من صفحة الشيخ ياسر عودة الرسمية على فايسبوك
من صفحة الشيخ ياسر عودة الرسمية على فايسبوك

أثار قرار صادر عن "هيئة التبليغ الديني" في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، جدلاً كبيراً في الشارع اللبناني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

القرار سمّى عدداً من المشايخ الذين اعتبرهم "غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية"، وعدّد أسباباً ترتبط "إما بالانحراف العقائدي أو الانحراف السلوكي أو بالجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية".

وجاء فيه، أن "المشايخ غير مؤهلين لارتداء الزي الديني وإنذارهم بخلعه تحت طائلة اعتبارهم منتحلي صفة رجل دين وإجراء المقتضى القانوني بحقهم".

أثار القرار انقساماً داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وقد تراجع عنه المجلس رسمياً في بيان، مؤكداً أنه "لا يعبّر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ولم يطلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب بغض النظر عن مضمونه".

وأضاف: "البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني يعتبر كأنه لم يصدر وينبغي التذكير بعدم نشر أي بيان باسم المجلس الشيعي ما لم يكن موقعاً من رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حصراً".

 

لماذا "الشيخ ياسر عودة"؟

أول الأسماء في القائمة التي استهدفها القرار كان الشيخ اللبناني المعمّم ياسر عودة، وهو رجل دين من مدرسة المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله، وله مواقف معارضة مثيرة للجدل ضد السلطة اللبنانية وضد الحزبين الشيعيين الأساسيين في لبنان "حزب الله" وحركة "أمل".

يقول ياسر عودة في حديثه مع "ارفع صوتك"، إن محاولات إزاحته "بدأت  بدوافع دينية من قبل جهات داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتحول الأمر إلى استهداف سياسي فيما بعد"، على أثر مواقفه المعارضة للسلطة التي يشارك فيها كل من حركة "أمل" و"حزب الله".

ويشتهر عودة بمواقفه المنتقدة للطبقة السياسية منذ ما سميّ بـ"حراك النفايات" عام 2015، على خلفية قضايا اجتماعية ومعيشية يعاني منها الشعب اللبناني. كما اشتهر بأنه يضمّن خطاباته على المنبر الديني نقداً لاذعاً للمسؤولين السياسيين في الطائفة الشيعية في لبنان، وله خطابات ينتقد فيها سلطة رجال الدين، قال في إحداها إن "الاقطاع الديني أسوأ وبمراحل من الاقطاع السياسي".

وتعرّض للهجوم والانتقاد الذي وصل حدّ تهديده بالقتل سنة 2017، والسبب كما يبيّن عودة "اجتزاء قول له من خطاب عن الجنة والنار، حيث اتُهم بأنه يكفر بالنبي محمد، بسبب قوله (حتى محمد مش عارف حاله إذا هو عالنار أو عالجنة)".

كما تعرّض سنة 2019 بسبب مساندته للاحتجاجات الشعبية في لبنان، لحملات تخوين واتهامات بالتعاون مع جهات خارجية.

في قرار "هيئة التبليغ الديني" إشارة إلى عدم أهلية عودة ورجال الدين الآخرين "لارتداء الزي الديني"، يعلّق عودة: "ليس هناك تمييز بالزي الديني في الإسلام، إذا كان الرسول محمد لا يلبس ثياباً تميّزه عن باقي البشر، وكان إذا دخل رجل إلى المدينة يُسأل: أيكم رسول الله؟ وحتى أمير المؤمنين يقال فيه أنه (كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه)".

وفي مقابلة تلفزيونية معه تلت إصدار القرار، صرّح عودة بأنه "يحترم العمامة لكنه لا يقدّس قطعة قماش"، وقام بخلع عمامته البيضاء على الهواء مباشرة قائلاً "سأبقى ما أنا عليه أجهر بالحق ما دمت حياً ولن يسكتني إلّا الموت".

 

خطب عاشوراء

في السياق نفسه، يقول الناشط السياسي والحقوقي واصف حركة، إن "ما حدث مع الشيخ عودة جزء من سلسلة لمحاولة إسكات جميع الأصوات المعارضة للسلطات الحاكمة، ولأنه رجل دين، يحاولون محاربته من داخل المؤسسة الدينية".

