في لبنان الشهير بطوائفه الـ18، يتمتع المواطنون بحرية تغيير المذهب أو الدين، حيث ينص الدستور على "احترام جميع الأديان والطوائف وحرية الدين وحرية ممارسة جميع الشعائر الدينية بشرط عدم التأثير في النظام العام". وتمارس هذه الحرية من خلال المواد 41 إلى 44 من قيد وثائق الأحوال الشخصية. وبينما يلجأ البعض إلى هذه المواد لتغيير المذهب أو الدين ليوافق معتقداتهم الجديدة، يلجأ آخرون إليها بغية تيسير بعض أمور حياتهم.
وتعود هذه الممارسة إلى أعوام غابرة في التاريخ اللبناني. يقول المؤرخ حسن حلاق: "في القرن التاسع عشر، وأثناء الفتن في جبل لبنان، هناك الكثير من العائلات تحولت مضطرة إلى غير أديانها وغير مذاهبها، بسبب الظروف والفتن الأمنية الطاحنة".
ويضيف: "هكذا هو لبنان وعائلاته منذ العهود الأموية إلى العهد العثماني. شهدت المناطق اللبنانية تبدلات في العقيدة والمذهب خوفاً من الفتن والاضطرابات".
لكن، أحيانا لا يكون الخوف هو الدافع الوحيد لتغيير المذهب أو الدين، بل الرغبة في حماية بعض الحقوق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإرث. هنا مثلا يتحول بعض من أتباع أحد المذاهب السنية إلى المذهب الجعفري، من أجل ضمان حصول ورثتهم، خاصة البنات، على نصيب أكبر من الميراث. والسبب هو الخلافات السنية الشيعية فيما يتعلق بموضوع التعصيب في الميراث.
ففي الوقت الذي يقر فيه المسلمون السنة بالإرث بالتعصيب، ما يسمح لأشخاص مثل العم بالمشاركة في الميراث في بعض الحالات، ينكر الشيعة ذلك، أي أن البنت في المذهب الجعفري ستحجب العم من الميراث. وهو السبب الذي قد يدفع البعض لتغيير مذهبهم إلى المذهب الجعفري من أجل تمكين بناتهم من الميراث كاملا.

يعلّق الكاتب الإسلامي قاسم قصير بالقول: "لا مشكلة في تغيير المذهب داخل الدين الواحد، بغض النظر عن الأسباب، لأن لكل إنسان الخيار باتباع أي مذهب. أضف إلى ذلك أن هناك قاعدة فقهية عند بعض المذاهب بحرية اختيار الإمام أو الفقيه الذي يمكن الرجوع إليه. ولا مشكلة بتغيير المذاهب من أجل حفظ حق ما، كوِراثة الفتاة لأبيها، إذا كان من يغير مذهبه مقتنعا بذلك. ما يهم هو المهم القناعة الشخصية وألا يخالف الإنسان أمرا إلهيا".
قطع الإرث من قطع الأرحام!
لم يخطر ببال مها أن رحيل زوجها الذي تركها أرملة مع طفلة صغيرة، سيترافق مع الكثير من المعاناة غير المتوقعة. فـ"عدا ألم الفقدان"، تقول مها، "تحول العزاء إلى تجمهر لمن نعرفه ومن لا نعرفه. رأيت يومها وجوها لم نألفها قط. أتى كثر للمطالبة بحقهم في الإرث ويومها لم أمتلك الطاقة ولا المعرفة الكافية للمطالبة بتغيير الوضع. أنا فخورة بكوني مسلمة سنية ولكن للمرة الأولى في حياتي، ندمت على عدم تغييري وزوجي لمذهبنا. لربما تغيرت معه حالي وحال ابنتي للأفضل. لم يتركنا عم ابنتي للحظة، ومع الأسف تبين في النهاية أنه أراد الحصول على الوصاية لوضع اليد على الميراث والمال".
لكن، قبل أن يقرر أي كان الخوض في تغيير المذهب أو الدين، كما تشرح المحامية ضحى المصري، تتوفر بعض البدائل مثل "عملية البيع والشراء للأولاد. ولكن هذا لا يخلو من المخاطر. فكيف مثلا يمكن لأحدهم أن يخاطر بكتابة كل أملاكه باسم أولاده القصر ويترك نفسه بلا أي فلس. كما أن هناك طريقة ثانية تتطلب اللجوء للمحامي والعمل على حق الاستثمار. لذلك لربما الحل الأسهل يكمن بمعاملة الذكر مثل الأنثى".
الزواج على دين والطلاق على آخر
في سياق متصل، قد يستغل البعض عدم الإدراك أو الوعي الكافي بتأثير الدين على مفاعيل الزواج أو عكسه للتلاعب بالآخرين خصوصا في قضايا الحضانة. تروي ديانا المسيحية الكاثوليكية كيف تلاعب بها زوجها السني لتتنازل عن حقوقها مقابل الحصول على حضانة أطفالها.
