حاوية نفايات ممتلئة وتنتشر النفايات في محيطها- تعبيرية
حاوية نفايات ممتلئة وتنتشر النفايات في محيطها- تعبيرية

تتخلص أم جلال (57 عاماً)، من نفايات المنزل بوضعها في كيس كبير، ثم تمشي به إلى مكب النفايات الرئيس في حي الجهاد بالعاصمة العراقية بغداد. 

ذلك أن حاويات النفايات المتوافرة بين الشوارع دوماً ما تكون ممتلئة، حسب ما تقول أم جلال، التي تضطر أحياناً لترك أكياس النفايات بجانب الحاويات لا داخلها.

وتشكو لـ"ارفع صوتك" تزايد النفايات في الشوارع رغم محاولات المجالس المحلية الحد منها، وترى أن "الجميع يعانون صعوبة التخلص من النفايات، خاصة أن مركبات جمعها قليلة" وإذا تواجدت إحداها فإن سائقيها يطالبون السكان بدفع بعض المال لهم مقابل رفع النفايات. 

"لكن الكثير منا يرفض طلبهم، ويفضل التخلص منها عبر رميها في أماكن عدة" قد لا تكون مخصصة لهذا الغرض.

ووفقاً لإحصائيات أمانة بغداد عام 2019، فإن كمية النفايات في العراق زادت بمختلف أنواعها لتصل إلى أكثر من 9 آلاف طن يومياُ، أي ما يعادل أضعاف ما كانت ترفعه البلديات قبل 19 عاماً. 

 

نفايات المطاعم

أحمد وعد الذي يدير مطعماً في سوق شعبي ببغداد، يرى أن مهمة جمع النفايات "شاقة بالنسبة لأصحاب المطاعم ومحال بيع الخضار واللحوم". 

ويقول لـ "ارفع صوتك": "اعتاد الكثير من الناس على ممارسات شائعة في التخلص من النفايات، وهي بوضع أكياس النفايات البلاستيكية قرب أبواب منازلهم أو رميها في مساحات الأراضي الفارغة القريبة من مناطقهم".  

ومن أسباب تزايد النفايات، وفق أحمد "نوعية الأكياس البلاستيكية غير السميكة، التي تتمزق تحت أية تأثيرات بسيطة مثل ارتفاع درجة حرارة الطقس".

ومؤخراً، أعلنت وزارة البيئة العراقية انتهاءها من إعداد مشروع قانون خاص بإدارة النفايات، في محاولة لمعالجة التلكؤ الحاصل في مجال الطمر الصحي، الذي تسبب بحدوث مشكلات بيئية، بحسب تصريح المكلف بإدارة الوزارة جاسم الفلاحي، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية. 

وتواجه الوزارة تحديات كبيرة في التخلص من أكوام النفايات وكيفية إدارتها مع غياب أو ندرة المحطات التحويلية في كل منطقة. 

وقال الفلاحي إن هناك "ضعفاً كبيراً وتراخ في بلديات أمانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات في موضوع الإدارة الرشيدة للنفايات، خاصة أن جميع أماكن الطمر الصحي وتجميع النفايات لم تحصل على موافقات بيئية لأنها غير ملائمة بيئياً وصحياً واجتماعياً". 

وأشار  إلى أن استغلال النفايات وتدويرها "أصبح في كثير من الدول واحداً من القطاعات المنتجة التي تعزز التنوع الاقتصادي". 

 

مبادرات تطوعية 

في الوقت الذي تتزايد فيه مخاطر النفايات على الفرد والبيئة بسبب رميها بعشوائية في المدن وأراضيها الفارغة، يطلق العديد من الشباب المتطوعين حملات ومشاريع توعوية تعنى بتنظيف هذه الأماكن بعد الاتفاق مع البلدية لتوفير كابسات نفايات ونقلها إلى مكبات الطمر الصحي. 

كما تطلق صفحات عراقية عديدة في مواقع التواصل، حملات لتنظيف المدن وشواطئ الأنهار، من خلال كنس الشوارع الرئيسة ووضع حاويات تجميع القمامة.  

