البابا فرانسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب
البابا فرانسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب

سُفكت دماء كثيرة عبر التاريخ نتيجة الصراع الديني والمذهبي. ومع ذلك ظهرت تاريخياً الكثير من الفتاوى الدينية التي تتّسم بالتسامح مع الآخر والتشجيع على تحقيق السلام والوئام بين الشعوب والعرقيات. ما هي أبرز فتاوى التسامح في التراث الإسلامي؟ وكيف ساعد رجال الدين المعاصرون في تجاوز حالة الخصام المذهبي؟ وما هي أبرز القرارات الدينية المسيحية التي فتحت أبواب الخلاص أمام غير المسيحي؟

ظهرت العديد من الفتاوى المتسامحة في التاريخ الإسلامي الطويل رغم الصراع المستمر الذي دار بين الفرق والمذاهب. في بدايات القرن الرابع الهجري، كتب أبو الحسن الأشعري كتابه الشهير "مقالات الإسلاميين" ولم يكفر فيه أي من المذاهب المنتسبة للإسلام. يذكر شمس الدين الذهبي

في كتابه "سيَر أعلام النبلاء" أن أبا الحسن الأشعري أوضح منهجه المتسامح عندما قال لأحد تلاميذه قُبيل وفاته: "اشهد عليّ أني لا أكفّر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات".

في السياق نفسه، شهد الإسلام تسامحاً من قبل الفرق مع معتنقي الأديان المخالفة للإسلام. ذهب بعض المتكلمين إلى أن غير المسلم الذي يجهل حقيقة الدين الإسلامي "يُعذر بجهله"، وتُرجى له الرحمة، وبأن الله من الممكن أن يصفح عنه. من هؤلاء، الجاحظ، الأديب والمتكلم المعتزلي المشهور، والذي نُقل عنه قوله: "إن الله لا يعاقب الكفّار، إلا أولئك المعاندين الذين يدركون الحق ويحيدون عنه حرصاً على جاه أو رئاسة، أما الباقون منهم-وهم الذين يمثلون سواد الناس وأكثريتهم- فإن من الظلم عقابهم لأنهم لا يفهمون الحق إلا من خلال العادات والتقاليد التي نشأوا عليها والله ليس بظلام للعبيد". النتيجة نفسها ذهب إليها أبو حامد الغزالي في بدايات القرن السادس الهجري في كتابه "فيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة" إذ يقول: "إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والفرس ولم تبلغهم الدعوة".

ظهرت نبرة التسامح في كتابات العديد من الفقهاء والمتكلمين الشيعة أيضاً. على سبيل المثال نُقل عن بهاء الدين العاملي، والمعروف بالشيخ البهائي المتوفى في العام 1030هـ قوله: "إن المكلّف إذا بذل جهده في تحصيل الدليل فليس عليه شيء وإن كان مخطئاً في اعتقاده، ولا يُخلد في النار وإن كان بخلاف أهل الحق"، وذلك بحسب ما يذكر محسن الأمين في كتابه "أعيان الشيعة".

 

فتوى شيخ الأزهر بجواز التعبد بالمذهب الجعفري

 

ظهرت العديد من الفتاوى الدينية المتسامحة في العصر الحديث. كانت فتوى شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري واحدة من أشهر تلك الفتاوى على الإطلاق.

عُرف شلتوت بجهوده العظيمة في مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية. وفي أربعينيات القرن العشرين، شارك مع مجموعة من العلماء من السنة والشيعة في تأسيس جماعة "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية". في سنة 1959م، سُئل شلتوت عن حكم التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري. فأجاب قائلاً "إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتبّاع مذهب معين، بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلّد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شيء من ذلك. إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات".

 

فتاوى تحريم سب الصحابة

 

من المعروف أن بعض الشيعة يقومون بتوجيه السب واللعن لبعض الصحابة والخلفاء. يرى الشيعة أن هؤلاء الصحابة أذنبوا عندما رفضوا مبايعة علي بن أبي طالب بالخلافة بعد وفاة الرسول في سنة 11ه. رغم ذلك ظهرت العديد من الفتاوى الشيعية المعاصرة التي حرّمت سبّ الصحابة. كما طالب رجال الدين الشيعة أتباعهم باحترام رموز أهل السنة.