ويضيف حركة لـ"ارفع صوتك": "عقلية التحريم ومن ثم التكفير حاضرة في الفكر السياسي، وهي سيف مسلط لإخافة المعترضين، وإذا لم يخافوا تكون الأمور مقدمة لقتل معنوي قد يتحول إلى إيذاء جسدي، وهنا تصير المواجهة خطرة".

ويستشهد في حديثه بقول لعبد الرحمن الكواكبي من كتابه "طبائع الاستبداد" ليدعّم فكرته: "ما من مستبدّ سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الذين يعينونه على ظلم الناس باسم الله".

ويرجّح حركة أن ما أغضب "أمل و"حزب الله"، من عودة "ربما مقارنته من على منبره الحسيني في عاشوراء بين المواجهة التي خاضها الحسين (ثالث الأئمة الشيعة) في كربلاء وبين مواجهة الظالمين والفاسدين، وقوله (لا يمكن للإنسان أن يكون مع خيار الحسين ويسكت عن الظلم والفساد)".

عودة نفسه يعتقد أن يكون سبب الحملة المتجددة ضده مرتبط بالمحاضرات التي ألقاها في عاشوراء.

"لا يمكن التشكيك بعلمهم"

مصدر إعلامي مطّلع عن كثب على ما يحدث داخل المجلس الإسلامي الأعلى، فضّل عدم ذكر اسمه، يوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "لا معطيات دقيقه حول أسباب صدور هذا القرار عن الهيئة العامة للتبليغ الديني، أو عن أبعاد هذا القرار الذي صدر من دون موافقة نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى، ويبدو أيضاً أن حركة أمل وحزب الله غير موافقين عليه".

ويؤكد أن "لا شيء يجمع بين الأسماء المذكورة في القرار"، شارحاً: "هناك مشايخ لديهم آراء سياسية أو فكرية تخالف المجلس، لكن لا يمكن التشكيك بعلمهم مثل الشيخ ياسر عودة، وهناك مشايخ قد يكون هناك ملاحظات على أسلوب عملهم. والمشكلة أن بيان الهيئة خلط بين الجميع ولم يوضح السبب بما يخص كل واحد منهم، وهذا ظلم وافتراء".

هذا الأمر بحسب المصدر، أدى إلى "حصول إرباك في توقيت غير مناسب، وخلق مشاكل داخل البيئة الشيعية، وله آثار سلبية كثيرة".

"يجب انتظار بعض الوقت لمعرفة من يقف وراء ذلك وهل لأسباب شخصية أو هناك جهة سياسية حرّكته"، يتابع المصدر.

لماذا التراجع عن القرار، يرجّح الشيخ ياسر عودة، أنه "ربما يكون تكتيكياً بعدما قاموا بامتحان رد فعل الشارع على القرار وتبيّن لهم أنه قسم الشارع بين مؤيد ومعارض، وظهر أن هناك كثيرا من المتضامنين، وجاءت ردة الفعل عكسية لما أراده أصحاب القرار".

"وربما لقيام أحد السياسيين بالاتصال بالمجلس وطلب سحب القرار كما سمعتُ والله أعلم"، يضيف عودة، مبيناً: "السلاطين في الشرق دائما ما كانوا يحيطون أنفسهم برجال دين يغطّون لهم مشاريعهم السياسية، ويحمونهم بعباءتهم لأجل مصالحهم الدنيوية والمراكز والأموال وخلافها... ما انقطع التاريخ عن وجود رجال دين مع سلاطين الجور".

ويزيد: "هناك قسم من الناس مع الأسف من الشيعة يكرهونني لأنني من مدرسة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، وهناك قسم آخر يكرهني لأنه يعتبرني عدواً للمقاومة، وهذا افتراء".

في الوقت نفسه، يشير إلى "وجود تعاطف كبير مع حالته لمسه من الناس الذين لا يندرجون ضمن هاتين الفئتين".

