المزارع رضوان هزاع يستريح قرب إحدى قنوات المياه في حقله بدير العصافير في الغوطة الشرقية.
المزارع رضوان هزاع يستريح قرب إحدى قنوات المياه في حقله بدير العصافير في الغوطة الشرقية.

يستعدّ المُزارع رضوان هزاع لغرس مئات شتلات الرمان الفتيّة في أراض يملكها في الغوطة الشرقية لدمشق، في محاولة لتعويض أكثر من ثلاثة آلاف شجرة خسرها بعدما ضاعت حرقاً أو عطشاً خلال سنوات الحرب.

وشكلت الغوطة الشرقية قبل اندلاع النزاع في العام 2011 السلّة الغذائية لدمشق، لحقولها الشاسعة الغنية بالمزروعات والأشجار المثمرة والحبوب عدا عن مزارع المواشي، لكنها لم تسلم من تداعيات القصف والحصار على مدى أكثر من ست سنوات.

في بلدة دير العصافير، ينهمكُ المزارع الخمسيني في فتح قناة ري جديدة في أرضه. تتبلل قدماه بالمياه بعد تدفق كميات كبيرة من مياه بئر حفره قبل أسابيع، إثر أمطار غزيرة شهدتها البلاد، أدت لارتفاع منسوب المياه الجوفية والأنهار، ويأمل أن يستفيد منها لري الشتلات الجديدة.

في بلدة دير العصافير، ينهمكُ المزارع الخمسيني رضوان هزاع في فتح قناة ري جديدة في أرضه

​​ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: "عندما رأيت أرضي محروقة، جثوت باكياً وشعرت أن عليّ البدء من الصفر مجدداً (...) استدنت بعض المال وبدأت مرة أخرى الزرع مع بقرتين وعدد قليل من الدجاج".

وعلى غرار كثيرين من مزارعي المنطقة، خسر رضوان خلال الحرب معظم أشجاره من الرمان والمشمش والجوز، ولم تنج إلا عشرات الأشجار فقط، بينما باتت بقية أرضه عبارة عن جذوع مقطوعة أو أغصان محروقة.

 ونزح رضوان مع بدء المعارك في العام 2012 من بلدته إلى دمشق، ليعود في العام 2018 بعدما تمكن الجيش من السيطرة على كامل المنطقة، إثر هجوم عسكري واسع ضد الفصائل المعارضة بعد سنوات من المعارك، انتهت في نيسان/أبريل 2018 بإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي الفصائل إلى شمال غرب البلاد بعد اتفاق تسوية أبرمته روسيا بين الطرفين.

ويراهن هذا المزارع على وفرة المياه الجوفية لإعادة انعاش أرضه. ويقول: "كنا نضطر لحفر 150 متراً بهدف إخراج المياه من البئر، أما هذه السنة فحفرنا أربعين متراً فقط لتتدفق المياه بغزارة".

خسائر لا تعوض

وتدفّق نهر بردى هذا العام وصولا إلى أنحاء الغوطة الشرقية كافة، جراء استمرار سقوط الأمطار حتى شهر أيار/مايو.

ووجد الفلاح بسام اللاز بدوره الفرصة مواتية لتربية المواشي من جديد، بعدما نمت الأعشاب بكثافة في أرضه وبات بإمكانه "تأمين علف طبيعي بدون كلفة".

في مزرعته في دير العصافير، يقود بسام (50 عاماً) إحدى بقراته نحو وعاء معدني كبير مملوء بالمياه. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية بينما التراب يغطي بنطاله الأسود: "هذه أول سنة تأكل البقرات فيها من أعشاب أرضي بدلاً من أن أشتري لها العلف" منذ بدء النزاع.

ويتابع: "كنت أحزن حين أرى أشجاري وأبقاري تموت واحدة تلو الأخرى، كما لو أنّني أفقد ولداً من أولادي".

في مزرعته في دير العصافير، يقود بسام إحدى بقراته نحو وعاء معدني كبير مملوء بالمياه.

