الموصل ـ متين أمين:
كغيره من المزارعين في ناحية القيارة جنوب الموصل، بات إيضاح عبدالله (31 عاماً) اليوم بلا عمل بعد الدمار الذي لحق بالأراضي الزراعية جراء حرائق آبار النفط وتفجيرات كبريت المشراق التي أحدثها داعش عام 2016.
يجلس عبدالله في حديقة منزله في قرية السفينة التابعة للقيارة، منتظراً أي فرصة عمل توفر له ولعائلته المكونة من 21 فرداً. ملامح الحزن تطغي على وجهه. تزداد هذه الملامح عمقاً كلما تحدث عن أرضه الزراعية.
يملك عبدالله أرضا زراعية تفوق مساحتها الـ50 دونما. هذه الأرض لن تصلح للزراعة أبداً بعد سيلان الكبريت المنصهر والمخلفات السامة المحترقة الأخرى فيها.
بدأت الكارثة البيئية في القيارة منذ منتصف تموز/ يوليو من عام 2016 عندما كانت القوات العراقية تتقدم لتحريرها. حينها بدأ مسلحو داعش يفجرون آبار النفط في حقولها التي تحتضن نحو 97 بئراً نفطياً.
ومع انسحاب التنظيم منها، واستعادة القوات الأمنية السيطرة عليها في 25 آب/ أغسطس من العام ذاته، بلغت أعداد الآبار التي فجرها التنظيم 22 بئراً، وغطت السحب السوداء سماء هذه الناحية والقرى الواقعة على أطرافها، بينما سال القير المنصهر فوق أراضيها الزراعية وبين منازلها وأزقتها.
لم يتوقف التنظيم عند تفجير الآبار، بل فجر الشركة العامة لكبريت المشراق في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2016 قبل اقتراب القوات العراقية من الشركة، فتوسعت الكارثة وأصبحت أكثر خطورة، واستمرت لنحو ثمانية أشهر حتى تمكنت الفرق الفنية العراقية من إطفاء الآبار واحتواء الكارثة في 28 آذار/ مارس من عام 2017.
خسائر فاقت 70 مليار دينار
يكشف علي عبدالحسين (32 عاماً)، وهو موظف حكومي يعمل مسؤولا عن شعبة الموازنة في قسم التخطيط والمتابعة في الشركة العامة لكبريت المشراق التابعة لوزارة الصناعة والمعادن العراقية، عن الخسائر التي لحقت بشركة الكبريت، ويقول لموقع (ارفع صوتك) "خسائر الشركة فاقت السبعين مليار دينار عراقي".
لا يبعد منزل عبدالحسين سوى 300 متر عن مقر الشركة التي فجرها داعش وفجر معها آلاف الأطنان من الكبريت ومواد الشب والكبريت الزراعي والفوم، التي كانت مخزونة في ساحات الشركة.
لم يكن عبدالحسين حينها موجودا في المنطقة بل كان نازحا في أربيل، لكنه عاد اليها مع عائلته بعد أيام وكانت النيران مشتعلة في الشركة فأصيب هو وأفراد عائلته بالتهابات وحساسية مزمنة في الجهاز التنفسي ما زالوا يعانون منها ويتعرضون لوعكات صحية مع استنشاق أي روائح غريبة.
يشير عبدالحسين الى أن أحد أقاربه توفي قبل نحو شهر، بسبب التليف الرئوي الناجم عن استنشاق غازات الكبريت السامة، وكان المتوفي يعمل معه في الشركة موظفا.
أمراض مزمنة ووفيات
عائلة عبدالحسين ليست الوحيدة التي تعاني من أمراض مزمنة بسبب التلوث البيئي، فغالبية سكان القيارة يعانون من حالات مرضية مشابهة.
ويحذر الناشط المدني، خيري الجبوري، الذي يعيش في الناحية من المخاطر طويلة الأمد التي خلفتها الحرائق. ويؤكد "تحدثنا مع العديد من المسؤولين الحكوميين والسياسيين بخصوص الآثار التي تعاني منها الناحية لكن لم نتلق أي استجابة".
بدوره يسلط أحمد مهدي، الممرض في مستشفى منظمة أطباء بلا حدود الدولية في القيارة، الضوء على أبرز الحالات المرضية المتفشية بين سكان الناحية.
ويقول لموقع (ارفع صوتك) "نستقبل يومياً عدة حالات مرضية أبرزها التهابات وحساسية مزمنة في الجهاز التنفسي، إضافة الى التليف الرئوي والتدرن والربو، وهناك حالات تشوه خلقية بدأت تظهر بين الأطفال حديثي الولادة".
ويلفت إلى أن المستشفى الذي يعمل فيه استقبل خلال الأشهر الأولى بعد التحرير أكثر من 700 مريض، مضيفاً أن أعداد الوفيات التي سُجلت بسبب التلوث تتراوح حتى الآن ما بين 18 إلى 24 حالة وفاة.
المتضررون والتعويضات
ويكشف مدير ناحية القيارة، صالح الجبوري، أن لجنة التعويضات الخاصة بالناحية باشرت عملها في تسجيل المتضررين.
ويردف لموقع (ارفع صوتك) "ستستلم اللجنة المعاملات من المتضررين، وسترفعها الى لجنة التعويضات المركزية ونأمل خيراً من هذه الخطوة".
ويشير إلى أن الناحية تحتاج إلى إعادة البنى التحتية لدوائر ومؤسسات الدولة، وتبليط الشوارع، وتأهيل المدارس والمستوصفات الصحية ومشاريع الماء، وكل مقومات الحياة.