ينقسم المسلمون هذا العام، كما في معظم الأعوام السابقة، في تحديد موعد عيد الأضحى، وهي مسألة ترتبط بآلية مشاهدة الهلال بالعين المجرّدة أو الاعتماد على الفلك لتحديد بداية الشهر الهجري.
وتخضع المشاهدة بالعين المجردة لصعوبات عدة تعاني منها الدول التي تعتمد هذه الطريقة، ترتبط بوجود عوامل مناخية تحجب رؤية الهلال، كما يشكّل الموقع الجغرافي للدول عاملاً آخر في اختلاف الرؤية.
وغالباً ما يدفع الاختلاف في تحديد هلال شهر ذي الحجة إلى الاختلاف حول تاريخ العيد، بسبب الموقع الجغرافي والطريقة المعتمدة في رؤية الهلال.
وهذا العام أعلنت 11 دولة الاحتفال بالعيد يوم الخميس، خلافاً لأغلب الدول التي أعلنت حلول العيد يوم الأربعاء وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وهذه الدول هي المغرب، الهند، السنغال، بريطانيا، اندونيسيا، إيران، باكستان، بروناي، بنغلاديش، غيانا وماليزيا.
لكن المفارقة في بعض الدول العربية، مثل العراق ولبنان، هي أن التنوع الطائفي بين السنة والشيعة يقسم السكان بين فريقين، يحتفل كل منهما بالعيد في يوم مختلف، استناداً إلى مرجعيته الدينية، رغم أنهم في بلد واحد.
وعيد الأضحى في العراق هذا العام، يبدأ وفقاً لديوان الوقف السني يوم الأربعاء 28 يونيو الجاري، بينما حددت المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، التابعة للمرجع علي السيستاني، العيد يوم الخميس ٢٩.
وفي لبنان، الذي يتبع عدد من مواطنيه الشيعة مرجعية السيستاني في العراق، يحتفل هؤلاء بالعيد في الموعد الذي حددته مرجعية النجف، مع آخرين يتبعون إيران ومرجعية ولاية الفقيه، فيما يحتفل فريق آخر يتبع للمرجع اللبناني محمد حسين فضل الله (توفي عام ٢٠١٠) بالعيد في 28 يونيو.
ويعلن مكتب فضل الله موعد العيد قبل أسابيع، عبر الحساب الفلكي. ولا يعتمد رؤية الهلال بالعين المجردة.
أما الطائفة السنية في لبنان فتحتفل بالعيد في الموعد نفسه الذي حددته المملكة العربية السعودية. ويضع البعض هذا الخلاف في إطار سياسي، خصوصاً في الدول التي تشهد تنازع نفوذ بين السعودية وما تمثله من مرجعية دينية من جهة، وبين إيران وما تمثله من مرجعية دينية من جهة ثانية.
"الخلاف فقهي في أساسه بين من يقول برؤية الهلال بالعين المجردة ولديه تعدد أفق، وبين من يقولون برؤية الهلال عبر الاعتماد على الفلك ووحدة الأفق"، بحسب رجل الدين الشيعي ياسر عودة، الذي يستبعد أن يكون للسياسة دور في تحديد عيد الأضحى.
لكن ياسر عودة يسترجع، في حديثه مع "ارفع صوتك"، قولاً قديماً من زمن الإمام السادس لدى الشيعة الاثني عشرية، جعفر الصادق، بأن "الهلال للسلطان" أي أنه "إذا حدد السلطان هلال العيد فعلى الأمة أن تلتزم".
وهناك روايات لدى الشيعة، كما يقول عودة، تقول: "انفروا حيث نفر الحجيج"، وهذا معناه أن "من يحدد عيد الحجيج بهذا المعنى، هي السعودية".
والأمر بحسب عودة، "لا يستدعي الخلاف. وطالما أن الحجيج في مكة سيعيّدون يوم الأربعاء سنعيّد معهم"، خصوصاً أن "عيد الأضحى لا يستدعي الخلاف في تحديده أي تبعات شرعية كما هي الحال مع عيد الفطر والصيام".
الاختلاف في شأن عيد الأضحى، بحسب الخطيب والمحاضر في الثقافة الإسلامية الشيخ محمد حمود، يقسم بطبيعته الى ثلاثة أقسام: عقائدي، فقهي، وسياسي.
وعليه، يتابع حمود، فإن "الخلاف على توقيت عيد الفطر عادة ما يكون فقهياً ويسيّس فعلياً، ويستدل فيه الأطراف بأدلة فقهية من حيث رؤية الهلال أو من حيث علم الفلك". لكن رجل الدين السني يعتبر أن الخلاف حول عيد الأضحى "سياسي بامتياز" و"يجري استثماره في تغذية الانقسامات المذهبية".
ويؤكد حمّود على أن الخلاف ليس فقط بين المسلمين السنّة والشيعة، بل "تارة يكون بين السنّة أنفسهم وبين الشيعة أنفسهم"، وبالتالي، يتابع حمّود، "حسب الأجواء السياسية بين البلاد المتناحرة سياسياً يتم تحديد توقيت العيد على أراضيها".
ويتفق حمّود مع عودة على أن "السعودية هي المعنية الأولى بموضوع عيد الأضحى وذلك لتوليها القيام بشؤون المسلمين في العالم في أداء مناسك الحج".
ويدعو حمّود المسلمين إلى "عدم تسييس الدين وإبعاد الخلافات السياسية عن الدين درءاً للمفاسد المترتبة على ذلك".