 

 

"لكن هذه المبادرات والحملات فردية غايتها تنظيف مؤقت وليس التخلص بتاتاً من النفايات، عبر وسائل عدة مثل إعادة تدويرها، خصوصاً النفايات المنزلية غير الخطرة، بدلاً من حرقها أو رميها"، حسب المتخصصة بعلوم البيئة وخريجة كلية العلوم منال سعدون.

وتؤكد: "ما نحتاجه بالفعل هو تكثيف الجهود الحكومية بمساندة المنظمات المدنية، للعمل على مبادرة (صفر نفايات) كي نتخلص من هدر الموارد، بتقليل النفايات اليومية". 

وتوضح سعدون لـ"ارفع صوتك"، أن "مهمة تنظيف المدن وشوارعها بشكل يومي في غاية الأهمية، لكن هناك مسألة إضافية يجب التركيز عليها وهي في توعية الناس وتثقيفهم، في كيفية استخدام النفايات والاستفادة منها كما يحدث في دول العالم". 

وتتابع أن "التخلص من النفايات عبر حرقها يؤثر سلباً على الصحة العامة. كما أن رميها ثم تجميعها في أماكن الطمر الصحي مسألة خطيرة؛ لأن أغلبها لا تعالج بطريقة صحيحة، فضلا عن أن أماكن تواجدها دائما ما تمون قريبة من التجمعات السكانية".

وفي السنوات القليلة الماضية، برزت صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي تروج لمنتجات مصنوعة من مواد منزلية مُعاد تدويرها، كما تشارك الكثير من النساء والفتيات في معارض وبازارات عبر تقديم مشغولات يدوية، موادها الأولية عبارة عن نفايات منزلية مثل الثياب والأثاث وأواني الطبخ وغير ذلك. 

وتتمثل مشكلة قطاع النفايات في العراق، حسب سعدون، في "إهمال الجهات الحكومية للكثير من المشاريع والمبادرات، التي تسهم في تغيير الحال، لأن مثل هذه المشاريع قد لا تدر الأرباح الكافية على بعض المتنفذين، لذا تتم المماطلة في تنفيذها".

وتقول إن الحكومة بدورها إذا ما عززت وروّجت بشكل عملي لأسلوب حياة "صفر نفايات" فهذا يعني "تحقيق نتائج إيجابية كبيرة، مثل توفير الكثير من فرص العمل للعاطلين والحفاظ على البيئة من التلوث". 

وتستدرك بسؤال "هل يمكن بالفعل العمل على مبادرة صفر نفايات؟"، قائلة "إضافة للدور الحكومي، نحن بحاجة لتوعية الأفراد وتثقيفهم، فلا استمرارية أو نجاح لأي مبادرة  دون توعية بقيمتها والإيمان بضرورتها". 

ويُذكر أن أسلوب الحياة الخالي من النفايات، آخذ في التزايد عالمياً، وأسهمت مواقع التواصل في نقل كثير من التجارب على المستوى العربي والعالمي. ويقوم أصحابه بإعادة استخدام أي شيء بدلاً من التخلص منه، أو التبرع به لمؤسسات ومتاجر خيرية، بالإضافة لتحويل المخلفات الغذائية لأسمدة طبيعية، وتقليل استخدام المصنوعات البلاستيكية، وترشيد استهلاك الموارد حتى استهلاك الملابس، إما باستخدامها لأطول وقت ممكن أو شراء ملابس صديقة للبيئة والتبضّع من محلات بيع المستعمل (البالة)، وغيرها من الطرق.

مواضيع ذات صلة:

فيما تؤكد وزارة الزراعة أن السماد يحتوى موادا مشعة، تؤكد وزارة الصناعة ذلك.
فيما تؤكد وزارة الزراعة أن السماد يحتوى موادا مشعة، تؤكد وزارة الصناعة ذلك.