​​يتعاون بسام مع أفراد عائلته للعمل في الزراعة وتربية المواشي، حالهم كحال معظم سكان الغوطة الشرقية التي لطالما كانت معروفة "بكثرة ما تنتجه من محاصيل زراعية ومنتجات حيوانية"، كالبيض واللبن والخضراوات التي كانت تصل أسواق دمشق يوميا.

وتراجعت أعداد قطعان المواشي، وفق تقرير صادر عن المركز السوري لبحوث السياسات في أيار/مايو، نتيجة مقتلها أثناء الاعمال القتالية أو تهريبها وذبح العديد منها جراء عدم القدرة على توفير العلف "خصوصاً في المناطق المحاصرة والساخنة" وبينها الغوطة الشرقية.

تكبر ابتسامة أبو رضا كلّما رأى المياه تتدفّق من بئر صغير حفره، ويقول "عندما جاء المطر، عمّ الخير على الأرض والحيوان والإنسان".

وبعد أكثر من عام على توقف المعارك في دمشق ومحيطها، يعرب بسام عن "سعادة غامرة" حين يرى عروقاً خضراء تفتحت على أشجاره، لكن ذلك لم يمح غصة ترافقه.

ويوضح "بعض الخسائر لا تعوّض.. فقدنا أشجار زيتون عمرها أكثر من 500 سنة".

تسببت الحرب طيلة ست سنوات في إتلاف مئات الأشحار في الغوطة الشرقية

​​وتسبب الحصار الذي تعرضت له الغوطة الشرقية بين العامين 2013 و2018 بلجوء السكان إلى قطع الأشجار من أجل التدفئة في ظل فقدان المحروقات. وتراجعت نسبة الاهتمام بالأراضي والمحاصيل الزراعية.

 "رئة" دمشق

في مقر بلدية دير العصافير، يجتمع مختار البلدة أحمد الحسن مع عدد من الفلاحين ويسجل طلباتهم ومستلزماتهم لهذا الموسم، ويتعلق معظمها بلوازم الزراعة والري واستصلاح الأراضي. ويطمئن المزارعين بأن "أراضيهم ستعود كما كانت".

ويلفت إلى أنّ "الناس كانت مكتئبة وحزينة رغم انتهاء الحرب، ولولا موسم المطر لما تشجعت أن تزرع"، مشدداً على أنّ "الغوطة هي سلة الشام الغذائية ومصدر طعامها الأول وهي رئة دمشق التي تتنفس من خلالها".

وتحتل الغوطة مساحة 10400 هكتار، أكثر من نصفها عبارة عن أراض زراعية، وتعدّ الزراعة المهنة الأساسية لمعظم سكان غوطة دمشق، إذ "لا يخلو منزل من أرض زراعية مجاورة، فيها الأبقار والدجاج، والجميع يعمل في هذه الأرض، كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءً" وفق الحسن.

وفقدت الغوطة الشرقية أكثر من ثمانين في المئة من أشجارها نتيجة يباسها أو قطعها أو إحراقها، وفق ما يشرح رئيس دائرة الزراعة في الغوطة الشرقية محمد محي الدين لفرانس برس. ويوضح "هناك بلدات لم تسلم فيها أي شجرة، ووصلت نسبة الضرر فيها إلى مئة في المئة على غرار بلدة المليحة".

يتجول محي الدين في شارع فرعي يصل مدينة جرمانا ببلدة دير العصافير تحت أشعة شمس حارقة، تحيط به جذوع أشجار مقطوعة. ويتحسّر "لم يكن هذا الطريق يرى الشمس لكثرة الأشجار المتعانقة التي شكلت ظلاً امتد لكيلومترات عدة، أما اليوم فبات أشبه بالصحراء".

ويقدّر حاجة المنطقة إلى "عشر سنوات لتستعيد غطاءها الأخضر، وخمس سنوات على الأقل لتتمكن الأشجار مرة أخرى من الحمل ووضع الثمار".

*ماهر المونس، وكالة الصحافة الفرنسية

 

مواضيع ذات صلة:

فيما تؤكد وزارة الزراعة أن السماد يحتوى موادا مشعة، تؤكد وزارة الصناعة ذلك.
فيما تؤكد وزارة الزراعة أن السماد يحتوى موادا مشعة، تؤكد وزارة الصناعة ذلك.

