلهة الكنعانيين. "وَتَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي إِسْرَائِيلَ أَعْطَى مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ -أحد آلهة الكنعانيين- فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. يَرْجُمُهُ شَعْبُ الأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ".
يظهر الرجم بالحجارة أيضًا كعقوبة على بعض أشكال الزنا التي نص العهد القديم على رفضها. ورد في الإصحاح الثاني والعشرون من سفر التثنية "..إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا...". من جهة أخرى، طالت تلك العقوبة كل من دنس حرمة الأيام المقدسة. يذكر الإصحاح الخامس عشر من سفر العدد أن الشعب العبراني لمّا قبض على أحد الرجال الذين كانوا يحتطبون يوم السبت "...فقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «لِتَرْجُمْهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا بِالْحِجَارَةِ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، لأَنَّ عِقَابَهُ الْقَتْلُ حَتْماً». فَأَخَذَهُ الشَّعْبُ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ، كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى".
ترد عقوبة الرجم كذلك في العهد الجديد، لكن بشكل مختلف شيئا ما. ورد في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا أن يسوع لمّا حضر إلى الهيكل، "قَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ. قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ ... وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!".
عُرف الرجم في فترة المسيحية المبكرة كذلك، بكونه سلاحًا مشهرًا ضد التلاميذ والرسل. يتحدث الإصحاح السابع من سفر أعمال الرسل عن رجم اسيتفانوس أول الشهداء، وكيف أن اليهود الغاضبين "صَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ... فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: "أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي". تعرض بولس أيضًا للرجم بحسب ما يذكر الإصحاح الرابع عشر من سفر أعمال الرسل "ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ".
وجهة النظر الإسلامية التقليدية
ذهب جمهور الفقهاء المسلمين عبر التاريخ إلى إثبات حد الرجم لكل محصن -المقصود بالمحصن هو كل من تزوج رجلًا كان أو امرأة- إذا ما ثبتت عليه جريمة الزنا. استند الفقهاء في حكمهم على مجموعة من الأدلة والقرائن التي تعود لحقبة الإسلام المبكر، وبالتحديد لزمن النبي والخلفاء الراشدين. من تلك الأدلة ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم من قول النبي: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة". وما روي من أن يهودا أتوا برجل وامرأة زنيا، وسألوا النبي أن يقيم حكم الله فيهما، فأمر برجمهما. كذلك استشهد الفقهاء المثبتون لحد الرجم بما روي من أن النبي نفذ حد الرجم على اثنين من المسلمين، وهما مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ، والمرأة الغامدية.
لم يرد حد الرجم في القرآن على الإطلاق. لكن وردت بعض الروايات التي أكدت على أن هذا الحد ورد في بعض الآيات المنسوخة، والتي لم تدون في المصحف الحالي الذي بين أيدينا. من تلك الروايات ما نقله البخاري عن عبد الله بن العباس أنه سمع الخليفة عمر بن الخطاب يقول في خلافته: "...إنَّ الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البيِّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف...". نقل أحمد بن حنبل المتوفى 241ه أيضًا في مسنده عن السيدة عائشة قولها: "لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ، وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ، دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا".
نقل ابن قدامة المقدسي المتوفى 620ه في كتابه "المغني" الاتفاق على تطبيق حد الرجم على الزاني المحصن، فقال: "...وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ... قَدْ ثَبَتَ الرَّجْمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ... وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا نُسِخَ رَسْمُهُ دُونَ حُكْمِهِ...".
نلاحظ أن اتفاق علماء أهل السنة والجماعة على إثبات حد رجم المحصن الزاني تسبب في إنتاج بعض الروايات التي لا يمكن تصديقها بأي حال من الأحوال. يمكن أن نفسر ظهور تلك الروايات بوصفها محاولة للتأكيد على معقولية الحد وكونه يتماشى مع "الفطرة السليمة". من تلك الروايات ما ورد في صحيح البخاري "عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ في الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمع عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا معهُمْ"!. حاول ابن حجر العسقلاني المتوفى 852ه في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" أن يجد تبريرًا لتك الرواية الغريبة، فذكر آراء بعض العلماء، ومنها قول بعضهم: "...يُحتمل أن يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم...". وقال آخرون: "... فلعل هؤلاء كانوا من الجن لأنهم من جملة المكلفين...". تشي تلك التبريرات بالمعارضة التي واجهها تطبيق حد الرجم في القرون الأولى من الهجرة، وبأن بعض الجماعات والفرق رفضته ونددت به.
لم ينفرد أهل السنة والجماعة بقولهم في وجوب حد الرجم على الزاني المحصن، بل تابعهم في ذلك كل من الشيعة والإباضية. ينقل العالم الشيعي محمد بن الحسن الطوسي المتوفى 460ه في كتابه "الاستبصار" عن الإمام محمد الباقر قوله: "قضى علي -يقصد علي بن أبي طالب- في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرًا فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثم رجمت وكان أول من رجمها". نقل الطوسي في كتابه إجماع فقهاء الشيعة على رجم المحصن الزاني. من جهة أخرى، عُرف حد الرجم عند الإباضية. أكد العالم الإباضي المعاصر أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان إثبات حد الرجم على كل محصن ثبت وقوعه في الزنا.