وكانت صفحة تحت اسم "آية الله محمد حسين فضل الله" على موقع فيسبوك، وهي تابعة لأحد أبناء الراحل فضل الله، نشرت صورة لعودة وهو يرتدي شالاً بألوان العلم اللبناني وعلّقت عليها "كل التضامن والحب والتقدير والاحترام لعلم من أعلام مدرسة السيد محمد حسين فضل الله الشيخ ياسر عودة... لا يضرّكم من كيدهم شيئاً".

لاحقاً، انتشر خبر عن مكالمة هاتفية أجراها علي فضل الله نجل الراحل محمد حسين فضل الله ورئيس مجلس أمناء مؤسساته، بنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب.

جاء فيه، أن "فضل الله أشاد بالموقف الشرعي المسؤول والحكيم الذي اتخذه سماحة الشيخ الخطيب إزاء(سحب) القرار الأخير الذي نسب للمجلس منعاً لأية فتنة على صعيد المؤسسة الدينية وتعزيزا للوحدة الإسلامية، والتي نحن احوج ما نكون إليها في هذه المرحلة الدقيقة التي نواجه فيها أصعب التحديات".

مواضيع ذات صلة:

قَتل داعش خلال الأيام الأولى من الهجوم، بحسب الأرقام التي وثقتها مديرية شؤون الأيزيديين، 1293 أيزيديا.
في أقل من ثلاثة أيام، استعبد داعش أكثر من 6400 أيزيدي معظمهم من النساء والأطفال

يقول أبو حامد الغزالي في كتابه الشهير "إحياء علوم الدين": "المُلك والدين توأمان. فالدين أصل والسلطان حارس. وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع". تشير تلك العبارة إلى العلاقة الوثيقة بين الديني والسياسي في التاريخ الإسلامي. استعان السلطان بالفقيه ليشركه معه في قضايا الدولة والحكم. وبالمقابل، كثيرا ما عبّرت الفتاوى الدينية التي أصدرها الشيوخ والعلماء عن الإرادة السياسية للدول وأصحاب السلطة. 

في هذا المقال نلقي الضوء على مجموعة من الفتاوى المتعصبة في التاريخ الإسلامي التي بررت لأصحاب السلطة القتل والعنف، كما لعبت دورا مؤثراً في تأجيج الفتن والصراعات الطائفية والاجتماعية عبر القرون.

 

فتوى الغزالي ضد الإسماعيلية

 

عاش أبو حامد الغزالي في القرن الخامس الهجري. وحظي بمكانة مرموقة في الدولة السلجوقية التي فرضت سيطرتها على مساحات واسعة في كل من إيران والعراق وآسيا الوسطى. في هذا السياق، كتب الغزالي كتابه الشهير "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، والذي هاجم فيه الشيعة الإسماعيلية، والذين كانوا الأعداء اللدودين للسلاجقة في هذا الوقت.
 في هذا الكتاب، هاجم الغزالي جميع طوائف الشيعة قبل أن يفتي بتكفير الإسماعيلية منهم على وجه التحديد بسبب موقفهم من تأويل بعض الآيات القرآنية. فقال: "والذي نختاره ونقطع به أنه لا يجوز التوقف في تكفير مَن يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها". 

الآغا خان الرابع كريم الحسيني الزعيم الروحي للإسماعيلية النزارية.
"الأقلية الأكثر علمانية".. كيف عاش الإسماعيليون الثورة السورية؟
الإسماعيلية هي الجماعة الشيعية الأكبر بعد الاثني عشرية، ويمتد وجودها إلى أكثر من 25 دولة، كما يقدر أتباعها بحوالي 12 مليونا، ينتشرون في آسيا الوسطى وجنوب آسيا والصين وإيران وكينيا وسوريا واليمن، وبعض دول القارة الأوروبية، كما يوجدون في أميركا أيضا.

بعدها، حكم الغزالي بردة الإسماعيلية: "والقول الوجيز فيهم أنه يُسلك لهم مسلك المرتدين في النظر في الدم والمال والنكاح والذبيحة... ولا سبيل إلى استرقاقهم، ولا إلى قبول الجزية منهم، ولا إلى المن والفداء، وإنما الواجب قتلهم وتطهير وجه الأرض منهم". 