من أشهر تلك الفتاوى الفتوى التي قال بها المرجع الإيراني علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في أكتوبر سنة 2010م. رد خامنئي على الجدل المثار في أعقاب قيام بعض رجال الدين الشيعة بالتطاول على عدد من الصحابة وأمهات المؤمنين من ذوي المقام المعتبر عند أهل السنة والجماعة. وقال في فتواه: "...يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوج النبي بما يخل بشرفها بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم…". حظيت تلك الفتوى بإشادة العديد من مراجع العالم السني. على سبيل المثال وصفها أحمد الطيب، شيخ الأزهر بأنها "...صادرة عن علم صحيح، وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة، وتعبر عن الحرص على وحدة المسلمين…".

تحريم سب الصحابة ورد أيضاً في فتوى للمرجع اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله. قال فضل الله: "...إنّ هذا (سبّ الصحابة) يحرم على أيّ مسلم، وأنا أسجّل هذا في كلّ استفتاء يأتيني، بأنّه يحرم سبّ أيّ صحابي بمن فيهم الخلفاء…". الأمر ذاته صدر في فتوى للمرجع الشيعي الأعلى في العراق، السيد علي السيستاني عندما قال: "سب الصحابة مستنكر ومدان ويخالف ما أمر به أهل البيت".

 

فتوى السيستاني بحرمة دماء أهل السنة

 

تعرض المكون الشيعي في العراق للاضطهاد على يد عناصر ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في سنة 2014م. في سنة 2017م، أطلق بعض المتعصبين الدعوات للثأر من أهل السنة في أعقاب نجاح عملية تحرير الموصل من داعش. في هذه الأجواء المتوترة، أفتى المرجع السيستاني بحرمة دماء أهل السنة. الأمر الذي لعب دوراً مهماً في تهدئة الأوضاع وحقن الدماء في بلاد الرافدين.

صدرت تلك الفتوى في منتصف ديسمبر سنة 2017م. وتلا نصها الشيخ عبد المهدي الكربلائي

ممثل السيستاني في مدينة كربلاء. جاء في الفتوى أن المسلمين جميعاً متفقون على أصول الدين. وأنهم -سنة وشيعة- يعبدون الله وحده، ويؤمنون بالقرآن نفسه، ويؤدون عبادات الصلاة والصوم والزكاة، "فهذه المشتركات هي الاساس القويم للوحدة الاسلامية، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة"، بحسب الكربلائي، الذي أوضح بعدها موقف السيستاني الصريح "فيما أوصى به أتباعه ومقلّديه في التعامل مع إخوانهم من أهل السنة من المحبة والاحترام، وما أكّد عليه مراراً من حرمة دم كل مسلم سنياً كان أو شيعياً وحرمة عرضه وماله والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أيّاً كان صاحبه...".

 

مفتي عمان ووحدة الأمة الإسلامية

 

تُعدّ فتاوي الشيخ احمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان في ضرورة توحيد صف الأمة الإسلامية، وتجاوز الخلافات المذهبية من الفتاوى المعاصرة التي تميزت بالتسامح مع الأخر. يعتنق الخليلي المذهب الإباضي، وهو أحد المذاهب الإسلامية القديمة الذي نشأ من رحم فكر الخوارج الذين عُرفوا في القرن الأول الهجري. من الفتاوى المتسامحة المشهورة للخليلي، أنه لمّا سئل عن الصراع بين الإباضية والمالكية في الجزائر، قال: "الجزائر شعب واحد، ومصلحته واحدة، ومضرّته واحدة، فيجب على الشعب الجزائري أن يسعى إلى ترسيخ هذا التسامح فيما بينه، كما كان السلف من قبل، وعليه ألاّ يسعى إلى أي بوادر من بوادر الاختلافات والتنازع…". من جهة أخرى، ظهر تسامح مفتي عمان مع المذهب الشيعي في رده على بعض الفتاوى الصادرة بتكفير الشيعة. قال الخليلي في ردّه: "اطلعت على الفتوى الحمقاء التي تشرك طائفة لا يستهان بها من أمة الاسلام وتدعو إلى قتلهم وهذا مما يكون له أبلغ الأثر في إضعاف هذه الأمة. ولا يضيركم قول أمثال هؤلاء فإن صدور فتوى كهذه منهم لدليل واضح على ضيق أفقهم وضحالة فكرهم وعدم تخلّقهم بأخلاق العلماء، وأنهم دعاة فرقة لا وحدة، ودعاة شقاق لا وفاق، وإنْ هم إلا أداة طيّعة في أيدي أعداء الإسلام…".