تقول "تزوجت في المحكمة الشرعية السنية وبقيت على ديني وأنجبت وربيت أولادي في بيئة متوازنة، لم يثر فيها زوجي ولو مرة واحدة موضوع الاختلاف في الأديان الذي لم يشكل عقبة أمام حياتنا الأسرية. وكنا نحتفل بجميع الأعياد معا. سار كل شيء بسلاسة حتى قررت التقدم بطلب الطلاق بسبب مشاكلنا المتراكمة. حينها، تلاعب بي قائلا إنه سيحرمني من أولادي لأنه يرفض أن يبيتوا لدى "الكفار" ونفذ تهديده بحرماني من رؤيتهم أحيانا لشهور طوال بنفس الحجة".
وتضيف أنّ هذه كانت المرة الأولى "التي يثير فيها الاختلاف الديني ويستخدمه بهذه القسوة. ولأني لم أمتلك الوعي الكافي بالقوانين ولا الإرشاد من المحامي الذي كلفته بتمثيلي، اعتقدت أن أقصر الطرق لضمان عدم حرماني من أولادي هي باعتناقي دين زوجي في الفترة نفسها التي رفعت فيها دعوى الطلاق".

بالنسبة لديانا، لا يمس هذا الإجراء الإيمان في الجوهر. "الدين ليس حبرا على ورق، تقول، وهذا التعداد لا يخدم سوى الديموغرافيا في لبنان. حين تحولت إلى الإسلام، بحثت عما هو عملي ولو عاد بي الزمن للوراء لا مانع لدي بتكرار التجربة والإسلام دين يُحترم. ليس من الخطأ الارتباط بأحد من دين مغاير. على العكس تماما، القضية قضية أخلاق وليست قضية دينية. ربما الحل يكمن بالقضاء المدني للأمور الشخصية، مع الاحتفاظ بالزواج الديني لقضايا الحلال والحرام".
والحال أن تغيير المذهب أو الدين ليس منوطا في الأصل بالسلطات الدينية وإنما يندرج في سياق "المعاملات الإدارية" في لبنان. حسب المحامي صابر عيتاني، فإن "معاملة تغيير المذهب أو الدين هي في الأساس معاملة إدارية بموجب المادة 21 من المرسوم 8837 المتعلق بالإحصاء ودوائر النفوس والتي تخول مأمور النفوس إجراءها دونما حاجة إلى حكم محكمة وهذا ما نجده أيضا في المادة 41 من قانون قيد الأحوال الشخصية".
وبالتالي، "يرسل كل طلب يختص بتغيير مذهب أو دين إلى قلم الأحوال الشخصية لتصحيح القيد ويجب أن يكون هذا الطلب مؤيدا بشهادة من رئيس المذهب أو الدين الذي يراد اعتناقه ومشتملا على توقيع الطالب. فيستدعيه موظف الأحوال الشخصية ويسأله بحضور شاهدين عما إذا كان يصر على طلبه. وفي حالة تأييد الطلب ينظم محضرا بذلك على الطلب نفسه ويصحح القيد".
ويضيف عيتاني: "نفهم من هذه المادة أن هذا الطلب إداري مما يعني أن المحاكم الشرعية لا اختصاص لها في النظر في قضايا تغيير المذهب. كما أن إجراءات تغيير المذهب تتعلق بالنظام العام وبالتالي لا يمكن مخالفتها تحت أي ذريعة، ويجب احترامها تماما كما وردت في الإجراءات المطلوبة من تقديم الطلب وموافقة رئيس المذهب".
وانطلاقا من هذا، يمكن الاستطراد بالقول إن "مفاعيل الزواج كالنفقة والحضانة وحق المشاهدة وضم الصغار تخضع لأحكام القانون الذي تم الزواج بمقتضاه بغض النظر عن اعتناق أحد الزوجين دينا أو مذهبا آخر كما في حالة رنا. ولا يمكن استخدام تغيير المذاهب أو الأديان بهذا الشكل وإلا سيسهل ذلك الاحتيال على القانون".
بين خيانة الدين ومحبة الأسرة
كيف ينظر الدين لمن يغير مذهبه؟ تتعدد وجهات النظر وتختلف ما بين النصوص وقراءات رجال الدين. حسب القس عيسى دياب، الحاصل على دكتوراه في اللاهوت المسيحي، "لا يمكن نسيان البعد الاجتماعي واللاهوتي لهذا الموضوع. ففي البعد الاجتماعي، يعتبر تغيير المذهب خيانة للعائلة، وكثير من العائلات تتنكر لأحد أفرادها إذا غير مذهبه أو دينه. أما في البعد اللاهوتي، يعتبر تغيير الدين أو المذهب خيانة للمسيح وذلك لا يحتمل الرأي بل هو تعبير عن الواقع بعرف المؤسسة الدينية".
ويؤكد دياب: "ومع ذلك، لا ينسحب هذا الرأي على جميع اللاهوتيين. شخصيا لا أعتقد أن هذا حكم الله وقرار البعض مثلا كما في حالة رنا بتغيير دينها خوفا من خسارة حضانة أبنائها لا يعني أنها أخطأت بقدر ما يعني أنها أحبت عائلتها".