اُستخدمت تلك الفتوى على نحو سيء من قِبل السلطة السلجوقية. بموجبها، قُتل المئات من الشيعة في شتى أنحاء إيران، كما اُضطهد الآلاف منهم بسبب انتمائهم المذهبي. بعد سنوات من إصدار تلك الفتوى، اختار الغزالي أن يتنازل عن كل المميزات التي حصل عليها من الدولة السلجوقية، وترك عمله في المدرسة النظامية، لينطلق في رحلة طويلة في العديد من البلدان الإسلامية. على الرغم من أنه لم يُعلن صراحةً عن تراجعه عن فتوى تكفير الإسماعيلية، إلا أن بعض أفكاره الميالة للتسامح ظهرت بشكل واضح في العديد من كتبه المتأخرة، ولا سيما كل من "إحياء علوم الدين"، و"فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة".

 

فتوى ابن تيمية في أهل كسروان

 

عاش الفقيه الحنبلي تقي الدين ابن تيمية في القرن السابع الهجري. وعُرف بأفكاره الحادة التي مالت لتفسيق وتكفير العديد من الفرق الإسلامية المعاصرة له. في هذا السياق، اشتهر ابن تيمية بجملته "يُستتاب وإلا قُتل". وهي الجملة التي اعتاد أن يرد بها على العديد من الأسئلة التي وجهت إليه من قِبل طلابه ومريديه، كما تُعد فتوى تكفير أهل كسروان (في لبنان حاليا) واحدة من بين أكثر الفتاوى الدموية التي قال بها ابن تيمية طوال حياته.

يذكر الباحث جمال باروت في كتابه "حملات كسروان.. في التاريخ السياسي لابن تيمية" أن هناك اختلافاً كبيراً حول دين ومذهب أهل كسروان الذين أفتى ابن تيمية بتكفيرهم. والمُرجح أنهم كانوا من الشيعة الإمامية الاثني عشرية. يذكر باروت أن أهل كسروان هاجموا الجيش المملوكي المنهزم أمام المغول في معركة وادي الخزندار سنة 699ه، وأن المماليك كانوا ينتظرون الفرصة المواتية للانتقام منهم.

أفتى ابن تيمية بتكفير أهل كسروان، ومنح المماليك بذلك السند الشرعي للقتال. يقول ابن تيمية واصفا أهل كسروان: "إن اعتقادهم أن أبا بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، وجمهور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان وأئمة الإسلام وعلماءهم أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ومشايخ الإسلام وعبادهم، وملوك الإسلام وأجنادهم، وعوام المسلمين وأفرادهم، كل هؤلاء عندهم كفار مرتدون، أكفر من اليهود والنصارى، لأنهم مرتدون عندهم، والمرتد شرّ من الكافر الأصلي". 

بموجب تلك الفتوى تحركت الجيوش المملوكية في سنة 1304 إلى منطقة كسروان. وقُتل المئات من السكان المسالمين، في واحدة من أبشع المذابح الدموية التي عرفها التاريخ الإسلامي.

وبعث ابن تيمية رسالة تهنئة إلى الملك الناصر بعد نجاح حملته ضد أهل كسروان. يقول فيها: "إن ما من الله به من الفتح والنصر على هؤلاء الطغام هو من عزائم الأمور التي أنعم الله بها على السلطان وأهل الإسلام".

من الجدير بالذكر، أن تلك الفتوى تخالف العديد من الفتاوى الدينية التي قال بها علماء مسلمون آخرون على مر القرون. وهي الفتاوى التي لا ترى في الاختلاف المذهبي سبباً للكفر أو الخروج عن الدين.

 

فتاوى الصراع العثماني الصفوي

 

في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، اندلعت الحرب الدموية بين العثمانيين والصفويين. كانت العراق ميداناً لتلك المواجهات الدموية التي اختلط فيها السياسي بالديني. وتبادل الطرفان الانتصار والهزيمة لمرات عديدة، قبل أن تُعقد بينهما بعض المعاهدات السلمية في منتصف القرن السادس عشر.

خلال تلك المعارك الطاحنة، تم استدعاء الأبعاد المذهبية في الصراع. كان العثمانيون على مذهب أهل السنة، بينما كان الصفويون شيعة إمامية اثني عشرية. وتبادل الطرفان العديد من الفتاوى الدموية التي عملت على صبغ الحرب بالصبغة الطائفية.

