رئيس النظام السوري بشار الأسد دأب خلال السنوات الماضية على لقاء العلماء ورجال الدين.
رئيس النظام السوري بشار الأسد دأب خلال السنوات الماضية على لقاء العلماء ورجال الدين.

بات إقرار عيد الفطر في سوريا منذ عامين من اختصاص المجلس العلمي الفقهي السوري الذي تشكل في الخامس عشر من نوفمبر 2021، بمرسوم من الأسد بعد إلغاء منصب مفتي الجمهورية ومفتي المحافظات، محيلا المهام الفقهية لتركيبة المجلس التي تتألف من رجال الدين في مختلف الطوائف السورية سنة وشيعة وعلوية ودروز وغيرهم.

وكان المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف أعلن أول أيام عيد الفطر هذا العام، بعد أن عقد جلسة التماس هلال شهر شوال.

 ومن مهام المجلس  تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية والتماس الأهلّة وإثباتها، وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية، وإصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة"

وتؤكد وزارة الأوقاف عبر موقعها على الإنترنت "إن تشكيل المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف السورية والذي يضم كافة المذاهب الإسلامية يعد خطوة غير مسبوقة على صعيد تجاوز عصور الانحطاط وكل الأخاديد التي أحدثها ورسمها أعداء الأمة والوطن عبر التاريخ لزرع بذور التطرف والانقسام المذهبي والطائفي في المجتمعات".

وكان ناشطون ورجال دين هاجموا تشكيل المجلس معتبرين أن إلغاء منصب الإفتاء يهدف إلى إعادة رسم المشهد الديني في سوريا وتحجيم وإضعاف المكون السني الذي يعتبر أكثرية في البلاد، كما أن قرار الأسد يصطدم مع خصوصية التشريع لدى السنة والتي لا يمكن لمذهب آخر الافتاء فيها.

ودار صراع العام الماضي بين وزارة الأوقاف التي يتبع لها المجلس العلمي الفقهي، ومفتي دمشق عبد الفتاح البزم، حول تحديد "زكاة الفطر" و "فدية الصوم"، حيث تضمنت بيانات كل جهة قيمة مختلفة بالنسبة للمقادير الشرعية.

يقول عبدالله أيمن وهو أحد مشايخ دمشق لموقع ارفع صوتك " عادة كان القاضي الشرعي الأول في سوريا هو الذي يعلن دخول شهر رمضان و شوال بعد الاستماع إلى شاهدين عدلين ثم يرفع الأمر إلى رئيس الجمهورية حسب التسلسل الإداري ثم يتم الإعلان للناس".

يستذكر الشيخ عبد الله حادثة حصلت قبل أعوام " في إحدى المرات كان هناك مناسبة قومية الحركة التصحيحية أو عيد تأسيس الحزب فطلبوا من القاضي الشرعي الأول الأستاذ سعدي أبو جيب عدم إعلان الشهر فرفض و قدم استقالته، وهذه قصة مشهورة في دمشق" .

ويؤكد الشيخ الدمشقي أن المذاهب الأخرى لا تهتم بمثل هذه القضايا إلا الشيعة، وهم يخالفون دائما حيث لا يصومون ولا يفطرون مع السنة، وهذا يؤدي إلى إمكانية أن يكون لهم تأثير كبير في مثل هذا الأمر" ويضيف " منذ تأسيس المجلس الإسلامي السوري غالب الناس حتى المتواجدين عند النظام يأخذون بفتوى المجلس الإسلامي السوري "المعارض" إذا كان هناك تعارض أو اختلاف ويكون ذلك سراً ، لكن حتى الآن لم يتجرأ المجلس الذي أسسه النظام لمخالفة الرأي العام العربي و الإسلامي".

بدوره يؤكد الشيخ عبدالحليم بكور نائب رئيس المجلس الشرعي  لمحافظة حمص أن إلغاء منصب المفتي العام في سوريا أصلا هو اعتداء واضح ومباشر على هوية السنة ومعتقداتهم، حيث لم يكتفي الأسد بإخضاع المؤسسة الدينية له كمنصب المفتي ووزير الأوقاف الذين كانا يعينان دون الاستناد إلى الكفاءة والأهلية كما في عقود سابقة بل إلى الولاء المطلق. ويتساءل الشيخ بكور " كيف يمكن لمذاهب لا تصوم رمضان ولا تعترف بعيد الفطر وأخرى تتخذ أسلوبا مخالفا للسنة أن تحدد وتصهر التشريع الإسلامي للسنة بعقيدتها" ويضيف " إلغاء الخصوصية للمذاهب يعني التدخل في عقائدها والعبث بها ونسفها وتغييرها، وهذا له مؤشرات طائفية أيضا لأن النظام ما زال يخشى من المكون الأكبر كون الأسد ينتمي إلى  الطائفة العلوية التي لا تتجاوز نسبة أفرادها 7 في المائة، كما أنه يأتي ضمن إطار مشروع ولي الفقيه في المنطقة وخدمة لأجندات إيران،

وكان "المجلس الإسلامي السوري" المعارض الذي يتخذ من إسطنبول مقرا رئيسيا له، انتخب الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا، ردا على إلغاء النظام السوري منصب المفتي ونقل صلاحيته للمجلس العلمي الفقهي "متعدد الطوائف".