أثارت لجنة الزراعة والأهوار في البرلمان العراقي الجدل بعد مطالبتها رئيس مجلس النواب وهيئة النزاهة والمدعي العام بإيقاف عقد تجهيز سماد روسي غير صالح للاستخدام كونه "عالي الإشعاع"، ويمكن أن يتسبب بـ"كارثة كبرى حال توزيعه على المزارعين".

وسماد الداب (DAP) هو اختصار لفوسفات ثنائي الأمونيوم، حيث يعتبر من أكثر الأسمدة استخداماً في العالم، وله محتوى غذائي مرتفع على شكل حبيبات جافة أو مساحيق قابلة للذوبان في الماء يسهل على الجذور امتصاصها واستخدام العناصر الغذائية فيها.

وقال رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان لـ"ارفع صوتك" إن الإجراء الذي اتخذته لجنته جاء على خلفية "معلومات توفرت من قبل بعض الناشطين وفي مقدمتهم النائب السابق رحيم الدراجي". وبما إن لجنته "هي الجهة المسؤولة عن الرقابة على جميع ما يتعلق بالقطاع الزراعي في العراق، فقد قامت بمخاطبة الجهات المسؤولة للوقوف على كافة تفاصيل العقد الذي تم بموجبه استيراد سماد الداب".

وكان النائب السابق في البرلمان العراقي رحيم الدراجي نشر على مواقع التواصل مقطع فيديو وجه من خلاله نداءات إلى الجهات المعنية لإنقاذ العراق مما أسماها "جريمة قتل جماعية بسبب سماد الداب المسرطن"، مبينا أنه "حصل على كتاب رسمي صادر من وزارة البيئة بأن المادة غير مستوفية من الناحية الإشعاعية وغير مسموح تداولها".

وبحسب رئيس لجنة الزراعة، فإنه على إثر انتشار تلك النداءات على مواقع التواصل،  "خاطبت اللجنة رئيس هيئة النزاهة ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس مجلس النواب لإيقاف عقد أبرم من قبل وزارة الزراعة لاستيراد 300 ألف طن من مادة سماد الداب الروسي الصنع التي وزعت على مخازن الشركة العامة للتجهيزات الزراعية". وحسب اللجنة، فإن "السماد غير صالح للاستخدام حيث إنه عالي الإشعاع ويتسبب بكارثة كبرى في البلد إذا تم توزيعه إلى المستخدمين".

الخطاب الذي تحدث عنه الجبوري، وحصل "ارفع صوتك" على نسخة منه، تحدث عن الطريق الذي سلكه السماد للوصول إلى الأراضي العراقية، حيث "تم وصول وجبة أولى من هذا السماد طريق عن تركيا ومن ثم منفذ ابراهيم الخليل، ليتم بعد ذلك توزيعه على مخازن الشركة العامة للتجهيزات الزراعية". 

وطالبت اللجنة بـ"إيقاف العقد الموقع من قبل وزارة الزراعة والتحفظ على الكميات الموجودة في المخازن وإجراء تحقيق شفاف وعادل عن صلاحية هذه المادة للاستخدام ويكون الفحص للمادة من قبل الجهات الحكومية الرسمية المختصة".

وبحسب مستشار لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب صباح موسى، فإن المادة "تم اكتشافها من قبل مركز الوقاية من الإشعاع، إحدى تشكيلات وزارة البيئة التي تمتلك أجهزة متطورة قادرة على رصد وتحديد النسب المسموح بها من الإشعاع. وبعد إرسال نماذج من مادة سماد الداب تبين بعد الفحص بأن هناك نسبة غير مسموح بها من الإشعاع، فتم رفض تلك المادة وإرجاعها".

وأضاف المستشار أنه تمت استضافة مسؤول مخول من قبل المديرية العامة للأسمدة التابعة لوزارة الصناعة. وكانت "بعض إجاباته عن الأسئلة التي تم طرحها غامضة وغير واضحة مع الأسف، فيما يتعلق بالمواد المستوردة من روسيا. وقال إنها تشكل قيمة مضافة وكأنه أراد إبلاغنا أن الخط الإنتاجي موجود لكنه غير متكامل، أي أنه يحتاج إلى مواد أولية". وبسبب الإجابات التي تم تقديمها، يضيف مستشار لجنة الزراعة والمياه والأهوار: "لم نفهم إذا ما كان المعمل الذي تم افتتاحه في البصرة خط إنتاجيا أم خط تعبئة فقط".