 

"الخلاص ممكن لغير المسيحي"

 

يمكن العثور أيضاً على كثير من القرارات الدينية غير الإسلامية التي تسامحت مع الآخر الديني. كان قرار المجمع الفاتيكاني الثاني في عام 1965م بإمكانية خلاص غير المسيحي واحداً، أحد أشهر تلك القرارات على الإطلاق.

في كتابه "عقيدة خلاص غير المؤمنين: بين الجذور والثمار"، يسلط المؤلف حلمي القمص يعقوب الضوء على انعقاد ذلك المجمع، فيذكر أنه قد شهد حضور 2400 أسقف كاثوليكي، مع بعض المراقبين من الكنائس الأخرى الأرثوذكسية والروم الأرثوذكس والإنجليكان والبروتستانت، وأن البابا يوحنا الثالث والعشرين افتتح أعمال المجمع في أكتوبر1962م، بينما اختتم فعالياته البابا بولس السادس في ديسمبر 1965م. بحسب يعقوب، فإن المجمع  قرّر "عقيدة خلاص غير المؤمنين" في جلسته الرابعة في أكتوبر 1965م. جاء فيما صدر عنه من تقرير وتوصيات التأكيد على أن "تدبير الخلاص يشمل أيضاً أولئك الذين يؤمنون بالخالق، وأولهم المسلمون الذين يُعلنون أنهم على إيمان ابراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر…". كما ورد أنه "بإمكان الله أن يقود إلى الإيمان الذي يستحيل إرضاء الله بدونه، بطرق يعرفها هو، أناسًا يجهلون الإنجيل عن غير خطأ منهم".

مواضيع ذات صلة:

صورة أرشيفية للشيخ محمد محمود الصوّاف مؤسس فرع الإخوان المسلمين في العراق
صورة أرشيفية للشيخ محمد محمود الصوّاف مؤسس فرع الإخوان المسلمين في العراق

حفّز الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، قِوى إسلامية عراقية ترتبط عقائدياً بحركة الإخوان المسلمين، في محاولة للعودة إلى الواجهة من جديد.

أبرز هذه القِوى، هو الحزب الإسلامي العراقي، الذي يعتبر ذراعا سياسيا للإخوان المسلمين في العراق، وكانت تتبعه حركة "حماس العراق" التي قاومت القوات الأميركية بعد عام 2003.

خلال مقابلة له على قناة السومرية الفضائية في 31 من أكتوبر الماضي، ظهر الأمين العام للحزب الإسلامي رشيد العزاوي للتعبير عن مواقفه تجاه حرب غزة، وأبدى استعداده للقتال في فلسطين. ومثل العزاوي، تحركت قِوى إسلامية في إقليم كردستان العراق، لها ارتباطات عقائدية مع الإخوان المسلمين، لاستثمار أحداث غزة وتعبئة جماهيرها.

يرى المفكر والباحث العراقي رحيم ابو رغيف أن "إخوان العراق يحاولون العودة إلى الواجهة من خلال ما يحدث في غزة، وأن الحزب الإسلامي العراقي إخوان مسلمين قولاً واحداً".