وجهة النظر المعارضة للرجم
عُرف بعض فقهاء القرون الأولى برفضهم لحد الرجم. للأسف، لم تُحفظ لنا آراء هؤلاء بشكل كامل. لم يصلنا منها إلا بعض ما ذكره عنهم أعداؤهم ومعارضيهم. كان الأزارقة -أتباع نافع بن الأزرق المتوفى 65ه- من الفرق الرافضة لتطبيق حد الرجم. يذكر أبو الحسين الملطي المتوفى 377ه في كتابه "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع" أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز سأل بعض أصحابه عن عقيدة الأزارقة في حد الرجم. فرد أحدهم بأنهم يكفرون به، فلم يكن من الخليفة إلا أن اندهش وأبدى ضيقه بما سمع، وقال: "الله أكبر كفروا بالله وبرسوله".
ويذكر بعض المعاصرين أن جماعة من المعتزلة والخوارج عارضوا حد الرجم. يقول عبد الرحمن الجزيري في كتابه "الفقه على المذاهب الأربعة" موضحًا حجة المنكرين للرجم "...ولم يخالف في هذا الحد إلا بعض المعتزلة، والخوارج، فإنهم قالوا: إن عقوبة الرجم كانت موجودة في صدر الإسلام، ثم نسخت بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فالزانيان يستحقان الجلد سواء كانا محصنين أو لا...".
في العصر الحديث، ذهب العديد من الفقهاء ورجال الدين إلى إنكار حد الرجم. من هؤلاء كل من محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر الأسبق، والشيخ الأزهري محمد أبو زهرة، ويوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الإسلامي عدنان إبراهيم، والباحث الإسلامي عصام تليمة. استند هؤلاء جميعًا لمجموعة من الأدلة. من أهمها ما ورد في صحيح البخاري من أن أحد التابعين سأل الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى "هلْ رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ أمْ بَعْدُ؟ قالَ: لا أدْرِي". يرى المنكرون لحد الرجم أن هذا الحد لم يكن إلا "شريعة يهودية" بالأساس، وأن النبي طبقها في بدايات الحقبة المدنية، وأن تلك الشريعة نُسخت مع نزول سورة النور، والتي ورد فيها حد جلد الزاني بدلًا من رجمه.
من جهة أخرى، يمكن القول إن الفقه الشيعي الإمامي الاثني عشري أبدى بعض المرونة فيما يخص تطبيق حد الرجم. ذهب بعض علماء الشيعة إلى أن الحدود لا تُطبق زمن الغيبة -يطلق اسم الغيبة على الفترة الزمنية التي بدأت مع اختفاء الإمام محمد بن الحسن العسكري عن الأنظار في 329ه، وهي الفترة التي لن تنتهي إلا مع ظهوره مرة ثانية في آخر الزمان- وبالتالي اُعتبر حد الرجم من ضمن الحدود المُعطلة حتى ظهور الإمام الغائب.
فتح الفقه الشيعي أيضا بابًا كبيرا للخروج من إشكالية تطبيق حد الرجم، وذلك عندما ضيق من تعريفه لمفهوم "الإحصان". ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه "الخلاف" معنى الإحصان، فقال: "الإحصان لا يثبت إلا بأن يكون للرجل الحر فرج يغدو إليه ويروح، متمكنًا من وطيه، سواء كانت زوجته حرة أو أمة أو ملك يمين، ومتى لم يكن متمكنًا منه لم يكن محصنًا، وذلك بأن يكون مسافرا عنها، أو محبوسًا، أو لا يكون مخلى بينه وبينها، وكذلك الحكم فيها سواء، ومتى تزوج الرجل، ودخل بها، ثم طلقها وبانت منه، بطل الإحصان بينهما". يعني ذلك أن المسافر أو المطلق أو الأرمل أو المحبوس -ذكرًا كان أو امرأة- ليس محصنًا، بالتالي لا يُطبق عليه حد الرجم في حالة وقع في "معصية الزنا".
قدمت الآراء الفقهية الشيعية المعاصرة أيضا بعض التخريجات التي من الممكن أن يُستند إليها للخروج من إشكالية تنفيذ حد الرجم في العالم المعاصر. من ذلك ما وقع في 2012م عندما وجهت وكالة الطلبة الإيرانية سؤالًا حول تقييد تنفيذ هذا الحد. أجاب كل من المرجعين الدينيين مكارم الشيرازي وجعفر السبحاني بأنه "إذا شعر الحاكم الشرعي بوجود مشاكل في تنفيذ الحكم بهذه الطريقة، يمكنه تنفيذ الحد بطريقة أخرى". فيما أجاب المرجع الموسوي الأردبيلي بأن "عقوبة الرجم لا يمكن تغييرها، ولكن إذا كان تنفيذها مخالفًا لمصلحة الإسلام والمسلمين، فللفقيه الجامع أن يأمر بعدم تنفيذها".