وكان وزير الصناعة منهل الخباز افتتح قبل شهرين معمل سماد الداب في محافظة البصرة والذي تمَّ إنشاؤه بالمُشاركة مع شركة "تربل أي" بطاقة إنتاجية 1500 طن يومياً. وضِمنَ مراسيم حفل الافتتاح تم أيضا توقيع عقد سنوي بين المصنع ووزارة الزراعة لتزويدها بمُنتج سماد الداب وبكمية 50 ألف طن كمرحلة أولى.

وأوضح المستشار صباح موسى أن لجنة الزراعة والأهوار "أوصت بتشكيل لجنة من مجموعة خبراء تقوم بفحص السماد المستورد، والذي تم تجهيز وزارة الزراعة به للخروج بنتائج نهائية نطمئن لها كجهة تشريعية مهمتها الرقابة وحسم الجدل حول الموضوع "، خصوصا أن "استيراد هذه المواد من روسيا أو اليابان عليه بعض التحفظات بسبب تعرض أقاليم من تلك الدول إلى إشعاعات نووية". ونتيجة لذلك، هناك "تحفظات على استيراد المواد الأولية من تلك المناطق خصوصا وأنه من المعروف أن المواد المشعة تبقى كامنة في الأرض مئات السنين".

أما الكميات التي تم استلامها من قبل وزارة الزراعة، "فتبلغ 35 ألف طن من أصل 300 ألف طن تم الاتفاق عليها بين وزارتي الصناعة والزراعة ولم يتم توزيع أي منها على المواطنين حتى الآن"، بحسب موسى.

من ناحيته، قال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف لـ"ارفع صوتك" إن وزارته "تعاقدت مع وزارة الصناعة لتزويدها بسماد الداب من مصنع إنتاج الأسمدة في البصرة، وهي بدورها استوردت بعض المواد الأولية من روسيا وأوكرانيا وعند الفحص حصل شك بوجود تلوث بمواد مشعة".

وأوضح أنه تم إكتشاف وجود المواد المشعة بسبب الإجراءات التي يتم اتخاذها قبل استلام السماد حيث إن وزارة الزراعة "لا تستلم سماد الداب من أي شركة قبل إرسال عينات إلى وزارة البيئة للفحص الإشعاعي، وبالتالي قبل استلامه تم إرساله إلى الفحص ووجدنا فيه إشعاعا. ولذلك وقفنا التعامل مع الشركة حتى إثبات خلو هذا السماد من الإشعاع". ولهذا السبب، "رفضنا استلام المتبقي من الكمية المتعاقد عليها، وما تم استلامه سابقا لن يتم توزيعه الى الفلاحين".

من جهتها، نفت وزارة الصناعة والمعادن العراقية عبر مكتبها الإعلامي وجود تلوث بالإشعاع في سماد الداب. وقالت لـ"ارفع صوتك" إن شركة الاسمدة الجنوبية جهزت وزارة الزراعة بكمية بلغت 35 ألف طن من سماد الداب "خضعت جميعها إلى كافة الفحوصات وفق المقاييس العالمية"، مبينة أن وزارة الزراعة "أكدت على ذلك بكتب رسمية وشهادات فحص معتمدة في وزارة الصناعة".

 واعتبرت الوزارة أن هناك "حملات ومحاولات لتشويه وتعطيل عملها بالتزامن مع النهوض بعمل مصانع السمنت والأسمدة والبتروكيمياويات نتيجة الخطط السليمة والناجحة التي تبنتها الوزارة خلال الفترة الماضية".

حاول موقع "ارفع صوتك" الحصول على تصريح من وزارة البيئة، التي يفترض أنها أجرت الفحوصات لصالح وزارة الزراعة، إلا أن أحد مسؤوليها قال إن الوزارة "لن تعلق حاليا على الموضوع".