على سبيل المثال، في سنة 1541م، كتب أحد رجال الدين العثمانيين السنة، ويُدعى حسين بن عبد الله الشرواني، رسالة بعنوان "الأحكام الدينية في تكفير القزلباش". أفتى الشرواني في تلك الرسالة بجواز قتل الشيعة. وقال إن "مَن قتل واحداً من هذه الطائفة الملعونة، فكأنما قتل وغزا سبعين نفراً من أهل الحرب بل أكثر". على الجهة المقابلة، كتب العالم الشيعي محمد باقر المجلسي كتابه الموسوعي "بحار الأنوار"، وأفتى فيه بتكفير عدد كبير من الصحابة. وقال بأن "كل مَن يحبهم -أي الصحابة- كافر، وكل مَن يشك في كفرهم فلعنة الله ورسوله عليه وعلى كل مَن يعتبرهم مسلمين، وعلى كل مَن لا يكفّ عن لعنهم".

 

فتوى قتل الإخوة للحفاظ على العرش

 

هناك أيضاً بعض الفتاوى التي أباحت إراقة الدماء للحفاظ على العرش والمُلك. من أشهر ذلك النوع من الفتاوى فتوى قتل الإخوة التي أفتى بها بعض رجال الدين في الدولة العثمانية. يذكر المؤرخ التركي المعاصر خليل إينالجيك، في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار"، أن السلطان محمد الفاتح أكد صراحةً على حق السلطان الجديد في التخلص من أعدائه المحتملين، حتى ولو كانوا من إخوته. نص الفاتح على ذلك في القوانين التي أصدرها تحت اسم "قانون نامة". ورد في تلك المجموعة: "وأيّ شخصٍ يتولّى السُّلطة من أولادي فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم". لكن العديد من الباحثين يشككون في صحة "قانون نامة"، ويشددون على أن السلطان محمد الفاتح لم يصدر أبداً نصاً بإباحة قتل الأخوة.

وبغض النظر عن مدى صحة "قانون نامة"، فإن بعض الفقهاء لم يترددوا في تأييد هذا الطرح. على سبيل المثال، قال الفقيه الحنبلي مرعي بن يوسف الكرمي في كتابه المشهور "قلائد العقيان في فضائل آل عثمان": "ومن فضائل آل عثمان قتل أولادهم الذكور خوفاً من الفتن، وفساد ملكهم واختلاف الكلمة وشق العصا بين المسلمين، وهذا الأمر لم يسبقهم إليه أحد فيما أعلم. وهو وإنْ كان أمراً ينفر منه الطبع السليم بحسب الظاهر، لكنه في نفس الأمر خير كبير ونفع كثير".

أيد الكرمي فتواه بآراء مجموعة من الفقهاء والعلماء الذين أجازوا للسلاطين العثمانيين القتل والاغتيال في سبيل الحفاظ على السلطة. بموجب تلك الفتوى تم قتل العديد من الأمراء العثمانيين، كما أقدم بعض السلاطين على إعدام إخوته خوفاً من تمردهم عليه في المستقبل. 

هوجمت تلك الفتوى على نطاق واسع من جانب أكثر رجال الدين المسلمين في القرون السابقة. واُعتبرت فتوى شاذة، وأنها سقطة في تاريخ الدولة العثمانية. 

 

فتوى الخميني بهدر دم سلمان رشدي

 

صدرت في سنة 1988م رواية آيات شيطانية للكاتب البريطاني سلمان رشدي. أثارت الرواية ردود أفعال غاضبة واسعة النطاق. بعث متشددون برسائل تهديد للمؤلف ولدار النشر التي أصدرت الرواية. ومُنع الكتاب من التداول في أغلبية الدول الإسلامية، كما خرجت عشرات المظاهرات للتنديد به في كل من الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وإيران، والسودان، وغيرها. وأُحرق عدد كبير من نسخ الرواية في إنجلترا من قِبل المسلمين المحتجين.

