من بين دول الخليج، كانت البحرين الأكثر تأثّراَ بما يسمّى الربيع العربي على الرغم من عدم قدرة المتظاهرين والمعارضة البحرينية على إحداث اختراق يُذكر في أسس حكم البلاد. الأزمة السياسية في جزءٍ كبير منها دستورية، لكنّها حملت في معظم الأحيان طابعاً طائفياً تمثّل في الانقسام السني-الشيعي المتشعّب حالياً في الدول العربية.

على الرغم من عدم وجود إحصائيات موثّقة حول التوزيع الديموغرافي المذهبي في المملكة، ترد أرقام حول أنّ 70% من سكان البحرين مسلمون شيعة، فيما تنتمي العائلة الحاكمة الى المذهب السني.

دستور البحرين

في عام 1973، صدر أوّل دستور بحريني، بعد عامين على استقلال المملكة عن بريطانيا. وصادق عليه أمير البحرين آنذاك الشّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة. بعد عامٍ واحد، تفاقم الخلاف حول قانون أمن الدّولة في البحرين وتمّ تعطيل أحكام الدّستور المتعلّقة بالسّلطة التّشريعيّة والرّقابة، كما أصدر الأميرُ مرسوما بتأجيل انتخابات المجلس الوطني. وظلّت الحياة النيابيّة معطّلة في البحرين حتى عام 2001 بعد تسلّم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وريث وابن الأمير السابق، الحكم والآمال بالتغيير في المملكة.

كلّف الملك لجنة بالعمل على ميثاق العمل الوطني. وطرح الميثاق للاستفتاء، وحاز على موافقة شعب البحرين بنسبة وصلت 98.4% . في العام التالي، صدر الدستور الجديد بخلاف الدستور العقدي لعام 1973، ولم يتضمّن العديد من البنود التي طرحت في ميثاق العمل الوطني.

وبموجب المادة الأولى من دستور عام 2002، فإنّ نظام الحكم في البحرين هو ملكي دستوري وراثي. كما تنصّ نفس المادة على كونه نظاما ديمقراطيّا السيادة فيه للشّعب مصدر السلطات جميعاً وفقا لأحكام الدّستور.

وتشير دراسة صادرة عن (مركز الخليج لسياسات التنمية) إلى أنّه خلاف دستور 1973،  يأخذ دستور 2002 بنظام المجلسين، فينصُّ على أن المجلس الوطني يتكوّن من مجلسين، أحدهما منتخب (مجلس النواب)، والآخر يُعيّنه الملك بموجب مرسوم (مجلس الشورى)، ويتشاركان في الصّلاحيّة التّشريعيّة.

صعود الجماعات المتشدّدة

قاطعت المعارضة البحرينية الانتخابات بعد صدور دستور 2002، الأمر الذي يعتبر مراقبون أنّه أدّى إلى صعود جماعات إسلامية متشدّدة إلى التمثيل النيابي. وانتقل النقاش في المجلس من أمور أساسية كالتعديلات الدستورية إلى أمور لا تحمل أهمية، كاستضافة مثقفين في البلاد بعضهم غير ملتزم دينيا ومسائل ثانوية أخرى.

كون المعارضة البحرينية بأغلبية شيعية، أدّى الأمر أيضاً إلى إعطاء طابع طائفي للنزاع الذي تعتبره المحامية المجازة أمام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية بمملكة البحرين جليلة السيّد "سياسيا".

كما تعتبر السيّد أنّ صعود جماعات متشدّدة كـ"السلف" و"الإخوان المسلمين" في البحرين نتيجة "للعقلية القبلية بجانبها السيء وعقلية القرون الوسطى التي تسود جزئيا في البحرين، كذلك امتداد الفكر الوهابي الآتي من المملكة العربية السعودية".

شيعة البحرين

شاع مصطلح شيعة البحرين منذ بدء التحرّك في الشارع من قبل جماعات معارضة عام 2012. لكنّ الأزمة بحسب السيّد في عمقها ليست طائفية. تقول "كانت هناك محاولة دائمة لتصوير نظام البحرين على أنّه ضحية لتفجيرات إرهابية أو ضحية للتدخلات الخارجية وهذه صورة مبالغ بها. الديموغرافيا هي ما تفرص الأكثرية العددية في المعارضة البحرينية. كونهم يشكلون أكثرية السكان، فمن الطبيعي أن تكون أغلبية المعارضة منهم".

لكنّ السيّد تشير إلى أنّ "الشيعة خضعوا لتهميش واضح من خلال خطوات اتخذتها الحكومة مثل حلّ المؤسسة الدينية الشيعية وتوقيف رجال الدين الشيعة. وهذا الاضطهاد الديني نتيجة فشل الحكم في إدارة الصراع على كافة الأصعدة". وتبقى المشكلة كما تؤكّد السيّد "الفساد" وتصفها بالكبيرة والمقرفة.

من الجهة الأخرى، يعتبر الموالون للنظام البحريني أنّ الحكومة قامت بالعديد من الخطوات في اتجاه التغيير منذ أن بدأ العمل بما يسمّونه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

لا ضرورة لفصل الدين عن الدولة

لا تعتبر السيّد أنّ فصل الدين عن الدولة يشكّل الحلّ للأزمة في البحرين، وتقول "الأزمة سياسية ممتدة عبر التاريخ ومردها الأساس إلى تفرّد الأسرة الحاكمة بالقرار وهذا ما يضع البلاد بأسرها رهينة للحاكم".

وتتابع "في مطلع التسعينات برزت الحاجة إلى إعادة النظر بالتركيبة السياسية القائمة وحصلت بعض الانفراجات في بداية عام 2001، لكن اتّضح لاحقا عدم وجود رغبة فعلية بالتغيير وإيجاد إصلاح حقيقية".

المشكلة تلخّصها السيّد في غياب المساءلة والرقابة سواء للملك أو لمجلس الوزراء. "وهذه مشكلة لا يحلّها حتى تغيير الدستور لأنّ الحاكم إن كان دكتاتوريا سيجد وسيلة  أخرى للاستبداد والتسلط".

وتؤكد بالوقت نفسه أنّ "البحرينيين ليسوا انقلابيين ولا مشكلة لديهم مع الأفراد، بل هم يؤمنون فقط بالمحاسبة وبالمشاركة بالحكم".

*الصورة: مظاهرات في البحرين/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".