ويقدم المجلس الإسلامي السوري نفسه بأنه هيئة مرجعية شرعية وسطية سورية، تسعى إلى جمع كلمة العلماء والدعاة وممثلي الكيانات الشرعية، وتوجيه الشعب السوري، وإيجاد الحلول الشرعية لمشكلاته وقضاياه، والحفاظ على هويته ومسار ثورته، كما يقدم رسالته بأنها "ترسيخ المشروع الإسلامي وتفعيل دور المؤسسة الدينية في المجتمع السوري و تمكين المرجعية الإسلامية للشعب السوري من الاطلاع بدورها الريادي في المجتمع

مواضيع ذات صلة:

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
عراقية تتظاهر أمام مبنى محكمة الأحول الشخصية في بغداد ضد زواج القاصرات في العراق

تحظى التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 بدعم كبير من رجال الدين الشيعة والسنة في العراق. لكن بعض رجال الدين من الطائفتين سجّلوا مواقف معارضة لهذه التعديلات.

المرجع الشيعي العراقي المعروف كمال الحيدري، وهو أحد المراجع الكبار في حوزة قم في إيران، ظل طوال السنوات الماضية معارضا  للتعديلات التي طرحت أكثر من مرة حول قانون الأحوال الشخصية.

أتباع الحيدري ومؤيدوه سارعوا إلى نشر مقاطعه وفيديوهاته القديمة، والتي تضمنت مقابلات وخطبا أجراها في الأعوام السابقة يشرح فيها الأسباب التي تدفعه إلى معارضة تعديل القانون.

ينطلق الحيدري في مواقفه الرافضة من اعتقاده أن القوانين العراقية، في بلد بمكونات دينية وإثنية مختلفة، يجب أن تغطي جميع الفئات وأن يحتكم إليها الجميع، لا أن يكون لكل فئة قانونها الخاص بها.

ويعتبر الحيدري أن على "المرجع الديني توجيه مقلديه إلى اتباع القانون، حتى لو خالف ذلك رسالته العملية وفتاويه".

وتمنح التعديلات المطروحة الحق للعراقيين في اختيار اللجوء إلى إحدى مدونتين، شيعية وسنية، يتم إعدادهما من قبل المجلسين السنّي والشيعي بهدف تقديمهما إلى البرلمان.

وتتخوف المنظمات النسائية من أن يؤدي اللجوء إلى هاتين المدونتين الباب أمام تشريع زواج القاصرات، وكذلك إجراء تعديلات جوهرية على إجراءات حضانة الأطفال بشكل يضر حقوق المرأة.

Iraqis Shiite Muslim worshippers gather outside the of Imam Moussa al-Kadhim shrine, who died at the end of the eighth century,…
كان "سابقاً لعصره".. خلفيات إقرار قانون الأحوال الشخصية العراقي 1959
أعاد النقاش حول قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى الواجهة، الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى صدور القانون المعمول به حالياً في عام 1959، خصوصاً بعد المطالبة بتعديله من قبل نوّاب من كتل سنيّة وشيعية في البرلمان.

رجل دين شيعي آخر، هو حسين الموسوي، أعلن بشكل مباشر معارضته للتعديلات المطروحة على القانون.

أكد الموسوي في أكثر من منشور له على موقع "أكس"‏ رفضه المستمر "لتعديل قانون الأحوال في ‎العراق، رفضًا تامًا لا نقاش فيه!".

وقال الموسوي، مستخدما وسم #لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية: "أقول لبناتنا وشبابنا بضرورة التحرك بكل الطرق الممكنة لمنع الفئة الضالة من الهيمنة على المستقبل بعد سرقتهم الماضي".

في الجانب السنّي، يبرز موقف رئيس رابطة أئمة الأعظمية الشيخ مصطفى البياتي المعارض للتعديلات على القانون. 

وطالب البياتي في حديث صحافي الجهات التي طرحت التعديلات بسحبها "حفاظاً على وحدة العراق وحفاظاً على كرامة المرأة العراقية من هدرها على يد أناس لا يرقبون في حفظ كرامتها أي ذمة".

البياتي رأى في النقاشات التي تخاض في مجلس النواب وخارجه "ترسيخًا للطائفية بعد أن غادرها العراقيون، ومخالفة للأعراف المعتمدة في البلد".

رجل دين سنّي آخر، هو عبد الستار عبد الجبار، سجّل مواقف معارضة للتعديل. وقال في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها في المجمع الفقهي العراقي إن "زواج القاصرات موضوع عالمي، العالم كله يرفضه، وهو ليس ديناً".

وتابع: "لا يوجد نص يقول إنه يجب أو مستحب زواج القاصرات. هو موضوع كان شائعاً في الجاهلية وسكت الإسلام عنه، والعالم الآن لا يحبه، وهذا لا يتعارض مع الإسلام لأن زواج القاصرات ليس من أصول الإسلام". 

وسأل عبد الجبار: "لماذا هذا الإصرار على هذه القضية؟ هل الإسلام جوهره زواج القاصرات مثلاً؟ إلى متى نبقى هكذا؟". ودعا إلى التفكير بعقلية "أريد أن أبني بلدي، وليس أن أنصر طائفتي على حساب الطوائف الأخرى".

ولم تعلن المرجعية الدينية الشيعية في النجف موقفاً حاسماً من التعديلات المطروحة حاليا، وإن كان مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني قال في رد على سؤال ورد إليه عام 2019 إنه "ليس لولي الفتاة تزويجها إلا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج إلا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية". 

وأضاف المكتب أنه "لا مصلحة للفتاة في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنى عنها".