لكن تظل الفتوى الصادرة عن رجل الدين آية الله الخميني، المرشد الأعلى السابق للجمهورية في إيران أشهر ردود الأفعال الغاضبة. أهدر الخميني دم سلمان رشدي بصفته مرتداً، وقال في فتواه: "إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون "الآيات الشيطانية" الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته قد حكموا بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم؛ كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام، ومن يُقتل في هذا الطريق فهو شهيد".

بسبب تلك الفتوى، تعرض رشدي للعديد من محاولات الاغتيال. كانت آخر تلك المحاولات تلك التي وقعت في الثاني عشر من أغسطس سنة 2022م، عندما تعرض الكاتب البريطاني للطعن في عنقه من قبل متطرف أثناء استعداده لإلقاء محاضرة في قاعة بولاية نيويورك الأميركية. من جهة أخرى، تعرضت فتوى الخميني لانتقاد العديد من المفكرين المسلمين، والذين رأوا فيها دعوة لنشر الإرهاب الفكري. 

 

فتوى تصفية جماعة الإخوان المسلمين

 

سقط حكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في الثالث من يوليو سنة 2013م. زُج بعناصر جماعة الإخوان المسلمين في السجون. وشهدت مصر سلسلة من أحداث العنف التي لم تتوقف على مدار عدة سنوات. في هذا السياق، أفتى بعض رجال الدين المؤيدين للسلطة الجديدة بإباحة اللجوء للقوة ضد عناصر جماعة الإخوان المسلمين لكونها "جماعة إرهابية تخريبية" تستهدف إسقاط الدولة المصرية.

كانت فتوى مفتي مصر الأسبق علي جمعة من أشهر تلك الفتاوى على الإطلاق. أفتى جمعة في أحد المؤتمرات التي حضرها العشرات من القيادات العسكرية بجواز قتل عناصر الجماعة. شبههم في فتواه بالخوارج ووصفهم بكلاب أهل النار. وتابع قائلاً: "اضرب في المليان، إياك أن تضحي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء... طوبي لمن قتلهم، وقتلوه... كان يجب أن نطهر مدينتنا من هؤلاء الأوباش... يجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب". انتقد الكثيرون كلام علي جمعة، وشددوا على خطأ تلك الفتوى وأنها صدرت لأهداف سياسية.

 

فتاوى داعش ضد الأيزيديين 

 

في سنة 2014م، اجتاحت قوات تنظيم "داعش" شمال العراق. وتمكنت من السيطرة على الموصل ونينوى، ليجد الأيزيديون الذين يعيشون في تلك المنطقة أنفسهم أمام واحد من أكثر التنظيمات المتطرفة في العالم في الفترة الأخيرة.

في أقل من ثلاثة أيام، استعبد داعش أكثر من 6400 أيزيدي معظمهم من النساء والأطفال. وبعد شهرين من احتلال سنجار، وزع التنظيم على مقاتليه كتيبا من 10 صفحات بعنوان "سؤال وجواب في السبي والرقاب"، أباح فيه سبي الأيزيديات، كما يرد في مقال سابق على "ارفع صوتك".

تعرضت فتوى داعش في حق الأيزيديين للانتقاد من قبل الكثير من الشخصيات والمؤسسات الإسلامية. من بينها دار الإفتاء المصرية، التي وإن لم تنكر تشريع الإسلام للسبي في الأصل، فقد اعتبرته بات محرما في الوقت الراهن.

في سنة 2015، أصدرت الدار، بناء على طلب من اتحاد علماء كردستان العراق، فتوى تقول إن مشاركة الدول الإسلامية في الاتفاقيات المتعلقة بإلغاء الرق في العالم تلغي الرق شرعيا.

واستشهدت دار الإفتاء بالاتفاقية الدولية لتحرير الرق في برلين سنة 1860 التي شاركت فيها دولة الخلافة العثمانية واتفاقية منع الرق سنة 1926 التي وقعتها الدول الأعضاء في عصبة الأمم.

بالنسبة لدار الافتاء المصرية، تعطل هذه الاتفاقيات كل أحكام الرق شرعيا. تقول الدار "بذلك ارتفعت كل أحكام الرقيق وملك اليمين المذكورة في الفقه الإسلامي لذهاب محلها، وصار الاسترقاق محرما لا يجوز".