وقال لـ"ارفع صوتك" إن "جذور الإخوان المسلمين في العراق متشعبة، حتى حزب الدعوة ولد من رحم حزب التحرير المولود بدوره من رحم الإخوان، وبالتالي، فإنهم حاضرون في العراق، ولكن لكل بلد خصوصيته، وكل تنظيم تابع للإخوان يتخذ الشكل الذي يناسب البلد الموجود فيه".

يعتقد أبو رغيف، أن "ما يحدث في غزة ليس قادراً على إعادة إحياء الإخوان المسلمين، ولا ملئ الفراغ في الحضور السني في العراق، لكن رغبة الشيعية السياسية في العراق تصب في هذا السياق، بدعم من ولاية الفقيه".

وأشار إلى أن "من ينتشل الإخوان هي ولاية الفقيه الإيرانية، والولي الفقيه في إيران علي خامنئي يهتم بإدامة زخم وجود الإخوان. وكتب سيد قطب لا تزال تطبع حتى اليوم على نفقة المكتب الخاص للسيد خامنئي".

 

الجذور الأولى

 

ليس في العراق اليوم أي ظهور علني لأحزاب تتبع بشكل تنظيمي صريح لحركة الإخوان المسلمين. حتى الحزب الإسلامي العراقي ينكر في مواضع كثيرة ارتباطه التنظيمي بالحركة.

وبحسب دراسة أعدّها الباحث مهنّد سلوم لمعهد "كارنيغي" ونشرت في ديسمبر 201٨: "يُنظر إلى الحزب الإسلامي العراقي عموماً على أنه واجهة لتنظيم الإخوان المسلمين، على الرغم من أن المسؤولين في الحزب دأبوا على إنكار ذلك".

ويمكن، بحسب سلّوم، "رؤية تشابه الحزب الإسلامي مع الإخوان المسلمين من خلال المقاربة المشتركة بينهما في انموذج نظام الحكم الإسلامي".

شهد تاريخ العراق ولادة تجربة واضحة لهذا التنظيم في أربعينات القرن الماضي، مع الشيخ محمد محمود الصوّاف. في الثلاثينات، ظهر الصوّاف في الموصل داخل الوسط السني، وحصل على منحة من الأوقاف للدراسة في الأزهر، وهناك في مصر، كما يروي كتاب "دراسات في الحركات الإسلامية المعاصرة في العراق" الذي أعدته مجموعة من المؤلفين، التقى الصوّاف بالشيخ حسن البنا وتأثر به.

عاد الصواف إلى العراق عام 1946 بعد مرور حوالي عقدين على نشأة الإخوان المسلمين في مصر، ونقل التجربة إلى العراق، فأسّس فرع الإخوان في بغداد، وألحق به مجموعات وجمعيات دينية أخرى مثل جمعية الأمر بالمعروف، وفقاً كتاب دراسات في الحركات الإسلامية المعاصرة في العراق.

ويرى الباحثون المشاركون في الكتاب، أن "ظهور الإخوان المسلمين في فترة الأربعينات في العراق جاء كرد فعل على ظهور الأحزاب الشيوعية والابتعاد عن الدين". وقد استفاد النظام الملكي القائم في العراق آنذاك من ظهور الحركة التي "كان يعدّها قطباً مضاداً للشيوعية التي أصبحت حركة جماهيرية مقلقة".

كان الإخوان المسلمون يستثمرون المناسبات الدينية لتوجيه الرأي العام لمبادئهم ونشر أفكارهم واستفادوا من بعض الجرائد العلنية في محاولة لـ"أسلمة" المجتمع العراقي وتحقيق أهداف الإسلام بقيام الدولة الإسلامية وحكومتها "الصالحة التي تطبق وتلبي الحقوق المشروعة للأمة في تحرير الوطن من المستعمر والتخلص من أعوانه وأذنابه" بحسب آرائهم وعقائدهم.

خالد الجبوري، وهو سياسي عراقي انتمى سابقاً إلى الحزب الإسلامي العراقي واستقال منه وتحوّل "إلى الفكر العلماني والليبرالي"، كما يقول لـ"ارفع صوتك"، فإن "الإخوان المسلمين اضطروا مع سقوط النظام البعثي في العراق وظهور الديمقراطية والفكر الليبرالي في البلاد، إلى الظهور العلني".