أثارت لجنة الزراعة والأهوار في البرلمان العراقي الجدل بعد مطالبتها رئيس مجلس النواب وهيئة النزاهة والمدعي العام بإيقاف عقد تجهيز سماد روسي غير صالح للاستخدام كونه "عالي الإشعاع"، ويمكن أن يتسبب بـ"كارثة كبرى حال توزيعه على المزارعين".

وسماد الداب (DAP) هو اختصار لفوسفات ثنائي الأمونيوم، حيث يعتبر من أكثر الأسمدة استخداماً في العالم، وله محتوى غذائي مرتفع على شكل حبيبات جافة أو مساحيق قابلة للذوبان في الماء يسهل على الجذور امتصاصها واستخدام العناصر الغذائية فيها.

وقال رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان لـ"ارفع صوتك" إن الإجراء الذي اتخذته لجنته جاء على خلفية "معلومات توفرت من قبل بعض الناشطين وفي مقدمتهم النائب السابق رحيم الدراجي". وبما إن لجنته "هي الجهة المسؤولة عن الرقابة على جميع ما يتعلق بالقطاع الزراعي في العراق، فقد قامت بمخاطبة الجهات المسؤولة للوقوف على كافة تفاصيل العقد الذي تم بموجبه استيراد سماد الداب".

وكان النائب السابق في البرلمان العراقي رحيم الدراجي نشر على مواقع التواصل مقطع فيديو وجه من خلاله نداءات إلى الجهات المعنية لإنقاذ العراق مما أسماها "جريمة قتل جماعية بسبب سماد الداب المسرطن"، مبينا أنه "حصل على كتاب رسمي صادر من وزارة البيئة بأن المادة غير مستوفية من الناحية الإشعاعية وغير مسموح تداولها".

وبحسب رئيس لجنة الزراعة، فإنه على إثر انتشار تلك النداءات على مواقع التواصل،  "خاطبت اللجنة رئيس هيئة النزاهة ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس مجلس النواب لإيقاف عقد أبرم من قبل وزارة الزراعة لاستيراد 300 ألف طن من مادة سماد الداب الروسي الصنع التي وزعت على مخازن الشركة العامة للتجهيزات الزراعية". وحسب اللجنة، فإن "السماد غير صالح للاستخدام حيث إنه عالي الإشعاع ويتسبب بكارثة كبرى في البلد إذا تم توزيعه إلى المستخدمين".

الخطاب الذي تحدث عنه الجبوري، وحصل "ارفع صوتك" على نسخة منه، تحدث عن الطريق الذي سلكه السماد للوصول إلى الأراضي العراقية، حيث "تم وصول وجبة أولى من هذا السماد طريق عن تركيا ومن ثم منفذ ابراهيم الخليل، ليتم بعد ذلك توزيعه على مخازن الشركة العامة للتجهيزات الزراعية". 

وطالبت اللجنة بـ"إيقاف العقد الموقع من قبل وزارة الزراعة والتحفظ على الكميات الموجودة في المخازن وإجراء تحقيق شفاف وعادل عن صلاحية هذه المادة للاستخدام ويكون الفحص للمادة من قبل الجهات الحكومية الرسمية المختصة".

وبحسب مستشار لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب صباح موسى، فإن المادة "تم اكتشافها من قبل مركز الوقاية من الإشعاع، إحدى تشكيلات وزارة البيئة التي تمتلك أجهزة متطورة قادرة على رصد وتحديد النسب المسموح بها من الإشعاع. وبعد إرسال نماذج من مادة سماد الداب تبين بعد الفحص بأن هناك نسبة غير مسموح بها من الإشعاع، فتم رفض تلك المادة وإرجاعها".

وأضاف المستشار أنه تمت استضافة مسؤول مخول من قبل المديرية العامة للأسمدة التابعة لوزارة الصناعة. وكانت "بعض إجاباته عن الأسئلة التي تم طرحها غامضة وغير واضحة مع الأسف، فيما يتعلق بالمواد المستوردة من روسيا. وقال إنها تشكل قيمة مضافة وكأنه أراد إبلاغنا أن الخط الإنتاجي موجود لكنه غير متكامل، أي أنه يحتاج إلى مواد أولية". وبسبب الإجابات التي تم تقديمها، يضيف مستشار لجنة الزراعة والمياه والأهوار: "لم نفهم إذا ما كان المعمل الذي تم افتتاحه في البصرة خط إنتاجيا أم خط تعبئة فقط".

