"ليبيا ذنبها غير مغفور"، بهذه العبارة أجاب زعيم التيار الصدري رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مئات الآلاف من متابعيه في معرض ردٍ على سؤالٍ وصله بشأن انتشار الزلازل والفيضانات في دول العالم الثالث.
برّر الصدر وقوع الكوارث في المغرب بسبب "التطبيع مع إسرائيل"، أما ليبيا فطالتها العقوبات بسبب "عدم الكشف عن مصير سيد المقاومة العربية موسى الصدر" على حدّ تعبير رجل الدين الشيعي.
وفي تدوينة أخرى نشرها عبر موقع إكس (تويتر سابقاً) دعا الصدر المغاربة لـ"الاستغفار والابتعاد عن الذنوب حتى تنجلي عنهم آثار الزلزال".
وسبَق للصدر بأن عبّر عن آراء مشابهة في بداية هذا العام بعدما أكّد أن وقوع الزلزال في تركيا وسوريا جاء بسبب موقف هذه الدول المُخزي من حرق المصحف في السويد، معتبراً أن العراق "أصيب ببعض الهزّات الارتدادية من الزلزال لأن شعبه عبّر عن "وقفة خجولة دعماً للقرآن". وحتى هذه اللحظة لم تتزامن هذه الاتهامات للضحايا، مع أي دعوة صادرة عن الصدر لدعم جهود الإنقاذ ومساعدة المتضررين، كما يلاحظ عدد من روّاد مواقع التواصل الإجتماعي.
موقف النبي محمد
تُوفي إبراهيم ابن نبي المسلمين محمد وهو في الرابعة من عُمره، تزامَن هذا الحدث مع وقوع خسوف للشمس فاعتبر بعض الصحابة أن الشمس حزينة على وفاة ابن النبي، تفسيرٌ رفضه الرسول قائلاً "إن الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته".
على الرغم من هذا النهي النبوي الصريح عن ربط الكوارث الطبيعية بوقائع من حيوات البشر فإن هذا الأمر تكرّر كثيراً في أغلب الحضارات الإنسانية والأديان السماوية كالمسيحية والإسلام حتى أنه يمتدُّ بنا إلى الحضارة اليونانية القديمة التي اعتقدت أن الزلازل والأعاصير من فِعل بوسيدون أحد آلهة الأوليمب.
طيلة عهد النبي لم تشهد المدينة أي زلزال وإنما وقع في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، الذي فسّره على أنه عقاب إلهي فخطب في الناس قائلاً "ما كانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبداً".
كذلك أدّى زلزال لشبونة 1755م إلى مراجعة شاملة في الفكر الديني المسيحي بعدما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف من السكان وتهدّم الكثير من المباني على رأسها الكنائس، وجرت مشاحنة فلسفية بين الفيلسوفان الفرنسيان فرانسوا فولتير وجان جاك روسو حول مدى مسؤولية الله واستحقاق البشر للتعرّض لكارثة بهذا الحجم.
من وقتٍ إلى آخر تحاول الجماعات الدينية تعزيز حضورها عبر استغلال الكوارث الكبرى مثلما فعلت جماعات مسيحية وزّعت عشرات النسخ من الأناجيل على الناجين من زلزال تركيا في بداية هذا العام في محاولة منها للتبشير، وهي الخطوة التي أثارت انتقاداً من الحكومة التركية وقتها.
انتقادات للصدر
في 2018 اجتاحت السيول أغلب المحافظات العراقية وشلّت الحركة المرورية في البلاد. لم يعتبر الصدر هذه السيول عقاباً لأهل العراق وإنما دعا للتفاعل معها إيجابياً مناشداً رجال الدفاع المدني لإغاثة المتضررين وأعرب عن استعداد رجال تياره للتعاون معهم لتخفيف آثار الأزمة.
بعدها بعام أظهر الصدر رأياً مشابهاً إزاء سقوط أمطارٍ غزيرة فوق العراق، داعياً لعدم اتّخاذ أي موقفٍ تجاه الطبيعة معتبراً انه لا يجوز الاعتراض على أفعال الله، قائلاً "إن أمطرت جزعتم منها وان اجدبت جزعتم، لا بذا يرضى ولا بذي.. قتل الإنسان ما أكفره".
هذه المرة، ومع زلزال المغرب واعصار ليبيا، أظهر الصدر موقفاً مختلفاً وما أن طرح تغريدته "المثيرة للجدل" حتى انهالت الانتقادات عليه معتبرة ما كتبه نوعاً من "الشماتة" في الضحايا.
ذكّره أحد المتابعين بأن إيران ضربها زلازل منذ سنوات وتسبب في وقوع مئات الضحايا، ورغم ذلك فإن مقتدى لم يعتبر أن إيران ممتلئة بالمعاصي مثلما فعل مع المغرب وليبيا.
فيما اعتبر آخر أن الصدر منح نفسه الحقّ في تصنيف الناس وفقاً لمقياس الإيمان والكُفر وهي صلاحية لا يملكها إلا الله وحده.
كما أعرب غيرهم عن الاستغراب من أن يكتفي الصدر بهذا التعليق بحق شعبٍ مسلم يتعرّض لكارثة دون أن يمدَّ لهم يد المساعدة بدلاً من التشفي.
"الشماتة ليست من الإسلام"
في معرض تعليقه على تصريحات الصدر يؤكد عبد الغني هندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، "أنه إذا كان النبي قد رفض الانسياق وراء الصحابة بأن الطبيعة غاضبة لموت ابنه، فمن باب أولى ألا تغضب الطبيعة من أجل موسى الصدر"، واصفاً كلام الصدر بأنه "غير موفق".
وفي حديثه لـ"ارفع صوتك" يفرّق هندي بين البلاءات التي يتعرض لها الإنسان عبر الكوارث أو غيره فهي كفارات للذنوب، وبين الناس الذين يقضون نتيجة هذه المصائب وهم ليسوا أشراراً ولا يستحقون الشماتة في موتهم.
ويرى هندي أننا "حتى لو قِسنا الأمور بطريقة الصدر" فإن "الشعب الليبي ليس مسؤولاً عن اختفاء موسى الصدر لأنه ليس ولياً ولم يكن له رأي فيما وقع لرجل الدين اللبناني في عهد معمّر القذافي".
هندي يدعو أنصار الصدر والعراقيين عموماً إلى مواساة الناس في مصابهم بدلاً من اتّباع الشماتة والكيد، التي وصفها بأنها "ليست من شيم الإسلام".