 

وأضاف أن "حضورهم محظوراً في فترة حكم البعث، فقدموا أنفسهم في البدء كنموذج مسلح مقاوم للاحتلال الأميركي، ثم تحولوا إلى العمل السياسي تحت راية الحزب الإسلامي العراقي".

ويعتبر الحزب الإسلامي العراقي أول الأحزاب العراقية السنية التي وافقت على المشاركة في العملية السياسية في فترة ما بعد سقوط النظام البعثي. كما يعتبر من الأحزاب ذات النفوذ في الساحة السنية العراقية.

 

في كردستان أيضاً

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامان نوح لـ"ارفع صوتك" أن "الإتحاد الإسلامي الكردستاني هو ذراع يمثل الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر، وتوجهاته وأفكاره تصب في هذا السياق".

ويشير نوح إلى أن "الإتحاد من أشدّ المؤيدين لحماس في حرب غزة، ودعا إلى تظاهرات في أكثر من مناسبة، وجمهوره متعاطف جداً مع الحركة".

أفرزت حرب غزة نوعاً من الاستقطاب في الشارع الكردي، وخصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي، كما يقول نوح، بين أحزاب سلفية مقربة من السعودية من جهة والاتحاد الإسلامي والأحزاب المقربة من الفكر الإخواني من جهة أخرى.

فالسلفيون، ويشكّلون أقلية، كان موقفهم الصمت أو انتقاد ما فعلته حماس في غزة، على عكس الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أن ما قامت به حماس عمل بطولي يؤيدونه ويدعمونه.

يرى الصحافي والباحث العراقي ياسين طه، أن "حضور فكر وثقافة الإخوان المسلمين في العراق وفي إقليم كردستان أيضاً، أصبح قوياً بعد حرب غزة، وأن الفروع المتأثرة بالإخوان في العراق وكردستان لم تكن تتبنى سابقاً الخيارات المسلحة والعسكرية والجهادية، وكانت تعارضها".

لكن حرب غزة، كما يلاحظ طه، غيّرت من خطاب هذه الأحزاب، التي بدأت تتبنى العمليات الجهادية وتدعمها بكل ما أوتيت من قوة، عبر المنابر والخطب والحملات المنظمة في مواقع التواصل الاجتماعي".

واليوم، يبدو الحزب الإسلامي العراقي منغمساً في التحشيد لدعم حركة "حماس" في غزة انطلاقاً من "طبيعته الفكرية والفلسفية والدينية والأيديولوجية" المستمدة من حركة الإخوان المسلمين، كما يؤكد خالد الجبّوري.

ويشير إلى أن "هناك تحديات ستواجه الحزب الإسلامي العراقي، خصوصاً أن الشارع السنّي يتعاطف مع الضحايا المدنيين في غزة، وقد يتعاطف مع حماس كحركة مقاومة".

ويشكّك الجبّوري بحسب تقديره، في تعاطف الشارع السني العراقي مع حركة الإخوان المسلمين، ويرى عكس ذلك، لأن الحرب في غزّة تكشف يوماً بعد يوم أن حماس ترتبط بإيران أكثر من ارتباطها بالقضايا السنية، على حد تعبيره.

وفي ذلك يتفق الجبّوري مع رحيم أبو رغيف الذي يرى أن العراق "ليس أرضية صالحة لا فكرياً ولا ثقافياً للتيارات الدينية، ولم تقدم التيارات الإسلامية مشروع دولة في العراق". وبرأيه فإن "الإخواني يبقى يحاول الوصول إلى السلطة. تحصل هذه الحركة على قوتها في العراق من السياسيين الشيعة".

ويعتقد أبو رغيف أن "أدبيات المفاهيم العامة للإخوان ولولاية الفقيه متشابهة، مثل موقع المرشد غير الموجود إلا في هاتين الحركتين، ومفهوم الشورى مشترك بينهما، والإخوان المسلمون في العراق لا يحيدون عن هذه القاعدة، لكن يتوارون، ويمارسون التقية بشتّى أنواعها".