وكان وزير الصناعة منهل الخباز افتتح قبل شهرين معمل سماد الداب في محافظة البصرة والذي تمَّ إنشاؤه بالمُشاركة مع شركة "تربل أي" بطاقة إنتاجية 1500 طن يومياً. وضِمنَ مراسيم حفل الافتتاح تم أيضا توقيع عقد سنوي بين المصنع ووزارة الزراعة لتزويدها بمُنتج سماد الداب وبكمية 50 ألف طن كمرحلة أولى.

وأوضح المستشار صباح موسى أن لجنة الزراعة والأهوار "أوصت بتشكيل لجنة من مجموعة خبراء تقوم بفحص السماد المستورد، والذي تم تجهيز وزارة الزراعة به للخروج بنتائج نهائية نطمئن لها كجهة تشريعية مهمتها الرقابة وحسم الجدل حول الموضوع "، خصوصا أن "استيراد هذه المواد من روسيا أو اليابان عليه بعض التحفظات بسبب تعرض أقاليم من تلك الدول إلى إشعاعات نووية". ونتيجة لذلك، هناك "تحفظات على استيراد المواد الأولية من تلك المناطق خصوصا وأنه من المعروف أن المواد المشعة تبقى كامنة في الأرض مئات السنين".

أما الكميات التي تم استلامها من قبل وزارة الزراعة، "فتبلغ 35 ألف طن من أصل 300 ألف طن تم الاتفاق عليها بين وزارتي الصناعة والزراعة ولم يتم توزيع أي منها على المواطنين حتى الآن"، بحسب موسى.

من ناحيته، قال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف لـ"ارفع صوتك" إن وزارته "تعاقدت مع وزارة الصناعة لتزويدها بسماد الداب من مصنع إنتاج الأسمدة في البصرة، وهي بدورها استوردت بعض المواد الأولية من روسيا وأوكرانيا وعند الفحص حصل شك بوجود تلوث بمواد مشعة".

وأوضح أنه تم إكتشاف وجود المواد المشعة بسبب الإجراءات التي يتم اتخاذها قبل استلام السماد حيث إن وزارة الزراعة "لا تستلم سماد الداب من أي شركة قبل إرسال عينات إلى وزارة البيئة للفحص الإشعاعي، وبالتالي قبل استلامه تم إرساله إلى الفحص ووجدنا فيه إشعاعا. ولذلك وقفنا التعامل مع الشركة حتى إثبات خلو هذا السماد من الإشعاع". ولهذا السبب، "رفضنا استلام المتبقي من الكمية المتعاقد عليها، وما تم استلامه سابقا لن يتم توزيعه الى الفلاحين".

من جهتها، نفت وزارة الصناعة والمعادن العراقية عبر مكتبها الإعلامي وجود تلوث بالإشعاع في سماد الداب. وقالت لـ"ارفع صوتك" إن شركة الاسمدة الجنوبية جهزت وزارة الزراعة بكمية بلغت 35 ألف طن من سماد الداب "خضعت جميعها إلى كافة الفحوصات وفق المقاييس العالمية"، مبينة أن وزارة الزراعة "أكدت على ذلك بكتب رسمية وشهادات فحص معتمدة في وزارة الصناعة".

 واعتبرت الوزارة أن هناك "حملات ومحاولات لتشويه وتعطيل عملها بالتزامن مع النهوض بعمل مصانع السمنت والأسمدة والبتروكيمياويات نتيجة الخطط السليمة والناجحة التي تبنتها الوزارة خلال الفترة الماضية".

حاول موقع "ارفع صوتك" الحصول على تصريح من وزارة البيئة، التي يفترض أنها أجرت الفحوصات لصالح وزارة الزراعة، إلا أن أحد مسؤوليها قال إن الوزارة "لن تعلق حاليا على الموضوع".